- نواجه الفكر المتطرف باستراتيجيات متكاملة تجمع بين التأصيل الشرعى والتوعية المجتمعية
- نحرم التعامل بالعملات الرقمية مثل البيتكوين نظرًا لما يكتنفها من مخاطر شرعية واقتصادية
- التعدد الفقهى لا يعنى الصراع بل مجال رحب للاجتهاد شريطة أن يكون فى إطاره العلمى الصحيح بعيدًا عن التعصب
- الفقه الافتراضى يستبق القضايا المستجدة ويضع أحكامها الشرعية وترتبط بـه «التنمية المستدامة»
- الولاية على الفتاة ليست حجرًا على إرادتها بل مسئولية تكليفية وليست تقييدية وهدفها حماية مصلحتها
- موقفنا ثابت من القضية الفلسطينية.. وندعم صمود الفلسطينيين عبر التأكيد على حقوقهم المشروعة فى المقاومة ضد الاحتلال
التفريق بين المقاومة المشروعة والفوضى يتطلب وعيًا عميقا وفهمًا دقيقًا للضوابط الشرعية والقانونية
أكد الدكتور نظير عياد، مفتى الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أنه يتم العمل بالتنسيق مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف وهيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، من أجل وضع إطار قانونى لتنظيم الفتوى فى مصر، وذلك للحد من الفتاوى العشوائية.
وقال مفتى الجمهورية فى حوار مع «الشروق» إن دار الإفتاء موقفها ثابت فى دعم القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية عادلة تمثل وجدان الأمة الإسلامية والعربية، مشيرًا إلى أن التفريق بين المقاومة المشروعة والفوضى يتطلب وعيًا عميقًا وفهمًا دقيقًا للضوابط الشرعية والقانونية.
وإلى نص الحوار:
< كيف استعدت دار الإفتاء لشهر رمضان المبارك؟
ــــ الاستعداد لشهر رمضان هذا العام عبر تحديث وتوسيع الخدمات الإفتائية لتلبية احتياجات الجمهور المتزايدة خلال الشهر الكريم، بتعزيز قنوات الفتوى المباشرة عبر الخط الساخن والصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى، وإطلاق منصات رقمية جديدة تتيح الوصول إلى الفتاوى بسهولة ويسر.
وركزنا على تكثيف الحملات التوعوية حول العبادات والأحكام الخاصة بالصيام، من خلال إنتاج برامج مرئية ومسموعة تُبث عبر التلفزيون والإذاعة، إلى جانب نشر مقاطع قصيرة عبر منصات التواصل الاجتماعى، توضح أهم المسائل الفقهية المتعلقة بالصيام والزكاة والأعمال الصالحة.
كما أقدم مجموعة من البرامج اليومية على مختلف الإذاعات المصرية، والشاشات والفضائيات المختلفة؛ بخلاف مجموعة من المقالات المتنوعة فى مختلف الصحف، يوازى ذلك نشاط ميدانى ومجموعة من الندوات والدعوات واللقاءات فى الداخل والخارج، بالإضافة إلى اللقاءات الإعلامية لأمناء الفتوى فى الدار فى الفضائيات والإذاعات المتنوعة».
وتوفر الدار خدمات إفتائية على مدار اليوم من خلال الفتاوى الشفوية، والهاتفية، والإلكترونية، بالإضافة إلى الفروع المنتشرة فى مختلف المحافظات، وتمتد أوقات العمل لتشمل فترتى الصباح والمساء، لضمان تلبية احتياجات السائلين، بالإضافة للمبادرات الميدانية، مثل «فتاوى الصائمين» و«اسأل دار الإفتاء»، بالتعاون مع مؤسسات دينية وتعليمية، لتعزيز الوعى الدينى فى المجتمع.
< كيف نحقق الاستفادة القصوى من شهر رمضان؟
ـــــ بالتوازن بين العبادة والمسئوليات اليومية، سواء فى العمل أو الدراسة، ويبدأ ذلك بتنظيم الوقت وإدارة الأولويات، بحيث يخصص المسلم جزءا من يومه للعبادة، مثل الصلاة وقراءة القرآن والذكر، إلى جانب الوفاء بمتطلبات العمل والدراسة بكفاءة.
كما يمكن استثمار لحظات الفراغ فى التقرب إلى الله، سواء بالدعاء أو الذكر أثناء أداء المهام اليومية، كما يُنصح بالاستفادة من أوقات السَّحَر والإفطار فى الإكثار من الدعاء، أما اجتماعيًا، فرمضان فرصة لتعزيز الروابط العائلية والتواصل مع الأهل والجيران، وتعزيز قيم التكافل والتراحم فى المجتمع.
