إن المغزى العملى الوحيد لما سُمى، وفق التقارير الإعلامية المتعددة، «القمة الثلاثية» للمستشارين لشئون الأمن القومى فى كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، والتى عُقدت فى القدس هذا الأسبوع، هو أنه فى كل ما يتعلق بالسياسة تجاه إيران، وبالاستعدادات حيال نيات حزب الله وضمان السلام على الحدود الشمالية ــ تستطيع إسرائيل الاعتماد على نفسها فقط لا غير. وفى جميع المجالات التى ذُكرت هنا، يحظر حظرا باتا ومطلقا مجرد التفكير، ولو للحظة واحدة، بأن إسرائيل ستتلقى مساعدة ودعما وقت الحاجة.
وعمليا، اعتبار مجرد عقد هذه القمة الثلاثية «لحظة حاسمة فى الشرق الأوسط» لم يكن مبالغة هوجاء فقط، بل أيضا كان تعبيرا عن غباء وانغلاق تامين فيما يخص العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وتجاهلا لسلم الأولويات الذى تعتمده الدولتان فى سياساتهما تجاه الشرق الأوسط.
إن الصورة المشتركة التى ظهر فيها المسئولون الثلاثة جون بولتون ونيكولاى بتروشيف ومئير بن شبات، وهم يبتسمون، هى صورة لطيفة، لكنها مضلِلة ومخادعة أيضا. فالحدث الكبير الذى تخلده هذه الصورة لا يقول شيئا، على الإطلاق، عن حقيقة أن جون بولتون فقد فى الآونة الأخيرة أى قدرة على التأثير فى البيت الأبيض، بل يتم إقصاؤه عن المداولات والتقديرات الخاصة بأداء الرئيس دونالد ترامب على الجبهة الإيرانية، حتى أنه خلال زيارته إلى إسرائيل هذا الأسبوع، لم يتورع ترامب نفسه عن السخرية منه. وتشير تحليلات المراقبين فى واشنطن إلى أن بولتون سيُعزل من منصبه قريبا أو سيستقيل.
فى موازاة ذلك، أشارت مصادر فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك إلى إن لبتروشيف تأثيرا قليلا جدا فقط فى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. وفى التصريحات التى أدلى بها هنا، كشف بتروشيف عن نمط تفكيره ومنظوره بشأن إيران. فبينما هو موجود فى القدس، عاصمة إسرائيل، وجد المستشار الروسى أن من المناسب أن يبدى حماسة شديدة فى الدفاع عن الجمهورية الإسلامية وتبرير ممارساتها، على الرغم من كونها دولة يصرح قادتها جهرا أن هدفهم المعلَن هو محو إسرائيل عن الخريطة.
إن تصريحات بتروشيف هذه التى تضمنت رفضا قاطعا لجميع الاتهامات التى وجهتها الولايات المتحدة إلى إيران أخيرا كشفت أيضا، وبقوة أكبر، مدى وعمق العلاقات المضطربة القائمة بين روسيا والولايات المتحدة. ويؤكد سفراء ودبلوماسيون فى الأمم المتحدة أنه منذ ذروة الحرب الباردة لم تشهد العلاقات بين البلدين مثيلا لحالة القطيعة والنفور السائدة بينهما اليوم. ووفقا لما قاله دبلوماسى غربى فى أحاديث مغلقة «فى فترة الحرب الباردة، كان ثمة هاتف أحمر على الأقل بين البيت الأبيض والكرملين. أما اليوم، فحتى هذا لم يعد موجودا».
ويقدر دبلوماسيون معروفون بأنهم خبراء فى الشأن الروسى أنه ليس لدى الرئيس بوتين أى رغبة أو مجرد تفكير فى عمل أى شىء من أجل تقليص الوجود الإيرانى فى سورية. وتقول التقديرات إن الزعيم الروسى يفضل الإشراف على الوجود الإيرانى فى سورية ومراقبته، بدلا من الصدام مع القادة الإيرانيين ومطالبتهم بالانسحاب من سورية. وكما يقول أحد هؤلاء الدبلوماسيين فإن «بوتين يحافظ على علاقات جيدة مع قادة إيران، كجزء من سياسة التحدى التى يعتمدها حيال الولايات المتحدة أيضا». ومن هنا، فإن الاستنتاج المحتم هو أن إسرائيل تقف وحيدة تماما على الجبهة فى مقابل إيران، وفى مقابل تهديدات حزب الله وخطر الاشتعال على الحدود الشمالية.