نشرت مؤسسة Jewish News Syndicate مقالا للكاتب «جوناثان توبن» يتناول فيه إقدام إسرائيل على توقيع اتفاق مع الصين بشأن إدارة الصين لميناء حيفا والذى يراه الكاتب سوف يؤثر سلبا على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية بالرغم من المنافع التى قد تنتج عن هذا الاتفاق.
بخلاف ما يروجه بعض اليهود الأمريكيين والمتعاطفين مع اليهود، إلا أن إسرائيل ليست الولاية رقم 51 فى الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من قيم الديمقراطية والحرية التى تربطها بالولايات المتحدة إلى جانب الاعتبارات الاستراتيجية، إنها دولة مستقلة لها حقوق وعليها واجبات فى تحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية.
وهذا يعنى أن الحليفين من الممكن أن تتصادم مصالحهم فى بعض الأحيان. وفى حين أن إسرائيل لطالما كانت معتمدة عسكريا على حليفها المهيمن عالميا والذى كان يمدها بما لم تستطع أى دولة أخرى إمدادها به، إلا أنه سيأتى أوقات يتعين فيها على إسرائيل قول «لا» للأمريكيين. يجب على القادة الإسرائيليين أن يكون لديهم القدرة والقوة على الوقوف فى وجه واشنطن عندما يتعلق الأمر بأمنهم أو حقوقهم، وخاصة عندما يكون الدم الإسرائيلى هو ثمن قرارات الولايات المتحدة.
ومن جهة أخرى، لا يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تعتبر نفسها لديها الحرية المطلقة فى التدخل فى الشئون الاقتصادية الأمريكية، ومن حق الولايات المتحدة أن تطلب من إسرائيل عدم التدخل فى الشئون المتعلقة بأمنها القومى.
هذا هو الحال مع النزاع المتزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول صفقة أبرمت العام الماضى والتى من شأنها أن تسمح لشركة صينية تسيطر عليها الحكومة الشيوعية فى بكين بإدارة منشأة فى ميناء حيفا تبدأ فى عام 2021. وعلى الرغم من أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية هى الآن أقرب ما يكون تحت إدارة الرئيس ترامب، إلا أن ترتيبات إسرائيل مع الصين تهدد بزعزعة هذه العلاقة.
تهدد الولايات المتحدة بوقف الزيارات المنتظمة لسفن الأسطول السادس إلى حيفا إذا تم تنفيذ الاتفاق الإسرائيلى مع الصين. وعلى الرغم من أن النزاع كان قائم منذ عدة أشهر، إلا أنه على وشك أن يشتعل بسبب قانون تفويض الدفاع الوطنى الذى يسعى مجلس الشيوخ الأمريكى إلى إصداره والذى سيجبر إسرائيل على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة بشأن التصرف فى ميناء حيفا.
ولكن، لماذا تفكر حكومة نتنياهو فى فعل من الممكن أن يؤثر بالسلب على العلاقات القوية التى أقامتها مع واحدة من أكثر الإدارات الأمريكية الموالية لإسرائيل حتى الآن؟.
***
الإجابة تكمن فى اقتصاد إسرائيل المتنامى والنجاح غير المسبوق الذى حققته فى السنوات الأخيرة من إقامة علاقات تجارية مع العديد من البلدان التى لطالما كانت تتجنب إسرائيل من قبل.
ومع غلق الكثير من الدول أبوابها أمام رجال الأعمال والشركات الإسرائيلية فى الماضى، كان الهدف هو الترحيب بأى دولة ترغب فى التصدى لمقاطعة الدول العربية أو حركة المقاطعة الحالية BDS لعزل الدولة اليهودية. فى حين أن أصول العلاقات التجارية الإسرائيلية مع الصين تعود إلى التسعينيات، إلا أن العلاقات بين البلدين نمت فى السنوات الأخيرة.
ولكن تنامى هذه العلاقة يأتى فى وقت سيئ، تظهر فيه إسرائيل على أنها تحتضن الصين. فى حين أن أولوية ترامب فى سياسته الخارجية كانت هى معالجة ما يعتبره علاقة تجارية غير متوازنة مع الصينيين. وأبدى ترامب استعداده لخوض حرب تجارية باهظة مع بكين إذا لم توافق بكين على تدابير من شأنها كبح ممارساتها غير العادلة. ولكن حتى إذا توصلت الصين والولايات المتحدة، كما يتوقع الكثيرون، فى نهاية المطاف إلى اتفاق ما بشأن التجارة، فإن الإدارة الأمريكية سوف تظل مقتنعة بأن بكين منافس خطير لها.
عرّفت استراتيجية الأمن القومى الأمريكية التى نُشرت فى ديسمبر 2017 الصين بأنها «منافس استراتيجى» يشارك فى «عدوان اقتصادى». لذلك من المفهوم أنه إذا رحبت إسرائيل بالسيطرة الصينية على المنشأة العسكرية فى ميناء حيفا التى تشاركها بانتظام مع الأمريكيين، فسيعتبر فريق ترامب أن هذه إهانة له.
ويتفاعل الإسرائيليون مع مخاوف أمريكا من خلال التأكيد على أن الشركة الصينية ستدير فقط جزءا من منشآت ميناء حيفا. علاوة على ذلك، فإسرائيل لا ترى أن مغادرة الأسطول السادس الأمريكى سيشكل كارثة كما يراه البعض، لأن البحرية الأمريكية تستخدم ميناء حيفا لجعل السفن ترسى عليها لتأخذ إجازة ولا يوجد هناك منشآت عسكرية دائمة للولايات المتحدة على ميناء حيفا. ويجادلون أيضا أن هناك ميناء آخر على البحر المتوسط تستخدمه بحرية إيطاليا وتقوم الصين بإدارة جزء منه. ونفس الأمر موجود فى ميناء سياتل فى الولايات المتحدة.
لكن هذا لا يمثل دفاعا قويا عن قرار الشراكة مع الصينيين.
***
إسرائيل على صواب فى رغبتها بتحسين علاقاتها مع بكين بقدر الإمكان، ولكن لا يجب أن يتم هذا على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة. مهما كانت الفوائد التى قد تحصل عليها إسرائيل من التعامل مع الصين، فهى لا تستحق التضحية وتحمل الأضرار التى قد تنتج من التأثير على علاقات تعد أكثر أهمية. الصين ليست حليفة ولا يمكن الوثوق بها، لا سيما فى سياق أحوال غير مستقرة فى الشرق الأوسط الذى لديه علاقات وثيقة مع دول معادية لإسرائيل.
ويظهر مصداقية هذا الرأى عندما ساند ترامب إسرائيل فى قضايا تعتبر جوهرية بالنسبة للأمن والمصالح الإسرائيلية.. مثل التهديد الإيرانى والحاجة إلى محاسبة الفلسطينيين لدعمهم الإرهاب.
وليست هذه هى المرة الأولى التى تطلب فيها الولايات المتحدة من إسرائيل ألا تعقد صفقة معينة مع الصين. فأجبرت إدارة كلينتون الإسرائيليين على إلغاء صفقة لبيع نظام رادار فالكون إلى الصين فى عام 2000. وإذا استطاعت العلاقة بين إسرائيل والصين تجاوز حل هذه الأزمة حول ميناء حيفا الذى يعد أكثر أهمية، فستتفادى إسرائيل خيبة أمل بكين بشأن عدم قدرتها على إدارة ميناء حيفا.
وعلى الرغم من أن إسرائيل يجب أن يكون لديها الشجاعة والقدرة على إحباط الطلبات الأمريكية التى تهدد الأمن الإسرائيلى، إلا أن هذا ليس هو الحال هنا. ستستفيد إسرائيل بالفعل من صفقتها مع الصين، إلا أن الخسارة ستكون أكبر إذا لم يتم إلغاء هذه الصفقة.
إعداد
ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى:من هنا