نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب «Zvi Bar'el» يتناول فيه التوترات الأخيرة بين واشنطن وطهران.
لقد أعطى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الإيرانيين رقم هاتفه وطلب منهم الاتصال إذا أرادوا التحدث. وصرح الإيرانيون بأنهم لا يعتزمون الاتصال، لأنه لا يوجد أحد يمكن التحدث إليه. وإنهم لا يثقون بأمريكا أو الأوروبيين.
وحذرت إيران واشنطن من أنه فى حالة شن أى هجوم عليها سيتم الرد بقوة كبيرة، ولكن فى الوقت ذاته صرح المرشد الأعلى على خامنئى قائلا بأنه لن تكون هناك حرب مع أمريكا. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة تخطط لإرسال 120,000 جندى إلى الخليج على رأس الأسراب وحاملة طائرات؛ ونفى ترامب ذلك، واصفا إياه بأنه أخبار وهمية.
وفى وقت سابق تضررت ناقلتان نفطيتان سعوديتان وأربع سفن تجارية على أيدى مخربين «مجهولين». الرياض اتهمت إيران. ونفت طهران ذلك. وأطلق المتمردون الحوثيون اليمنيون صواريخ على منشآت نفطية سعودية، لكنهم قالوا إنهم كانوا يردون على حرب السعوديين فى اليمن، وليس لمحاولة ردع أى هجوم على إيران.
وصرح نائب قائد القوات الغربية فى العراق وسوريا، الميجور البريطانى الجنرال Chris Ghika، قائلا إنه لا يوجد تهديد متزايد من الميليشيات التى تدعمها إيران. ورفضت القيادة المركزية الأمريكية ذلك وأكدت أنها لديها معلومات محددة حول خطط لمهاجمة أهداف أمريكية.
ما هى الحقيقة؟ لا أحد يعرف ما الذى يحدث؟
إن التوترات آخذة فى الازدياد، والجو فى الخليج ملىء بالنيران. والتساؤلات تطرح نفسها. هل ستكون هناك حرب؟ هل ستكون هناك مفاوضات؟ هل سينهار النظام الإيرانى؟ هل سيتم طيها، أم أنها ستبدأ الصراع لأنه سئم من العقوبات؟
لقد اتخذت إيران بالفعل قرارها الاستراتيجى عندما قالت إنها ستخفض من التزامها بالاتفاق النووى. ويعنى هذا فى الوقت الحالى زيادة مخزونها من الماء الثقيل واليورانيوم منخفض التخصيب. ولكن هذا القرار ليس له تأثير حقيقى على البرنامج النووى الإيرانى طالما أن طهران لا تخصب اليورانيوم إلى مستويات عالية.
بالفعل لا تزال إيران تعتبر الاتفاق النووى سارى المفعول لكنها تراجعت عن التزامها بدعم الصفقة بالكامل رغم انسحاب الولايات المتحدة منها. وعلى الرغم من أنها لن تشارك فى انتهاكات قد تؤدى إلى القيام بعمل عسكرى ضدها، إلا أن امتثالها التام لم يعد مضمونًا.
افتراض الغرب العملى، خاصة فى واشنطن، هو أن العقوبات ستجبر إيران على الانسحاب والموافقة على مفاوضات جديدة، من شأنها أن تعيد فتح الصفقة النووية وتشمل أيضًا برنامج الصواريخ البالستية وتدخلها فى بلدان مثل لبنان وسوريا واليمن. وأن إيران استسلمت للعقوبات أو تهديدات الحرب مرتين من قبل.
المرة الأولى كانت فى عام 2003، بعد أن أطاحت أمريكا بالديكتاتور العراقى صدام حسين. ثم كتب الرئيس محمد خاتمى إلى نظيره الأمريكى جورج دبليو بوش، يعرض فيه مفاوضات شاملة حول جميع الخلافات بما فى ذلك البرنامج النووى وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
لكن بوش تجاهل العرض، رغم أن إيران جمدت برنامجها النووى لإثبات حسن نيتها.
والثانى هو عندما وافق خامنئى على إجراء محادثات مع الولايات المتحدة وخمس دول أخرى أدت إلى الاتفاق النووى.
