عاموس هرئيل
رسخت أحداث الأسابيع الأخيرة: التوترات فى حى الشيخ جراح، وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين فى أنحاء الضفة الغربية، التقدير الآخذ فى التبلور فى الجيش الإسرائيلى بأن شيئا يمكن أن يحدث بين بداية شهر رمضان وعيد الفصح ويمكن أن يتطور إلى تصعيد حقيقى فى المناطق. إذا تحقق هذا التنبؤ سيكون الاشتباك الثانى خلال أقل من سنة، بعد عملية حارس الأسوار فى قطاع غزة فى مايو فى السنة الماضية. كما أن حقيقة أن الطرفين أنهيا الجولة السابقة مع شعور بالتعادل ومن دون تغيير جوهرى فى صورة الوضع يمكن أن تساهم فى تطور جولة إضافية.
قائد لواء الضفة الغربية العميد آفى بلوط ينهى مؤخرا الوثائق التى يرسلها إلى قادة اللواء بشعار «الحرب غدا». وهذه عادة قديمة فى الجيش الإسرائيلى تنسبها الميثولوجيا العسكرية إلى الشعارات التى علقت فى الغرف العملانية فى قيادة الشمال بعد حرب يوم الغفران، تحت تأثير صدمة المفاجأة فى هذه الحرب. الفائدة الناجمة عن ذلك واضحة: القائد يبقى رجاله فى حالة جهوزية دائمة تحسبا لاحتمال حدوث مفاجأة. من ناحية أُخرى هناك دائما خطر من أن تحقق النبوءات نفسها عندما يفسر «ظل الجبل على أنه جبل» ويؤدى إلى اتخاذ خطوات وقائية أو رد عنيف جدا من جهة إسرائيل.
فى عملية مايو فى السنة الماضية أعطيت إشارة الانطلاق عندما تدخلت زعامة «حماس» فى غزة فى التوترات فى القدس. بعد الحوادث فى حى الشيخ جراح وفى بوابة نابلس فى الحرم القدسى، قررت قيادة الحركة فى القطاع التعبير عن تضامنها من خلال إطلاق ستة صواريخ على منطقة العاصمة. ردت إسرائيل بقصف كثيف للقطاع وهكذا بدأت جولة القتال. هذه المرة على الرغم من التهديدات التقليدية التى تُطلق تبدو «حماس» أكثر ضبطا للنفس، ومن المحتمل أن الوضع الحالى فى القطاع ــ تسهيلات اقتصادية معينة، والهدوء النسبى على الحدود والوقت المطلوب لإعادة الإعمار وتحسين القوة العسكرية ــ ينطوى على عدد من الحسنات بالنسبة إلينا.
العامل المفجر إذا حدث يمكن أن ينشأ من التضافر بين الحماسة الدينية فى القدس (بصورة خاصة فى الحرم القدسى) وبين بداية شهر رمضان. وهذا ما يستعد له الجيش الإسرائيلى بواسطة تدريبات ستجرى فى الوحدات القطرية فى لواء الضفة الغربية خلال الأسبوعين المقبلين، بالإضافة إلى تحديث خططها العملانية فى الضفة.
فى هذه الأثناء تضج الأرض بعمليات لها علاقة أيضا بالتحدى الذى تفرضه «حماس» على حكم السلطة فى الضفة، وأيضا بالفساد والضعف اللذين يميزان أداء السلطة نفسها. فى الأسبوع الماضى اغتالت فرقة مشتركة من الجيش والشرطة والشاباك ثلاثة مسلحين تابعين لحركة «فتح» فى قلب نابلس. وهذا الأسبوع قُتل فلسطينيان غير مسلحين بنيران الجيش الإسرائيلى فى منطقتى جنين ورام الله. ومؤخرا، يواجه قسم كبير من الاعتقالات الإسرائيلية فى منطقتى نابلس وجنين بإطلاق نار على قوات الجيش الإسرائيلى. كما أن عدد حوادث رشق الحجارة والزجاجات المشتعلة على سيارات مدنية إسرائيلية على طرقات الضفة تضاعف تقريبا فى الأشهر الأخيرة.
كما سجل ارتفاع فى عمليات العنف الذى يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين. ويتسبب نزاعان على الأرض بشأن إقامة بؤر استيطانية فى حوميش وأفيتار، فى زيادة التوتر والعنف. فى ضوء هذه الحوادث هدد مسئولون رفيعو المستوى فى السلطة (ضمنيا) بسحب الاعتراف الفلسطينى بإسرائيل والمشاركة فى العنف ضدها.
ويرى عدد من قادة الجيش الإسرائيلى على الأرض أن تضافر هذه الظروف يشكل برميل مواد متفجر ينتظر الوقت الملائم كى ينفجر. لكن د. ميخائيل ميليشتاين ينظر إلى الأمور بصورة مختلفة قليلا. ففى مقال نشره فى موقع معهد السياسات والاستراتيجيا فى جامعة ريخمان، كتب ميليشتاين الذى شغل سابقا منصبا رفيعا فى شعبة الاستخبارات أن السلطة تهدد إسرائيل بواسطة «خرطوشة فارغة». وفى رأيه، باستثناء اندلاع حوادث ذات طابع دينى فى القدس، فإن الجمهور فى الضفة يرد بصورة لا مبالية على حوادث العنف مع إسرائيل وحتى الارتفاع فى عدد القتلى والحوادث لن تدفعه إلى المخاطرة بالاستقرار النسبى فى حياته اليومية.
ويعتقد ميليشتاين أن الخطر الحقيقى لا يكمن فى اندلاع انتفاضة ثالثة أو فى تفكك السلطة و«إعادة المفاتيح» إلى إسرائيل، بل فى الزحف البطىء من الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى نحو تحقيق فكرة الدولة الواحدة. ويحذر من أن كل ذلك سيجرى من دون «قصد ووعى وتخطيط من جانب إسرائيل التى يمكن أن تجد نفسها مستقبلا فى واقع يهدد قدرتها على الوجود كدولة يهودية وديمقراطية».
يضاف إلى حساسية الوضع فى القدس وفى المناطق، أزمة سياسية داخلية تتعلق بعلاقة كتلة راعم «القائمة العربية الموحدة» بسائر الكتل فى الائتلاف. إذ يزداد فى الكتلة الإسلامية عدم الرضا فى ضوء عدم وفاء الحكومة بوعودها. وفى الجناح الجنوبى فى الحركة الإسلامية المؤيدة لرئيس الكتلة عضو الكنيست منصور عباس تزداد حدة الانتقادات الموجهة له. وكما يقول ميليشتاين لـ«هاآرتس» فإن التخوف هو من عدم قدرة الائتلاف على مواصلة ضبط النفس، فى ضوء العجز عن تحويل ميزانيات كبيرة كافية إلى القطاع العربى، والصعوبة فى التقدم بسرعة بالمشاريع واستمرار الجريمة فى البلدات العربية. فى أوضاع كهذه إذا انزلقنا إلى العنف فى المناطق فإن هذا يمكن أن يترافق أيضا بتوترات فى المدن المختلطة فى داخل الخط الأخضر.
محلل عسكرى
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية