كلمات الرئيس السيسى فى قمة بريكس كانت صارخة وخاطفة، كأنها طلقات نحو ضمير العالم ليصحو من ثباته، فها هو يقولها صريحة: «المشهد الدولى غارق فى ازدواجية فاضحة للمعايير». الحرب الإسرائيلية الغاشمة فى غزة والانتهاكات السافرة أكبر دليل على انتهاك القانون. جرائم مروعة تُرتكب ستظل وصمة عار لا يمحوها الزمن، تطارد من تلطخت أيديهم بها.
وأكد مجددا موقف مصر الثابت والرافض بشكل قاطع لأى سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم تحت أية ذريعة. ودعا إلى دعم جهود إحياء مسار حل الدولتين والاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته. وتشهد منطقة الشرق الأوسط أزمات متلاحقة ألقت بظلالها الثقيلة على السلم واستقرار الدول، وعرقلت التنمية. ويُعد مجلس الأمن مثالا صارخا على ما آل إليه حال المجتمع الدولى من عجز وتراجع.
وبالتوازى مع جهود مصر على المسار الأمنى والعمل الحثيث على وقف إطلاق النار، تستمر الجهود المصرية على المسار الإنسانى عبر تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للفلسطينيين، إضافة إلى جهودها على المسار السياسى فى حشد الدعم الدولى من أجل تنفيذ حل الدولتين وزيادة الاعتراف العالمى بالدولة الفلسطينية، خاصة مع انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الجارى واعتراف عدة دول مهمة بالدولة الفلسطينية. ومع ذلك تتواصل الجهود المصرية بشكل مكثف وبالتعاون مع الوسطاء «أمريكا وقطر» من أجل العودة إلى المفاوضات والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، فى إطار أولويات الدولة المصرية بإيقاف نزيف الدم الفلسطينى وإنهاء المعاناة الإنسانية.
وفى هذا الإطار، فإن حديث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن ضرورة إنهاء الحرب، والمحادثات حول صفقة لوقف إطلاق النار يمثل خطوة مهمة، ويتطلب من الجانب الأمريكى التدخل والضغط بشكل حقيقى على حكومة نتنياهو لإبرام صفقة تقضى بإطلاق سراح الأسرى والرهائن وإنهاء الحرب. فالضغط الأمريكى يمثل عاملًا حاسمًا فى إنجاز تلك الصفقة، لأن نتنياهو لا يعير أى ضغوط دولية أو داخلية، ومنها مطالبات أهالى الأسرى، أى اعتبار، ويسعى إلى تنفيذ مخططه فى احتلال مدينة غزة وتدميرها تماما على رءوس الغزاويين، وتنفيذ مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين عبر سياسة الأرض المحروقة وتدمير ما تبقى منها.
ورغم التحديات والعراقيل التى تضعها حكومة الاحتلال أمام التوصل إلى اتفاق، حيث تعتمد منهج المراوغة والتعنت ووضع الشروط التعجيزية، إلا أن الجهود المصرية لم تتوقف يومًا واحدًا، إذ تعمل مصر على تذليل العقبات وحل القضايا العالقة التى تسببت فى إفشال المفاوضات السابقة. وبالتالى، فإن الجهود المصرية تسعى لإجهاض مخطط نتنياهو الخاص بتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والتأكيد على الإدارة الفلسطينية لقطاع غزة باعتباره جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، ورفض أى صيغ إسرائيلية لفرض الأمر الواقع وتغيير التركيبة الجغرافية والديموغرافية لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
يبقى خطاب الرئيس السيسى فى قمة بريكس بمثابة جرس إنذار للعالم، ورسالة واضحة بأن مصر لن تتخلى عن دورها التاريخى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولن تسمح بتمرير مخططات التهجير أو تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. فالقضية لم تعد مجرد أزمة إقليمية، بل اختبار حقيقى لضمير الإنسانية كلها، وعلى المجتمع الدولى أن يتحمل مسئولياته بعيدا عن ازدواجية المعايير، حتى يتحقق السلام العادل والشامل وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة على أرضها وعاصمتها القدس الشرقية. وواجب الشعوب أن تحفظ ذاكرة فلسطين حيّة، وأن تدعم صمود شعبها بكل السبل الممكنة، فالقضية ليست قضية أرض فقط، بل قضية هوية وكرامة أمة بأكملها.