ديمقراطية الثقافة.. ولكن - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 23 أكتوبر 2025 10:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

ديمقراطية الثقافة.. ولكن

نشر فى : الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 8:10 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتبة باسمة يونس، تناولت فيه تأثير الانتقال من الثقافة الورقية إلى الثقافة الرقمية على العلاقة بين الإنسان والمعرفة، مع التأكيد على أن هذا الانتقال هو امتداد للثقافة وتجديد للوسيط رغم التحديات المتعلقة بالثقافة الرقمية المتمثلة فى تشتت الانتباه والسطحية فى القراءة.. نعرض من المقال ما يلى:
لا يعد الانتقال من الورق إلى الشاشة حدثًا تقنيًا فحسب، بل تحوّل فى العلاقة بين الإنسان والمعرفة، وفى الطريقة التى نفكّر بها ونقرأ ونحلم. فثقافة الورق التى تشكّل دفء المكتبات، لم تكن مجرّد وسيلة لنقل المعلومات، بل كانت فضاءً للقيم واحترام الكاتب والقارئ معًا. ومع دخول العالم الرقمى وانفتاح أبواب المعرفة على مصراعيها تسرّبت إلى الداخل سرعة الزمن، وتشتّت الانتباه، وهشاشة التركيز.

 


لقد وُلد القارئ الجديد من رحم الشاشة، قارئ لا ينتظر ولا يطيل المكوث فى صفحة، يمرّ كالمتصفّح لا كالمتأمّل، يتنقّل بين الروابط كما لو أن المعرفة حديقة إلكترونية يدخلها ليلتقط زهرة واحدة ثم يغادر. وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل تغيّرت القيم الجوهرية للثقافة أم أن الوسيط هو الذى تغيّر فقط.. وهل يمكن للثقافة الرقمية أن تحمل روح العمق التى شكّلت جوهر التجربة الورقية؟
فى الواقع، الثقافة الرقمية، رغم مظاهرها الصاخبة، ليست نقيضًا للثقافة الورقية بل امتداد لها لكن فى وسائط جديدة مكنت الإنسان من الوصول إلى ملايين الكتب والمقالات بنقرة واحدة، ومن المشاركة فى النقاشات الأدبية والعلمية فى فضاءات مفتوحة تتجاوز الجغرافيا واللغة وتقدّم للأجيال الجديدة الماضى والتراث بلغة الزمن الذى يعيشونه. إنها إذًا محاولة لتجديد الوسيط دون أن تفقد الجوهر.
صحيح أن المعلومة أصبحت سلعة، والقراءة فعل سريع يهدف إلى التلقّى لا إلى الفهم، وتغيّرت طبيعة العلاقة بين القارئ والنص من التأمّل الطويل إلى التصفّح الخاطف، من الحوار إلى التمرير، من الوعى المتدرّج إلى تراكم المعلومات. وبينما كان الكتاب الورقى يستدعى طقوسًا من العزلة والهدوء، صارت القراءة الرقمية تندمج فى ضجيج الحياة اليومية، بين إشعارات الهاتف وتدفّق الأخبار، غير أن الصورة ليست قاتمة تمامًا. فالمبدع المعاصر وجد فى الوسائط الرقمية أدوات جديدة لتوسيع دائرة تأثيره، ولم يعد الكاتب ينتظر دار نشر، مع سهولة النشر الفورى والتفاعل المباشر مع القارئ. وفى المقابل، أتاح العالم الرقمى للأدب والفكر نافذة جديدة إلى العالم، حيث تُترجم القصص والروايات وتتنقل عبر المنصّات العالمية، لتصل إلى قارئ لم يكن ممكنًا الوصول إليه من قبل. إنّها ديمقراطية الثقافة، وإن كانت محفوفة بالمخاطر.
ومن منظور فلسفى، يمكن القول إن التحوّل من الورق إلى الشاشة ليس فقدانًا للقيم بل إعادة اختبار لها فى بيئة مختلفة. فالقيمة لا تسكن فى الورق ذاته، بل فى الوعى الذى يصاحبه. وإذا كان القارئ الرقمى قد أصبح أسرع وأكثر تشتّتًا، فإنّه أيضًا أكثر انفتاحًا وقدرة على المقارنة والوصول إلى مصادر متعددة.

التعليقات