يجب أن ننظر إلى مقتل الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح أخيرا على يد الحوثيين، حلفائه السابقين، عبر الإطار الأوسع، وذلك فى ضوء الغيوم التى تهدد هيمنة إيران على المنطقة. يخدم اغتيال صالح مصلحة مشتركة للحوثيين الذين يسيطرون على اليمن، ولأسيادهم فى طهران. إن «خيانة» صالح الذى انتقل إلى الجانب السعودى، عرضت للخطر مشروع النظام الإيرانى الرامى إلى السيطرة على «أربع عواصم عربية»، صنعاء، بغداد، دمشق، وبيروت.
وتحديدا، عندما بدا أن إيران تسيطر على سوريا ولبنان، بمساعدة حزب الله والميليشيات الشيعية الأُخرى تحت مظلة استراتيجية روسية، زادت إسرائيل الضغط العسكرى المباشر ضد وجود هذه القوات وتمركزها فى قواعد برية، وجوية، وبحرية.
فى المقابل، تجرى تحركات أمريكية صامتة فى سوريا وفى العراق. وأخيرا جرى تحسين البنى التحتية الأمريكية فى سوريا، ومن المتوقع أن يصبح عدد الجنود الأمريكيين الموجودين هناك 2000 جندى وليس 500 كما أعلن البنتاجون فى وقت سابق. يجب الإشارة أيضا إلى المحادثات التى تجريها إدارة ترامب بشأن تزويد السعودية بتكنولوجيا نووية، وهى خطوة ستغير سياسة أمريكية استمرت عشرات السنوات، وذلك من دون أن تتعهد الحكومة السعودية بعدم استخدام التكنولوجيا الأمريكية للحصول على سلاح نووى.
أخيرا، نشر الموقع الروسى الإلكترونى Strategic culture والذى يشكل جزءا من جهاز الدعاية فى الكرملين، مقالا بعنوان «تحركات جديدة للولايات المتحدة: الحرب ضد إيران يمكن أن تكون أقرب مما نظن»، وذلك نتيجة حملة منسقة من أجل كبح إيران فى المنطقة. فى تقديرى أن إيران هى التى يمكن أن تبدأ حربا ضد إسرائيل بواسطة هجمات يشنها حزب الله.
بالنسبة إلى إيران، سوريا هى بمثابة رصيد ثمين، وقد وظفت فيها جهدا عسكريا وماليا وبشريا هائلا من أجل المحافظة على نظام الأسد. وقد سمح هذا الجهد بسيطرة إيرانية مطلقة على لبنان من خلال حزب الله، وفتح بابا لها على البحر الأبيض المتوسط، وشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل من خلال إيجاد تواصل جغرافى عبر العراق وبناء جبهة شرقية جديدة. وبحسب تقارير أجنبية، تحدث هجمات جوية إسرائيلية متواصلة ضد محاولات إيران إقامة قواعد ثابتة فى سورية، وضد توسيع جبهة الصراع الذى يخوضه حزب الله من لبنان إلى الحدود السورية. إن السياسة الروسية لاحتواء التحرك الإسرائيلى العنيف، من خلال الموافقة الصامتة أو رغبة منها فى السماح لنفسها بالدفع قُدُما بحل سياسى فى سوريا، لن تلاقى ارتياحا فى طهران.
هذا الأسبوع نشر البيت الأبيض استراتيجيته الجديدة للأمن القومى، التى تظهر إيران فيها جنبا إلى جنب مع كوريا الشمالية بصفتها تشكل تهديدا مركزيا للولايات المتحدة وحلفائها وللعالم كله. ويُتهم النظام الإيرانى بأنه يستخدم الإرهاب فى أنحاء العالم بواسطة حزب الله، ويُطور صواريخ بالستية تتمتع بقدرة عالية، ولديه قدرة على استئناف عمله من أجل التوصل إلى سلاح نووى. لذا ستعمل الولايات المتحدة مع حلفائها على منع إيران من الحصول على سلاح نووى، وعلى الحد من نفوذها الإقليمى المؤذى.
إن القيام بخطوات أمريكية مهمة فى سوريا والعراق والحد من نفوذ إيران فى اليمن، ضمن إطار استراتيجيا ترامب الجديدة، يمكن أن يدفع الزعامة فى إيران إلى تحرك عسكرى ضد إسرائيل بالاعتماد على مخزون ضخم من الصواريخ فى حوزة حزب الله وقواته البرية التى اعتراها الوهن فى أثناء الحرب السورية.
صحيح أن الهدف المركزى من تحويل حزب الله إلى ذراع صاروخية وبرى لإيران ضد إسرائيل كان استخدامه إذا هاجمت إسرائيل أو الولايات المتحدة البنية التحتية النووية الإيرانية، لكن إذا ازداد الضغط فى الأشهر المقبلة على إيران فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، ستقف طهران فى مواجهة قرار مصيرى.