كتب - هديل فهمي:
بعد محاكمة مبارك الأخيرة والتي حصل فيها علي حكم البراءة، كانت صبحية منشيتات الصحف كلها تسأل من القاتل ؟ نعم من القاتل خاضة من قاتل ضحايا فبراير الأسود .
صار مكتوب علي جبين هذه البلد أن تقضي 28 يوم مدة أقصر شهر في السنة في حداد ، في 20 فبراير من عام 2002 كان حادث قطار الصعيد الذي اندلعت فيه النيران آنذاك سقط المئات الضحايا في أبشع نهاية وصور ظلت عالقة في أذهان الجميع ماتوا حرقًا، بعدها بأعوام قليلة رفضت أمي سفري رحلة إلي الأقصر بالقطار بل ظل لديها هاجس من ركوب القطارات .
أما في 2 فبراير 2006 غرق عبارة السلام 98 قرب ساحل البحر الأحمر ، كان عدد الضحايا أكبر ، ماتوا غرقًا ، لكن استطاع الرأي أن يخرج من مأزق إحراج السلطة بحصول مصر علي كأس أمم أفريقيا ، أذكر الحادث تزامن مع إجازة نصف العام الدراسي، كان شغلي الشاغل أنذاك حصولي علي تذاكر حضور مبارايات مصر أو أضعف الإيمان الحصول علي معقد في الكافيات التي تعرض المبارايات ، لكن بشكل شخصي لأول مرة أري دموع والدي واحتقانه حكي لي أنه خاض مرة واحدة في حياته تجربة السفر من الكويت إلي مصر برًا في سيارته في نهاية ثمنانيات القرن الماضي وأنها تجربة سيئة للغاية خاصة سوء خدمة العبارات وسوء المعاملة ، فلم يكررها لكنه كان حزين علي طبقة فقيرة من العمال الذين يدخرون ما يعملون به ويعيشون في ظروف غير أدامية ولا يمكلون دفع ثمن تذكرة طيران وكان يتحدث بانفعال لأن كل همي وأن جيلي هو تشجيع كرة القدم وأذكر تأثرت بكلامه لكن لم أفهم ما هي مسؤوليتي اتجاه الحادث .
بعد مرور 6 سنوات في 1 فبراير 2012 حادث استاد بورسعيد ، تأثرت وبكيت خاصة علي قتل الطفل أنس ، ربما نضجت أكثر لأسأل طفل يقتل لأنه مشجع فريق كرة قدم ، ملبثات الحادث لغز والألة الإعلامية كانت تعمل الجميع حسب هواه ، ماتوا قتلًا .
لكن المأساة تكررت في أحداث مباراة الزمالك يوم 8 فبراير 2015، ونجد من يجادل ويناقش أحقية موت لمن لا يملك تذكرة المباراة ، وكل ما شوهد يؤكد أنهم ماتوا خنقًا من أثر الغاز المسيل للدموع والتدافع وضيق المرر .
ما هي إلا أيام في 16 فبراير لنفجع بمأساة جديدة ، "داعش " تنظيم الدولة الإسلامية تذبح أبرياء جدد ، تركوا وطنهم وذهبوا إلي جحيم لبيا من أجل لقمة العيش ، وهل هناك أبشع مما شاهدناه جميعًا ، ماتوا ذبحًا .
لكنني بشكل شخصي في فبراير العام الماضي ،أصدقائي ماتوا من التجمد ، تحل الذكري الأولي ومازالنا نواجه البشاعة بكل صورها ، ما حدث العام الماضي كما أذكره أن أحمد ومحمد ضحايا حادث سانت كاترين قرروا الذهاب إلي الجبل ، وكنت اعرف منظمة الرحلة تعرفت عليها علي ما أذكر في ميدان التحرير في 2011 عن طريق صديقة مشتركة ، وبعدها بحوالي عامين سافرت معها رحلة للنوبة ، حين طلب مني أحمد عبد العظيم السفر معه وألح حذرته ولكن علي سبيل القلق من سوء التنظيم لأكثر وأقل أنا يسرا تعاني من سوء التنظيم حتي لا تفاجيء نصحته أن يحمل أموال أكثر ملابس ثقيلة ، هذا أقول لأني كان من الممكن أن أكون معاهم .
لكن تفاصيل الحادث معروفة للجميع ، صعد 8 من الشباب لجبل باب الدنيا ، وانقطع الاتصال من يوم 15 فبراير، وهبت عاصفة ثلجية ، أودت بحياة أربعة ، ونجا أربعة ، شهادة وفاة أحمد حسب تقرير الطب الشرعي أنه فراق الحياة يوم 16 فبراير، هذا يعني أن البلاغات وتحركاتنا ربما جاءت بعد وفاة علي الأقل ثلاثة من الشباب ، كان الجميع من الأقارب والأصدقاء يتحرك علي قدم وساق لمحاولة إنقاذ الشباب، لن أنسي ما حيت تقاعس الضابط وهو يتسأل ماذا أفعل الاتصال مقطوع ؟! سأترك لخيال قاريء هذه السطور مساحة لتخيل ردة فعلي ، لكن التحرك الحقيقي بدء بعد الضغط من خلال السوشيال ميديا للمطالبة العاجلة بإنقاذ من هم أحياء من بينهم بالطبع منظمة الرحلة .