< ما خطة الدار للتوسع فى المحافظات؟
ــــــ تشمل خطة دار الافتاء التوسع فى افتتاح فروع إفتائية جديدة فى عدد من المحافظات، بحيث يكون لكل فرع فريق من العلماء المؤهلين للرد على استفسارات المواطنين بدقة وسهولة، كما تعمل الدار على تعزيز التعاون مع المؤسسات المحلية، مثل مديريات الأوقاف ومراكز الشباب والجامعات، من خلال تنظيم لقاءات توعوية ومجالس إفتائية مباشرة، وحتى الآن أصبح لدار الإفتاء خمسة أفرع في الإسكندرية وبنى سويف وأسيوط والغربية ومرسى مطروح بخلاف المقر الرئيسى بالقاهرة.
< ما تحركات دار الإفتاء للتصدى والحد من «فوضى الفتاوى»؟
ـــــ يتم ذلك عن طريق إصدار الفتاوى الدقيقة التى تعالج قضايا العصر، مع التوسع فى الإصدارات العلمية والتوعوية، مثل كتب «فتاوى وقضايا تشغل الأذهان» و«فتاوى المرأة» و«دليل الأسرة فى الإسلام»، لنشر الوعى الدينى الصحيح، بالإضافة لتعزيز الحضور الرقمى للدار عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وعقد مجالس إفتائية للشباب بالتعاون مع وزارة الشباب، والتوسع فى المحافظات، وتدشين المراصد والمراكز البحثية للعمل على رصد الفتاوى المتطرفة والمتشددة داخليا وخارجيا وبحثها والرد عليها؛ كمركز سلام لدراسات التطرف، والمؤشر العالمى للفتوى.
< وكيف يتم التنسيق بين الدار وباقى المؤسسات الدينية لضبط الفتاوى؟
ـــــ نعمل بالتنسيق مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف وهيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على وضع إطار قانونى لتنظيم الفتوى فى مصر، للحد من الفتاوى العشوائية، ويشمل هذا الإطار مشروع قانون يُجرّم إصدار الفتاوى من غير المؤهلين، لتقتصر الفتوى على الجهات الدينية الرسمية المعتمدة.
< ما صور التنسيق بين الإفتاء والأزهر ووزارة الأوقاف فى القضايا الدينية؟
ـــــ تحرص المؤسسات الدينية فى مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، على التنسيق المستمر لضبط الفتوى والخطاب الدينى، بما يحقق الاستقرار المجتمعى ويحفظ الهوية الإسلامية الصحيحة، بمنع الفتاوى الشاذة، والعمل مع وزارة الأوقاف لضمان التزام خطب الجمعة والدروس الدينية بمنهج وسطى يعزز قيم التسامح والتعايش، إلى جانب إطلاق مبادرات توعوية لمواجهة الأفكار المتشددة وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
كما يشمل التعاون تأهيل الدعاة والمفتين عبر برامج تدريبية مشتركة تجمع بين الدراسة الشرعية وفهم الواقع المعاصر، وتنسيق الجهود والتعاون فى إعداد التشريعات المنظمة للإفتاء.
< كيف تواجه الدار الفكر المتطرف؟
ـــــ نواجهه باستراتيجيات متكاملة تجمع بين التأصيل الشرعى، والتوعية المجتمعية، والتصدى الإعلامى، بتفكيك الأسس الفكرية للتطرف بتصحيح المفاهيم المغلوطة، مثل الجهاد، والولاء والبراء، والتكفير، وإصدار دراسات علمية وكتب متخصصة، إضافة إلى تدشين منصات إلكترونية متعددة اللغات لمواجهة الظاهرة، ومراكز الرصد ودراسة التطرف، وتدريب الأئمة والدعاة لتأهيلهم لمواجهة التطرف بالحجة والمنطق، بالإضافة للاستفادة من الوسائل والمنصات الإلكترونية.
< كيف يتم تأهيل المفتى وما الشروط التى يجب أن تتوافر فيه؟
ـــــ يخضع المفتى لبرنامج تأهيلى يجمع بين الدراسة الشرعية العميقة، والتدريب العملى، وتنمية المهارات الفقهية والتواصلية، حيث اعتمدت الدار مجموعة من البرامج الدراسية لتأهيل المفتين، بالإضافة للتعاون مع أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب.