وأرجعت واشنطن استسلام طهران فى المرة الأولى إلى شعور إيران بالتهديد عسكريًا بعد أن غزت أمريكا العراق والمرة الثانية نتيجة للضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية. لكن فى حين أن هذه التفسيرات منطقية من الناحية النظرية، إلا أنها غير كافية فى حالة إيران.
لماذا، على سبيل المثال، عقدت إيران محادثات نووية مع أوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة عقد ــ حتى نهاية عام 2012، أى قبل ستة أشهر تقريبا من انتخاب حسن روحانى رئيسا ــ لكن بشكل دائم أحبطت المفاوضات وتم تجميدها فى نهاية المطاف؟ إذا كانت إيران تخشى من هجوم أمريكى فى عام 2003، فلماذا فعلت ذلك؟
وعلاوة على ذلك، إذا كانت العقوبات أو تهديدات الحرب يمكن أن تغير سلوك الدول بشكل مؤكد، فلماذا احتاجت واشنطن إلى شن حرب ضد العراق بعد أكثر من عقد من العقوبات؟ ولماذا لم تستسلم إيران للعقوبات القاسية التى فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة قبل الصفقة النووية؟
طهران البرجماتية
يجادل الغرب عمومًا بأن العقوبات السابقة لم تكن قاسية بما فيه الكفاية وأن التهديد العسكرى لم ينظر إليه على أنه ذو مصداقية. وكدليل على ذلك، يشير النقاد إلى أنه على الرغم من العقوبات، تمكنت إيران من جمع احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية وتمويل مختلف برامج التطوير، بما فى ذلك البرنامج النووى وصناعة الصواريخ المتقدمة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود مؤسسة تهريب عالمية تدعمها دول أخرى. علاوة على ذلك، عارضت روسيا والصين بشدة العمل العسكرى، الذى هدد حتى أنه قد يشعل حربا بين القوى العظمى. لكن فى الواقع، قررت إيران الدخول فى مفاوضات جوهرية فى نفس الوقت الذى تمت فيه إزالة التهديد العسكرى، فى عهد الرئيس الأمريكى باراك أوباما.
كان أكبر تهديد للنظام فى الواقع هو الاحتجاجات الجماهيرية فى عام 2009. ولم تكن ضد سياسة إيران الخارجية بل ضد الفساد، وديكتاتورية النخبة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتزوير الانتخابى الهائل الذى أدى إلى إعادة انتخاب محمود أحمدى نجاد كرئيس.. وطالب المتظاهرون بإصلاحات لكنهم لم يسعوا لتغيير نظام الحكم.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لحماية نفسه من التهديدات الداخلية، إلا أن النظام الإيرانى قد اتخذ دائمًا موقفًا برجماتيا فى السياسة الخارجية. حيث عرضت مساعدة الولايات المتحدة فى حربها فى أفغانستان ودعمت الهجوم الأمريكى على العراق. وأمر خامنئى باتخاذ إجراء ضد القاعدة، وقاتلت الميليشيات المدعومة من إيران فى العراق الدولة الإسلامية على مقربة من القوات الأمريكية.
وأدركت إيران الحاجة إلى التهدئة على الحدود السورية الإسرائيلية، وعندما بدأت الحرب الأهلية فى اليمن، نصحت الحوثيين بالتوصل إلى حل وسط مع النظام اليمنى بدلا من الشروع فى حرب شاملة. وتتعاون إيران مع كل من الهند وباكستان، وهما قوتان نوويتان متنافستان، وعلى الرغم من أنها دولة شيعية، إلا أنها تساعد حركة طالبان السنية فى أفغانستان، التى تتفاوض مع الولايات المتحدة.
ولم تطالب إيران أبدًا تركيا بقطع علاقاتها مع إسرائيل، وعلى الرغم من علاقاتها الممتازة مع أنقرة، فإنها أيضًا حليفة للأكراد العراقيين. وتواصل السعى لاستئناف العلاقات مع مصر.
تغلف إيران الانقباضات الأيديولوجية لسياستها الخارجية بعبارات وردية مثل «المرونة البطولية»، وهى فترة خامنئى لرغبته فى التفاوض على الصفقة النووية. أما الآن فيتم الحديث عن «مرحلة جديدة من الثورة الإسلامية» لتبرير التزام إيران المحدود بهذا الاتفاق.
