الاختيار.. «الموت قتلا أو جوعا أو الهجرة الطوعية» - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الخميس 15 مايو 2025 1:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الاختيار.. «الموت قتلا أو جوعا أو الهجرة الطوعية»

نشر فى : الأربعاء 14 مايو 2025 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 مايو 2025 - 9:20 م

أيها الغزيون أمامكم اختيارات ثلاث يمكنكم الاختيار بينهم.. إما البقاء فى القطاع وتعرضكم للموت قتلا بالقنابل أو جوعا بالحصار، أو تختارون الهجرة من القطاع بكل حرية وتنعمون بحياة كريمة فى بلد آخر مع قيام إسرائيل أو دولة الاحتلال –كما تقولون– بعمل كل الترتيبات اللازمة بالتعاون مع إدارة الرئيس ترامب – صاحب اقتراح التهجير الأصلى– لتنفيذ هذا "المشروع الإنسانى الكبير".. وسيشرف جيش الدفاع الإسرائيلى.. وهو أكثر جيوش العالم إنسانية كما تعلمون بالإشراف على تنفيذ الخطة.

أما الاقتراح البديل –الذى أقره مجلس الوزراء الأمنى– فهو يقضى بإجلاء سكان شمال غزة وجنوبها المجاور لمصر من السكان "وحشرهم" فى الوسط مع تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق منفصلة، وقيام إسرائيل باحتلال كامل أراضى القطاع وتوليها توزيع "كراتين" الطعام التى تكفى لثلاثة أيام فقط على السكان دون المنتمين لحركة حماس طبعا.
•••
يا أهالى غزة الكرام.. لن ينفعكم صراخ المنظمات الدولية المعادية للسامية مثل الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها خاصة منظمة الأونروا الإرهابية.. ولا تصدقوا أن القانون الدولى يوفر لكم الحماية.. سيقولون لكم أن إجلاء السكان تحت إكراه الحصار والقصف والتجويع هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين ونظام المحكمة الجنائية الدولية فكل هذا هراء وكل هذا نابع من أفواه معادية للسامية.