ويشترط فى المفتى العلم الشرعى المتخصص بإتقان علوم الشريعة من الفقه، وأصوله، والحديث، والتفسير، وقواعد الاستنباط، والخلاف الفقهى وأسباب التنوع فى الاجتهادات، والإدراك الواعى للواقع، والتفاعل مع المستجدات المجتمعية، والتأهيل النفسى والأخلاقى، والتمتع بالورع، التقوى، والحكمة، والأمانة العلمية، والبعد عن التشدد أو التفريط، والإلمام بالقوانين والنظم الحاكمة.
< كيف يمكن تحقيق التوازن بين احترام التعدد الفقهى ووحدة الأمة ومنع التعصب؟
ـــــ بترسيخ مبدأ أن الاختلاف الفقهى رحمة وسمة من سمات الشريعة الإسلامية التى تتسم بالمرونة والقدرة على استيعاب التنوع، ولضمان هذا التوازن لا بد من تعزيز ثقافة الوعى بأن التعدد الفقهى لا يعنى الصراع أو التفريق بين المسلمين، بل هو مجال رحب للاجتهاد، شريطة أن يكون فى إطاره العلمى الصحيح، بعيدًا عن التعصب والتطرف.
كما أن احترام الاجتهادات المختلفة لا ينبغى أن يؤدى إلى التشكيك فى الثوابت أو التعدى على المؤسسات الدينية المعتمدة، بل يستوجب الالتزام بالضوابط العلمية التى تنظم الفتوى وتمنع استغلال الخلاف الفقهى فى إثارة الفتن، ولتحقيق ذلك، يجب نشر الفكر الوسطى من خلال المناهج التعليمية، ودعم الخطاب الدينى المعتدل فى الإعلام، وتعزيز الحوار بين المذاهب الإسلامية على أسس الاحترام المتبادل.
وتعمل دار الإفتاء على تحقيق هذا التوازن من خلال إصدار الفتاوى وفق المنهج الوسطى، وبيان أن الاختلاف الفقهى تنوع محمود لا يجوز أن يتحول إلى أداة للتفرقة أو النزاع، بالإضافة إلى تنظيم برامج تأهيلية للمفتين لترسيخ ثقافة احترام التعدد الفقهى، بما يسهم فى وحدة الأمة ويمنع التعصب والانغلاق.
< ما أبرز التحديات التى تواجه عمل الإفتاء محليًا وإقليميًا؟
ــــ انتشار الفتاوى العشوائية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، كما تفرض التحولات الاجتماعية والثقافية السريعة قضايا جديدة تحتاج لاجتهاد فقهى دقيق، مثل: التعاملات المالية الرقمية، وحقوق المرأة، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعى، وتحديات العولمة التى تسهم فى انتشار الأفكار الدخيلة، مما يتطلب جهودا متواصلة لحماية الهوية الدينية، وتكثيف التوعية وتعزيز ثقافة الاستفتاء الصحيح، وتعزيز التنسيق بين الجهات الإفتائية لضمان وحدة الرؤية فى إصدار الفتاوى.
< ما رأى دار الإفتاء فى مستحدثات الاقتصاد الرقمى مثل الرهانات الرقمية والتعامل فى العملات الرقمية مثل البيتكوين؟
ــــ تتعامل دار الإفتاء المصرية مع المستجدات فى الاقتصاد الرقمى بمنهجية علمية قائمة على دراسة كل ظاهرة جديدة من منظور الشريعة الإسلامية، مع مراعاة أبعادها المختلفة؛ وبالنسبة للرهانات الرقمية، فإنها تندرج تحت القمار المحرم شرعًا، لأن القمار يقوم على المغامرة غير المشروعة وأكل أموال الناس بالباطل، وهو ما حرمه الإسلام بنصوص قطعية، مثل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ»؛ وبالتالى، فإن أى صورة من صور الرهانات التى تعتمد على الحظ والمقامرة، سواء كانت فى الواقع أو عبر الفضاء الرقمى، فهى محرمة شرعًا.
أما التعامل فى العملات الرقمية مثل البيتكوين، فقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بتحريم تداولها، نظرًا لما يكتنفها من مخاطر شرعية واقتصادية، حيث تفتقد هذه العملات للضوابط التى تجعلها وسيطًا ماليًا موثوقًا، كما أنها تُستخدم فى بعض الأحيان فى عمليات غير مشروعة، وتسبب ضررًا بالغًا بالاقتصاد القومى، فضلًا عن عدم استقرار قيمتها واعتمادها على المضاربة البحتة، وهو ما يندرج تحت الغرر المحرم فى المعاملات المالية.