وتحدث روحانى عن «الصبر الاستراتيجى» لشرح سبب عدم استجابة إيران للانسحاب الأمريكى من الصفقة. وأعلن روحانى مؤخرًا أن «الصبر الاستراتيجى قد انتهى». وهذا يبشر بعودة «اقتصاد المقاومة»، وهو الشعار المستخدم فى التدابير الاقتصادية مثل خفض الدعم ووقف خطط التنمية الرئيسية وإيجاد طرق غير مباشرة لتصدير النفط واستيراد السلع الأخرى. لكن محاولة تسويق «اقتصاد المقاومة» للإيرانيين مرة أخرى يشكل خطرًا سياسيًا لأن النظام لا يمكنه التنبؤ بكيفية استجابة الجمهور.
يمكن أن تؤدى العقوبات الجديدة التى فرضها ترامب على الصناعات المعدنية إلى تسريح ما يقرب من حوالى 1.5 مليون عامل فى صناعات الصلب والألومنيوم والسيارات. كما أن تخفيض إعانات سعر الصرف الممنوحة إلى مستوردى اللحوم، وربما مستوردى السلع الأساسية الأخرى، سيزيد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التى ارتفعت بالفعل من 30 إلى 120 فى المائة هذا العام. وسيتم قطع الخدمات الأساسية بشدة بسبب الانخفاض الكبير فى عائدات النفط.
ثورة شعبية؟
هل سينقل الإيرانيون كل هذا إلى الشوارع؟ هذا السؤال بات يطرح نفسه حيث إن التاريخ الإيرانى ملىء بالاحتجاجات العامة والانتفاضات السياسية التى أدت إلى حدوث الثورات. والنظام الحالى هو نتاج ثورة واحدة، والتى حظيت فى البداية بدعم من معظم شرائح المجتمع الإيرانى. حيث اندلعت الاضطرابات قرابة 30 عامًا قبل أن يسقط الإيرانيون نظام الشاه. واحتفلت الثورة الإسلامية بعيدها الأربعين هذا العام وما زال النظام مستقرا.
من الصعب معرفة ما إذا كانت العقوبات المقترنة بالتهديد العسكرى ستخرج الجماهير الحاسمة إلى الشوارع.. والسؤال هنا ليس فقط عن ما الذى ستفعله طهران بشأن الضغط الهائل الذى تتعرض له، ولكن ماذا ستفعل واشنطن إذا لم تتراجع إيران؟. من غير المحتمل أن يكون لدى إدارة ترامب أى خطة تتجاوز العقوبات وانتظار مكالمة هاتفية إيرانية.
والهجمات على السفن السعودية وخطوط الأنابيب ليست مبررا للحرب. علاوة على ذلك، لا تدعى الإدارة حتى أن لديها دليلا على أن إيران كانت وراء الهجمات، بغض النظر عن المعلومات العامة التى تفيد بأن القوات الموالية لإيران تخطط لشن هجمات على أهداف أمريكية.
وعلى صعيد آخر فإن ترامب متورط أيضا فى معركة سياسية مع الكونجرس، والذى حذره من جر البلاد إلى حرب أخرى على غرار ما حدث فى العراق. حيث طالب أعضاء فى كلا المجلسين بمزيد من المعلومات التفصيلية حول التهديد الإيرانى.
تستفيد روسيا من العقوبات المفروضة على إيران، لكن الحرب التى ستجلب قوات أمريكية ضخمة إلى الخليج هى آخر ما تريده. وخفضت الصين، التى تخوض معركة عملاقة مع واشنطن بشأن اتفاقات تجارية، بشكل كبير مشتريات النفط من إيران، ولكن الصراع العسكرى الذى من شأنه أن يرفع أسعار النفط قد يتسبب فى أضرار اقتصادية هائلة. دول الخليج العربى، التى تقع فى مدى صواريخ إيران القصيرة والمتوسطة المدى، هى أيضا عائق أمام الحرب. لذلك ربما حان الوقت لموسكو وبكين لدخول الساحة وإعادة الطرفين إلى المفاوضات، مع جمع رسوم الوساطة المناسبة بالعملة الدبلوماسية.
إعداد
ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى
https://bit.ly/2Jq0FtP