أنا لا اتهمها فأنا لست جهة تحقيق لكني أحمل رخصة مزوالة مهنة الإرشاد السياحي وعضو نقابة ، سأتحدث بحكم خبرتي القليلة، حين يكون المرشد أو قائد المجموعة معه عدد من الأجانب فهذا يعني تسجيل دخول عند شرطة السياحة في المازرات السياحية، بالعدد واسم المرشد وأحيانا يشهر رخصته اسم الشركة لإجراءت لوجستية ، هكذا كان العمل قبل 2011 ، أحيانا يرافق بعض الجنسيات تأمين خاص من شرطة السياحة .
خبرتي بمنطقة سانت كاترين هو صعود جبل موسي مع شركة سفاري من سنوات ، لكني أسافر مع نفس الشركة لتخصصها في السفاري داخل وخارج ومصر ، أذكر أن يوسف منظم الرحلة اجتمع معانا في الفندق بعد تناول عشاء بدوي يؤكد علي ملابسنا ويؤكد وجود Torch وبطاريات كافية، ونصحنا بشراء كميات شوكولاته ، كان يحمل تمرعلي مأذكر ، وبالتأكيد GPS ، سألت منظم رحلات بعد الحادث عن كيفية صعود جبال المنطقة ، هل يتم ذلك بنفس الطريقة أي إبلاغ شرطة السياحة ، كانت إجابته أن يتم إبلاغ شرطة السياحة بالعدد وأرقام البطاقات الشخصية المصريين ، خاصة في منطقة مثل سيناء وجبال كاترين .
وحسب ما جاء من شهود بدو لن أذكر أسمائهم بالطبع إلا إذا طلب، أنه لم يكن أحد منهم علي علم بالرحلة ، أنهم خافوا من المسألة فتأخر البلاغ وأن بعض تصاريح الرحلات مسئول عنها بدو المنطقة .
بعد الحادث سافرت منظمة الرحلة إلي دبي ومن بعدها إلي كينيا ، ثم عادت مصر أعلنت عن تنظيم إلي رحلة إالي النوبة يوم 27 فبراير 2015 ، كما جاء في الإعلان نستمع بالغروب مع الـتأمل (Meditation ) رجاءًا تأملي مشهد جلست فيه مع هيثم أخو أحمد الكبير بعد الحادث نتذكر فيلم أمريكي اسمه ( Vertical Limit) كنا نحاول تخيل ما كان يمكن أن يحدث لإنقاذ الضحايا ، وعن مسئولية القرار من يتحملها هل كانت تحمل GPS ، هل راجعت درجات الحرارة ؟ هل طلبت ملابس خاصة ؟ هل وفرت كل سبل الأمان ؟ وبعد كل هذا خانتها الطبعية .
اعترضت علي عودتها لتنظيم رحلات مرة أخري ، لكن كان ردود الفعل ضدي أغرب من الخيال ، منها " إيه المشكلة يعني هي تشتغل إيه ؟ " والاتهام بتقصير الجهات المختصة بالإنقاذ وانا لا أنكره ، أواجه ألتراس دفاع عن عودتها وتأكيد علي عدم مسئوليتها .
صرت أشك في قواي العقلية الجميع يدافع حسب هواه وإنتماءة ومصلحته، وهل يختلف الأمر عن دفاع المنتفعن أي كان موقعهم و زمانهم ، بلا محاسبة أو الوقوف عند أسباب الحوادث ، تطوير الخدمات ومحاسبة المقصر، وزيرنقل حادث القطار أقيل ثم عاد لمنصبه بعد 2011، وحوادث القطارات حدث من بعدها ولا حرج ، زكريا عزمي وجد من يدافع عنه وقت حادث العبارة ، هناك من دافع عن قتل من لا يملك تذكرة ، وتؤيد المحاضر ضد معلوم لن ينال جزاءه، ولا ننسي أن هناك من يدافع عن داعش لقتل أقباط كنت أمزح قبل يوم وأقول سنجد لسان بعضهم يقول " احنا الشقاوة فينا بس ربنا هدينا " .
داخل هذه الدائرة المفرغة من العبث ، تجعلنا جمعيًا في ساحة انتظار شهر فبراير هل سنموت ( محروقين ، غارقنين ، مقتولين ، متجمدين ، مخنوقين ، مذبحوين ) باتت أغلي الأمنيات موتًا طبيعًا هاديء ، بعض المعترضين علي موقفي يطنون أنني في حالة تشفي أو نضال زائف، لا اهتم كثيرًا بالدفاع لكن موقفي هذا خوفًا من تكرار أخطاء تودي إلي الحتف، لا أريد أن انهي المقال بمشهد أحمد ذكي في فيلم ضد الحكومة " كلنا فاسدون ولا أستثني منا أحدا كلنا ندعي الفضلية ولا نملكها " فيدوي تصفيق حاد، أنا لست قديسة أو مناضلة ثورية ، فقط يزعجني أحيانًا ضميري
وسأختم ببساطة صلاح جاهين " أنا مش تبع مخلوق يا سيدنا البيه أنا حر في يقول ضميري عليه " .