< فى هذا الصدد، تحدثتم عن أهمية الفقه الافتراضى.. فما المقصود به؟
ــــ الفقه الافتراضى يقوم على استباق القضايا المستجدة ووضع أحكام شرعية لها وفق مبادئ الشريعة؛ لأن مواكبة المستجدات لم تعد رفاهية، بل ضرورة، خاصة مع تطور «العالم الافتراضى»، الذى يتطلب ضوابط شرعية دقيقة لمواكبة تأثيراته المتزايدة على الحياة اليومية.
ولا شك أن «التنمية المستدامة» ترتبط بـ«الفقه الافتراضى»، حيث لا تقتصر على تحسين الحاضر، بل تمتد إلى الحفاظ على الموارد وضمان حقوق الأجيال القادمة، وهو ما يتوافق مع تعاليم الشريعة.
< حدثنا عن دور هيئات الإفتاء فى دعم الأقليات المسلمة حول العالم؟
ــــ تضطلع الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بدور محورى فى دعم الأقليات المسلمة، بتوفير الإرشاد الدينى الوسطى وتعزيز الهوية الإسلامية المتزنة التى تتماشى مع متطلبات المواطنة فى البلدان التى يعيشون فيها، وتقديم الدعم العلمى والفقهى عبر إصدار فتاوى متخصصة تراعى خصوصيات المسلمين فى المجتمعات غير الإسلامية، بما يضمن توافقهم مع القوانين المحلية دون الإخلال بثوابت الدين، إضافة إلى دعم مشروعات نشر الفتاوى المترجمة بلغات متعددة.
< كيف يتم التنسيق مع جهات الإفتاء العالمية فيما يتعلق بانتشار الأفكار المتطرفة ومواجهة الإسلاموفوبيا؟
ـــــ يتم هذا التنسيق عبر آليات عدة، من بينها تبادل الخبرات والمعلومات حول أساليب الجماعات المتطرفة فى استغلال الفتوى لتبرير العنف، وإعداد ردود علمية مدروسة لمواجهتها، إضافةً إلى تنظيم مؤتمرات وملتقيات دولية تجمع كبار المفتين والعلماء لمناقشة سبل التصدى لهذا الفكر المنحرف.
< ما دور الدار فى دعم الاستقرار الأسرى وكيف تتصدى للمشكلات الأسرية الحديثة؟
ـــــ تعمل دار الإفتاء من خلال مركز الإرشاد الزواجى الذى يعد منصة متخصصة فى معالجة المشكلات الأسرية وتقديم الاستشارات الفقهية والاجتماعية على دعم تماسك الأسرة المصرية وحمايتها من التفكك، بالإضافة للإصدارات التوعوية كـ «دليل الأسرة فى الإسلام».
ويقدّم المركز استشارات متخصصة فى قضايا الزواج والطلاق والنفقة والتربية، من خلال متخصصين شرعيين واجتماعيين ونفسيين، لتوفير حلول متوازنة تعزز الاستقرار العائلى، كما يعالج القضايا المستحدثة مثل الطلاق الإلكترونى والعنف الأسرى، إلى جانب تقديم فتاوى تراعى الواقع الاجتماعى وتحافظ على الكيان الأسرى.
< كيف تتعاملون مع الجدل الذى يشتعل من حين لآخر حول بعض القضايا الأسرية مثل الولاية على الفتاة أو الزواج العرفى؟
ــــ نولى اهتمامًا كبيرًا بالقضايا الأسرية التى تثير الجدل المجتمعى من حين لآخر، بتقديم الفتاوى الشرعية المنضبطة التى تراعى مقاصد الشريعة الإسلامية ومتغيرات العصر، مع الحفاظ على استقرار الأسرة والمجتمع.
ونؤكد أن الولاية على الفتاة ليست حجرًا على إرادتها، بل مسئولية تكليفية وليست تقييدية، وهدفها الأساسى حماية مصلحتها وفق القواعد الشرعية، وفيما يتعلق بزواجها فإن الإسلام أقرّ حقها فى حرية اختيار الزوج، مع اشتراط موافقة وليّها لضمان تحقيق المصلحة وصيانة الحقوق، مع الأخذ فى الاعتبار أن العضل (منع الولى للفتاة من الزواج تعسفًا) محرم شرعًا، ويحق للقاضى التدخل لرفع الضرر عنها.