اعلموا أن اتفاقية إبادة الجنس إنما هى من صنع اليهود وأبرمت لحماية اليهود وضمان عدم تعرضهم لأهوال أخرى مثل المحرقة فلا يأخذكم الخيال بعيدا وتظنون أنها تمتد لتشمل أوضاعكم..
وإياكم أن تستمعوا إلى المنظمات الحقوقية الدولية من أمثال العفو الدولية وهيومان ووتش فهى منظمات يشرف عليها أناس معادون للسامية أو حتى يهود كارهون ليهوديتهم..
•••
استمعوا إلى هذه النصائح «المخلصة» فلن ينفعكم أحد حتى إخوانكم العرب والمسلمون، فإنهم يرضونكم بأفواههم وتأبى أيديهم وجيبوبهم ومصالحهم المرتبطة بنا وبأمريكا من القيام بعمل ذى جدوى فعلية..
•••
أنتم على أبواب النكبة الثالثة أو النكبة الكبرى بعد نكبة عام 1948 وعام 1967، ونحن نقوم حاليا – وبمساعدة الولايات المتحدة – بالتفاوض مع عدة دول لانتقالكم «الطوعى» إليها فلا تظلموا أنفسكم واستمعوا إلينا فهو خير لكم...
•••
ما تقدم هو خلاصة للموقف الإسرائيلى الحالى المدعوم من أمريكا... والآن وبعد أكثر من 60 يوما على الحصار الإسرائيلى الخانق للقطاع وتصريحات المسئولين الأمميين بأن مخازن الطعام أصبحت فارغة والأفران أغلقت وانتقل شبح المجاعة إلى المجاعة الحقيقية وسقط 57 طفلا موتى من الجوع.. فماذا نحن فاعلون؟..
إن المبرر الذى تستخدمه إسرائيل هو نفس المبرر الذى يلجأ إليه الأوغاد فى كل مكان لتبرير جرائمهم النكراء فمن أجل تحقيق أمن إسرائيل لا مانع من دفع مليونى فلسطينى خارج القطاع، ومن أجل قتل فرد واحد من حماس لابد من إبادة حى بأكمله فى مخيم جباليا.
ومن أجل حماية المستوطنين فى الضفة الغربية تطلق إسرائيل يد عصاباتهم المسلحة الذين كانوا يدرجون على قوائم الإرهاب فى معظم دول العالم لطرد سكان القرى الفلسطينية من بيوتهم وقتل المزارعين العزل وهم يقطفون الزيتون.
يقول موقع كارنيجى «إن ما يثير الدهشة هو موقف البلدان الغربية التى تستخدم أحداث السابع من أكتوبر ذريعة لما تقوم به إسرائيل من أعمال الإبادة»، لقد انهارت الأسس الأخلاقية للسردية الغربية.
أما الصمت العربى والإسلامى المشين فحدث عنه ولا حرج، فقد نشرت جريدة المصرى اليوم تصريحات لمسئول أمريكى سابق يقول فيها إنه مذهول من الصمت العربى إزاء ما يجرى فى غزة وأذكر أن دونالد ترامب عندما بدأ يدرس الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها، ذكر أن المسئولين حذروه من رد الفعل العربى والإسلامى وأن «السماء ستقع على الأرض»، ويقول ترامب إنه مضى قدما بعد إجراء بعض الاتصالات ولم تسقط السماء على الأرض..
ولا شك أن هناك من يقول وهل نضحى ببلدنا وأمن شعبنا وهو الأمر الذى حققناه بشق الأنفس فى مغامرة غير محسوبة العواقب ومواقف يتخذ فيها كثير من الأطراف تصرفات هوجاء خارج سيطرتنا..
وهذا التوجه هو بعيد كل البعد عما أود أن أطرحه، فالضغوط غير العسكرية قد تكون ذات فعالية كبيرة وقد شاهدنا تصدى مصر لمخططات ترحيل الغزاويين إلى سيناء ووقوفها – ليس فى وجه إسرائيل فقط – بل فى وجه ترامب وإدارته المتطرفة مما أفشل هذه المحاولة..
فأبواب الضغوط متعددة وتشمل ضغوطا دبلوماسية مثل دعوة مجلس الأمن للانعقاد على مستوى رؤساء الدول ويحضره أكبر عدد من الرؤساء العرب لمطالبته باتخاذ موقف ضد جريمة التهجير القسرى وأدواته البشعة المستخدمة من قتل جماعى وتجويع، ومثل استدعاء السفراء ثم التحرك فى نطاق (المحاكم الدولية والعدل والجنائية الدولية) ودعم الشكاوى المقدمة إليها وتشجيع رفع قضايا فى محاكم الدول التى تعتمد الولاية القضائية العالميةUniversal Jurisdiction .
هناك تحرك آخر مهم، فقد دأبت إسرائيل على التشكيك فى كل البيانات الخاصة بعدد القتلى والجرحى والمستشفيات المدمرة وحتى كمية الغذاء المتوفرة فى غزة بذريعة أنها بيانات صادرة من حماس ومن وزارة الصحة الخاضعة لها.
هنا يجب علينا أن ندفع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية أن تنشر ما لديها من بيانات موثقة، كما يجب علينا المطالبة بإيفاد بعثات مستقلة لتوثيق الانتهاكات وإن لم تسمح إسرائيل لها بالدخول فيمكن الاستعانة بشهادة اللاجئين والأجانب الذين استطاعوا الخروج من غزة، كما يمكننا القيام بحمله للمطالبة بإنهاء التعتيم الإعلامى الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة ودعم المطلب الذى تقدمت به رابطة الصحفيين الأجانب بالدخول إلى قطاع غزة المحاصر دون قيود حيث لم يتمكن أى صحفى أجنبى من دخول قطاع غزة لتغطية الأنباء بشكل مستقل منذ بداية حرب الإبادة فى أكتوبر 2023 حتى الآن، وأشارت الرابطة أن إسرائيل تمنع العالم من رؤية الصورة الكاملة لما يجرى هناك وهددت الرابطة باللجوء إلى المحكمة العليا فى هذا الصدد.
يجب ألا تكون هذه التحركات حكومية فقط بل يجب إشراك المنظمات الحقوقية والبرلمانات والأحزاب والنقابات فى هذه الجهود وغيرها من الوسائل لتحريك الرأى العام العالمى.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات