نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالا للكاتب يهوذا واكسلبوم، تناول فيه الخطوات العديدة التى يتخذها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لتأكيد أن بلاده أصبحت مركز النفوذ الجديد فى أوروبا، مستغلا الفراغ الذى خلفه رحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل... نعرض منه ما يلى:على مدى العقدين الماضيين، نظر الاتحاد الأوروبى إلى أنجيلا ميركل على أنها زعيمة بلا منازع. ولكن مع اختيار ميركل عدم السعى لإعادة الترشح بجانب قرار المملكة المتحدة ترك الاتحاد الأوروبى، ظهرت ديناميكية جديدة تماما فى النظام البيئى السياسى فى أوروبا.
فى هذا التحول، يرى إيمانويل ماكرون فرصة لتأكيد أن فرنسا مركز النفوذ الجديد فى أوروبا. فمن خلال إدخال فرنسا فى القضايا السياسية ولعب دور فى النزاعات، يسعى ماكرون إلى مستوى من الأهمية على الساحة العالمية لم تشهده فرنسا منذ عهد الرئيس نيكولا ساركوزى.
على كلٍّ، محاولة ماكرون استعراض عضلاته فى النزاعات ليست بالأمر الجديد؛ فبعد انفجار مرفأ بيروت فى لبنان، توجه على الفور إلى الدولة المنكوبة للمساعدة فى التفاوض على تشكيل حكومة جديدة. إلا أنه تعرض لانتقادات لرفضه تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، بل ذهب إلى حد عدم بذل جهود لضمان بقاء المساعدة للبنان بعيدة عن أيدى التنظيم.
كذلك فى وقت سابق من هذا الشهر، استضافت فرنسا مؤتمرا يأمل فى ضمان بقاء انتخابات 24 ديسمبر فى ليبيا على المسار الصحيح. فى المؤتمر دعا ماكرون المقاتلين الأجانب إلى مغادرة البلاد متجاهلا الدعم الفرنسى السابق للجيش الوطنى الليبى وخليفة حفتر، الذى قاد حملة استمرت قرابة العام ضد طرابلس وحكومة الوفاق الوطنى التى أنشأتها الأمم المتحدة. الآن بعد أن انضم الطرفان كحكومة وحدة وطنية مؤقتة، يريد ماكرون للماضى كأن لم يكن.
تجدر الإشارة إلى أنه فى الصراع الليبى، دعمت فرنسا وروسيا نفس الأطراف المتصارعة. وهذا التشابه فى الموقف لم ينعكس على قضايا أخرى. بكلمات أوضح، صرحت فرنسا بأن روسيا بحاجة إلى احترام سيادة أوكرانيا، وهو اعتقاد فشل ماكرون فى التمسك به فى ليبيا. وعندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم فى عام 2014، صمت معظم المجتمع الدولى؛ الآن، مع وجود تقارير تفيد بأن روسيا تفكر فى غزو آخر لأوكرانيا، يرى ماكرون فرصة ليكون مدافعا عن أوروبا ومعارضة النية الروسية.
ومع ذلك، لم يعارض ماكرون أبدا العمل مباشرة مع روسيا. أخيرا، عملت فرنسا مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لتقليل التوترات الأوروبية مع بيلاروسيا.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت تصريحات ماكرون أكثر جرأة منذ أن أعلنت ميركل عن رحيلها. حيث صرح ماكرون بأن فرنسا ستبقى فى العراق بغض النظر عن الانسحاب الأمريكى المحتمل. لقد فعل هذا لأسباب متعددة. ولا يخفى على أحد أن الرئيسين بايدن وماكرون توترت علاقتهما بعد الجدل الدائر حول صفقة غواصات مع أستراليا حينما كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا عن تعاون جديد لتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية (اتفاق أوكوس)، على إثرها ألغت الحكومة الأسترالية بالفعل عقد بقيمة 90 مليار دولار للغواصات التى تعمل بالديزل مع شركة تصنيع غواصات فرنسية.
أما بعد انسحاب واشنطن المخزى من أفغانستان، رأى ماكرون فرصة لإلقاء ضربة أخرى على بايدن من خلال الإعلان عن أن باريس لا تتطلع إلى واشنطن للحصول على إرشادات بشأن الشئون الخارجية.
إجمالا، يمكن القول أن ماكرون يريد ملء الفراغ المحتمل الذى تركته ميركل ويحاول انتهاز ما يعتقد أنها لحظة انضمام فرنسى إلى المسرح العالمى. لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت جهوده ستكون مثمرة أم لا؛ إلا أن ما هو واضح هو الثقة التى يتحرك بها ماكرون والتى ستغير الطريقة التى تعمل بها أوروبا على مدى العقدين الماضيين.
على أى حال، كل جهوده تعطى نظرة ثاقبة حول أدائه فى جهوده لإعادة انتخابه فى العام المقبل.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: