فوضى مُمَأسَسة - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فوضى مُمَأسَسة

نشر فى : الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 8:30 م
كان لدى بنيامين نتنياهو حلم إقامة محور مناوئ لإيران فى الشرق الأوسط. لكن حتى الدعم العلنى لكردستان، وسياسة العلاقات الظاهرية مع الدول الخليجية المعتدلة والقصص عن علاقات «الموساد» مع مسئولين كبار فى أنظمة مختلفة فى العالم لم تُجدِ نفعا فى التقدم نحو تحقيق هذا الحلم، ولو مليمترا واحدا. 
من بين الأخطاء التى ارتكبها رئيس الحكومة « بنيامين نتنياهو» أنه أعلن أن إسرائيل تدعم المساعى الشرعية للشعب الكردى من أجل إنشاء دولة مستقلة خاصة به. ويعتبر ذلك خطأ نظرا لوجود أضرار جراء ذلك على كل من الأكراد وإسرائيل. 
المثير للدهشة أن يرفض نتنياهو إعلان التأييد لاستقلال فلسطين فى حين أعلن تأييده لاستقلال كردستان والذى يتعارض مع العقل السوى والمنطق السياسى. وإذا ما عقدنا هذه المقارنة، فينبغى القول إن الفلسطينيين يحظون بتأييد دولى واسع، بينما يواجه الأكراد معارضة شاملة، ومثلما تعانى إسرائيل من العزلة فى معارضتها إقامة دولة فلسطينية، كذلك هى وحيدة ومعزولة أيضا فى دعمها استقلال كردستان. 
نتنياهو يروج لفكرة استقلال الإقليم الكردى منذ أن اكتشف إيران باعتبارها عدوا وجوديا وأداة سياسية ناجعة. الأكراد، من وجهة نظره، هم جزء من المحور المناوئ لإيران. قبل سنتين فقط، توهم بإنشاء محور تركيا ــ كردستان ــ إسرائيل فى مواجهة التهديد الإيرانى. فى عام 2014، أوفد ليبرمان إلى جون كيرى ليخبره بأن «تفكك العراق يحصل أمام أعيننا وبأن إقامة دولة كردية مستقلة أضحت حقيقة ناجزة».
الاستفتاء العام الكردى دفع تركيا إلى التهديد بقطع أنبوب النفط الكردى إلى الغرب، فيما شرعت تركيا وإيران فى المقابل فى تحريك دباباتهما على حدودهما مع كردستان. وفى حالة إذا لم يتراجع زعيم كردستان مسعود برزانى عن الاستقلال فيقوم كل من بشار الأسد فى سوريا وحكومتى العراق وإيران بفرض حصار جوى وبرى. الأكراد لا يمتلكون منفذا إلى البحر، وستكون النتيجة إحكام حصار خانق عليهم. الأمريكيون أيضا يعارضون، بشدة، مساعى الاستقلال. انتزاع كردستان من العراق سيضع الجمهوريين أمام ضرورة الإجابة عن السؤال التالى: ما الذى سببتموه بغزوكم العراق؟ دفعتم نحو تفكيك إحدى الدول المشمولة برعايتكم (حتى الآن)، استولدتم تنظيم «داعش»، ورطتم منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وكل هذا استنادا إلى ادعاءات كاذبة بشأن وجود أسلحة دمار شامل، وإلى حالة الإحباط الناجمة عن أحداث 11 سبتمبر.
