من المتوقع أن يُعقد فى إسرائيل، فى نهاية يونيو الحالى، لقاء بين مستشارى شئون الأمن القومى فى الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل. إنه إنجاز لسياسة إسرائيل التى تحسن توجيه نفسها بين المصالح الروسية والأمريكية وتشكيل عنصر مشارك فى الحوار بين الدول العظمى فى مسألة مستقبل سوريا والتدخل الإيرانى فيها. بالنسبة إلى الولايات المتحدة وروسيا، يمثل الأمر خطوة أُخرى فى إطار الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار الذى يجرى بينهما وتركيزه على القضايا الخلافية. لم يُنشر شيء، بعد، عن مضامين اللقاء الذى يُعقد بهيئة استثنائية. لكن يتضح من تقارير وسائل الإعلام العالمية أن الهدف منه هو بحث التسوية فى سوريا. فى هذا الإطار، سيجرى البحث فى استمرار تدخل إيران فى هذه الدولة. لكن يمكن أن نقدّر أنه حيال تعميق الحوار بين روسيا والولايات المتحدة، ستكون لهذا اللقاء أيضا أهمية سياسية قائمة بذاتها وسيعالج أيضا، كما يبدو، قضايا دولية مطروحة على جدول أعمال الدول العظمى.
يبدو أن النية (من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل على الأقل) تتجه نحو البحث فى بلورة سياسة مشتركة بشأن سوريا وإيران. أمّا بخصوص سوريا تحديدا، فمن المرجح أن تعملا من أجل الدفع نحو تسوية تقوم على أساس مضامين المحادثات التى تقودها الأمم المتحدة فى جنيف، خلافا للاتصالات التى تجرى فى أستانة وتشارك فيها سوريا وإيران وتركيا فقط. وهذا بغية الدفع نحو تنفيذ إصلاحات سياسية فى سوريا. من جانبها، ستطلب روسيا الحصول على قبول واعتراف أمريكييْن بالمكانة الرسمية للرئيس بشار الأسد، وبأنه يستطيع المنافسة فى الانتخابات القريبة للرئاسة فى سوريا. وعلى خلفية تفاقم الأزمة بين إيران والولايات المتحدة فى منطقة الخليج، ثمة توقع أمريكى بالحصول على دعم روسى لسياستها فى المسألة الإيرانية، مع التشديد على تفعيل العقوبات بغية إعادة إيران إلى المفاوضات التى ترمى إلى تحسين شروط الاتفاق فى الموضوع النووى، إلى جانب تقليص التأثير الإيرانى فى سوريا بصورة خاصة، وفى الشرق الأوسط بصورة عامة.
لا يجب استثناء إمكان أن يكون التحول فى السياسة الروسية فى الشرق الأوسط، والذى ينعكس على التقارب مع إسرائيل والتعاون المتزايد معها بعد فترة من الفتور، كما على التوتر المتصاعد مع إيران ومع نظام الأسد على حد سواء، نابعا، أساسا، من الجهود الروسية للتقارب مع الولايات المتحدة. ويبدو، على الأرجح، أن اللقاء الذى من المخطط أن يُعقد فى إسرائيل هو تعبير إضافى آخر عن هذا المنحى.
تجسد التقارب بين واشنطن وموسكو فى الاتصالات الحثيثة التى جرت مؤخرا بين مسئولين كبار من الجانبين. وفى البرنامج، أيضا، لقاء قريب مرتقب بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس فلاديمير بوتين فى قمة الدول الأعضاء فى «مجموعة العشرين» التى ستُعقد فى طوكيو، عاصمة اليابان.
فيما يتعلق بالرئيس ترامب، يبدو أنه أصبح أكثر تحررا بعد نشر تقرير المحقق الخاص مولر، ولو فى مسألة تعميق الحوار مع روسيا على الأقل. كما يبدو، أيضا، أن الإدارة الأمريكية معنية فى الوقت الراهن باستثمار الاستعداد الروسى للبحث فى إخراج القوات الإيرانية من سوريا، بالتعاون مع إسرائيل، وربما التحرك فى مقابل إيران أيضا من أجل تخفيف حدة التوتر فى الخليج وتحفيزها على الموافقة على استئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووى. وفى خلفية السعى الروسى لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة تقف، أيضا، رغبتها فى وضع نهاية قريبة للأزمة السورية، من خلال استخدام الأوراق التى استجمعتها فى هذه الدولة، بالإضافة إلى رغبتها فى تحسين علاقاتها مع الغرب، أى مع أوروبا.
يأتى اختيار الملعب الإسرائيلى لاستضافة هذا الحدث من أجل تأكيد مكانته ودوره الإقليميين، ولا سيما فى ضوء حقيقة أن التقارب الروسى ــ الأمريكى لا يحظى، حتى الآن، بدعم واسع وكاف، لا فى الولايات المتحدة ولا فى روسيا أيضا. وربما تكون الولايات المتحدة وروسيا معنيتين بالتعبير عن دعمهما إسرائيل، سواء فى السياق السورى أو فى السياق الإيرانى. إسرائيل التى تؤدى دورا واضحا فى هذا الحوار، معنية من جانبها بأن تكون شريكة فى المباحثات التى تتعلق بالجوانب الإقليمية الخاصة بسوريا وإيران. لكن ربما تكون إسرائيل مُقدِمة على مخاطرة معينة فى هذه الأثناء، نظرا إلى أن هذه المباحثات قد تتمخض عن تفاهمات مشتركة، وخصوصا بشأن التسوية السياسية وتثبيت الاستقرار فى سوريا، من دون تلبية المصالح الإسرائيلية فى هذا السياق.
وأيا يكن الأمر، يشكل لقاء مستشارى الأمن القومى الثلاثى فى إسرائيل مكسبا لدولة إسرائيل، حتى لو لم يتوصل المشاركون فيه إلى تفاهمات عملية بشأن مستقبل سوريا وإخراج القوات الإيرانية منها، لأن مجرد عقده فيها يرفع من مكانة إسرائيل ويزيد من قدرتها على التأثير فى أى تسوية سياسية مستقبلية فى سوريا. وكانت روسيا تعهدت من قبل بتحجيم النشاط الإيرانى فى سوريا وهى تتخذ، من حين إلى آخر، خطوات عملية ظاهرة للعيان فى هذا الاتجاه كى تؤكد التزامها ووفاءها بتعهدها، من ضمنها إبعاد القوات الإيرانية ومبعوثيها عن الحدود مع إسرائيل.
سيحاول مستشار الأمن القومى الروسى الحصول، فى هذا اللقاء، على شرعية لبقاء نظام الأسد فى سوريا، وعلى اعتراف بأنه الطرف المنتصر فى الحرب الأهلية ولا بديل منه، خلال السنوات القريبة على الأقل. ولذا يوصى بأن تطالب إسرائيل بثمن فى مقابل الاعتراف بسلطة الأسد وشرعيته يتجسد فى ترسيخ ومأسسة قناة اتصال عسكرى مع النظام السورى من أجل التحقق من أن النظام يعمل لمنع العناصر الإرهابية، مبعوثة إيران، من الانتشار فى هضبة الجولان، منع التصعيد المحتمل جرّاء تقديرات خاطئة لنيات الطرف الآخر وتصرفاته.