ليست لدى أدنى فكرة عن الدوافع التى قادت مسعود برزانى إلى الإعلان عن استفتاء شعبى عام كمقدمة للاستقلال فى هذا الوقت تحديدا. آملُ ألا تكون قواتنا هى التى دفعته إلى هذه الحماقة. قبل سنة واحدة، تحدث العميد تسورى ساغى مع شخصية رفيعة جدا فى قيادة الحكم الكردى الحالى سمع منها عن فكرة إجراء الاستفتاء العام وذلك بعد انتهاء المعارك مع داعش وبعد الانتخابات فى الولايات المتحدة. اتصلتُ بساغى هاتفيا، باركتُ له باستقلال كردستان وسألته متى سيسافر إلى أربيل لإقامة سفارة إسرائيلية هناك، فتبادلنا الضحكات. فكرة أن «ساغى» يجرى محادثة مع زوجة السفير الأمريكى حول مزايا الإنسان العربى المتوسط، يُفترض أن تُفرِح كل من يعرفه. لكن «كل شىء ممكن أن يحدث فى الشرق الأوسط»، كما يقول «ساغى» عادة. فى أواسط الستينات، حين كان شابا وقائد كتيبة مظليين، أقام ودرب وفعل ــ مندوبا عن دولة إسرائيل وباسمها ــ جيش البشمركة الذى هزم جيش صدام حسين. مصطفى برزانى، زعيم الأكراد آنذاك، كان بمثابة الأب بالنسبة له. ابنه مسعود، زعيم الأكراد اليوم والدافع نحو الاستقلال، كان تلميذه الشخصى ونائبه وصديقه، ولا يزال كذلك حتى اليوم. 
تتمثل مصلحة مسعود برزانى الراهنة، بعد إعلان الاستقلال وردود الفعل الغاضبة، فى ترميم علاقاته مع إيران وتركيا والعراق. وإسرائيل؟ سيكون هذا هو الوقت المناسب لاستحضار ندوب الصدمة التى سببتها إسرائيل للشعب الكردى ولعائلة برزانى. مثل بقية الشعوب الأخرى فى المنطقة، الأكراد سريعو الغضب ويتمتعون بذاكرة طويلة المدى. قصة الحُب الإسرائيلية ــ الكردية ضد صدام حسين استمرت نحو عشر سنوات. لكن قصة الحب هذه انتهت فجأة حين تخلى جنود الجيش الإسرائيلى و«الموساد» عن الأكراد، بأوامر من الإدارة الأمريكية وشاه إيران، بعدما توصل الشاه إلى تفاهمات مع صدام حسين. يكتب أرييه إلداد ــ عضو سابق فى الكنيست الإسرائيلى ــ «قلوبنا مع الأكراد... ثمة بيننا شراكة مصالح متينة». بحثتُ فلم أجد أى مصلحة مشتركة. أفترض بأن طرفا ما قد أوهم الأكراد بأن نتنياهو سيكون سفيرهم فى واشنطن. 
من الجدير بالذكر أنه فى أحد مراسم الاحتفال بعيد رأس السنة العبرية، منح ستة من رجال «الموساد» أوسمة شرف. السبب: «ست عمليات سرية تم تنفيذها للمرة الأولى فى أنحاء مختلفة من العالم، بما فيها دول معادية، ومن خلال استخدام تقنيات فريدة طورها الجهاز (الموساد) نفسه». 
لا شك فى أن لكل وسام احترامه اللائق به وأن الأشخاص المكرمين جيدون ومخلصون، لكن ثمة خلف ألاعيب التهريج هذه سياسة ميدانية ينبغى النظر فيها وفحصها على انفراد. هذا هو الحال، أيضا، بالنسبة لقصص عجائب العلاقات التى يقيمها «الموساد» مع مسئولين كبار فى أنظمة حكم مختلفة فى العالم ومع أجهزة استخبارات أجنبية، لا سيما وبشكل خاص مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) .يمكن القول إن جميع هذه العلاقات لم تسهم فى دفع سياسة الحكومة نفسها إلى الأمام، ولو مليمترا واحدا. فى المسألة الإيرانية، على سبيل المثال. فالمساعى المؤسساتية ضد إيران لم تحل دون التوصل إلى الاتفاق النووى ولم تمنع التوقيع عليه فقط، بل جعلت من دولة إسرائيل وإدارة ترامب تحالف المكروهين فى معركتهما العبثية ضد الاتفاق. 

 

التعليقات