أما بالنسبة لـالزواج العرفى، فإن دار الإفتاء تفرّق بين المستوفى منه للأركان والشروط الشرعية (الإيجاب والقبول، ووجود الشهود، وموافقة الولى فى بعض الحالات)، والذى يُعد زواجًا صحيحًا لكنه غير موثّق، وبين الزواج غير الشرعى الذى يتم فى السر أو بلا شهود، وهو ما يُعد باطلًا ولا يُقره الشرع، كما نشدد على أهمية توثيق الزواج حمايةً للحقوق الشرعية للمرأة والأبناء، وتفاديًا للتلاعب. ولمواجهة الجدل المتكرر حول هذه القضايا، تعتمد دار الإفتاء على نهج الحوار العلمى والتوعية المجتمعية فى المقام الأول.
< ما العلاقة بين الأمن والبناء العمرانى فى القرآن؟ وكيف نظر القرآن إلى مفاهيم الوطنية والانتماء؟
ــــ يرتبط الأمن والبناء العمرانى فى القرآن الكريم ارتباطًا وثيقًا، حيث جعل الله الأمن شرطًا أساسيًا لازدهار المجتمعات واستمرار الحضارات. فقد قال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ» (العنكبوت: 67)، مما يوضح أن الاستقرار هو الأساس الذى يُبنى عليه التقدم العمرانى والاقتصادى. كما يشير القرآن إلى أن العمران لا يقتصر على البناء المادى فحسب، بل يشمل القيم والمبادئ التى تحفظ تماسك المجتمع.
أما مفاهيم الوطنية والانتماء، فقد أكدها القرآن من خلال الحث على عمارة الأرض والسعى فى إصلاحها، كما فى قوله تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: 61). ويدعو الإسلام إلى حب الوطن والدفاع عنه، كما يتجلى فى ارتباط الأنبياء بأوطانهم، مثل حزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، عند خروجه من مكة، حيث قال: «والله إنكِ لأحب بلاد الله إلىّ، ولولا أن أهلكِ أخرجونى منكِ ما خرجتُ».
وبذلك يؤكد القرآن أن الأمن والاستقرار ضروريان لنهضة المجتمعات، إلى جانب الانتماء للوطن، وأن الوطنية الحقيقية تتمثل فى الإسهام فى بناء الوطن وصون مقدراته.
< ما دور «الإفتاء» فى دعم القضية الفلسطينية والتوعية بها وتعليقكم على تصريحات ترامب بشأن التهجير؟
ـــــ تؤكد دار الإفتاء المصرية موقفها الثابت فى دعم القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية عادلة تمثل وجدان الأمة الإسلامية والعربية، حيث تسهم الدار فى التوعية بالقضية بإصدار الفتاوى والبيانات التى توضح الموقف الشرعى من الاعتداءات على الأرض والمقدسات، وتكشف زيف الادعاءات التى تحاول طمس الحقائق التاريخية. كما تعمل على دعم صمود الشعب الفلسطينى عبر التأكيد على حقوقه المشروعة فى المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، والتعريف بأهمية الحفاظ على الهوية الوطنية والدينية فى مواجهة مخططات التهويد.
وفيما يتعلق بالمزاعم المتداولة بشأن مخطط تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، فإن دار الإفتاء ترفض بشكل قاطع أى محاولة لطمس الهوية الفلسطينية أو تصفية القضية عبر مخططات التهجير القسرى، التى تخالف كل الأعراف والقوانين الدولية، كما أن هذه الأطروحات مرفوضة شعبيًا ورسميًا، وتعد انتهاكًا صارخًا للحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى.
وتؤكد أن الحل العادل يتمثل فى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهو ما يتطلب تحركًا دوليًا جادًا لحماية حقوق الفلسطينيين ووقف الاعتداءات عليهم.
< كيف يمكن للشباب التفريق بين المقاومة وبعض الأفكار التى قد تقود للفوضى؟
ـــــ التفريق بين المقاومة المشروعة والفوضى يتطلب وعيًا عميقًا وفهمًا دقيقًا للضوابط الشرعية والقانونية، فالمقاومة حق أصيل للشعوب المحتلة، وممارسة منظمة لاسترداد الحقوق المسلوبة والدفاع عن الأرض، وفقًا للمواثيق الدولية والشرائع السماوية، وتقوم على مبادئ واضحة تضمن عدم الإضرار بالمدنيين أو الاعتداء على الأبرياء.
أما الأفكار التى تقود للفوضى، فتستند إلى خطاب متطرف يخلط بين الجهاد المشروع والتخريب، مستغلا مشاعر الشباب ودافعهم لنصرة قضاياهم العادلة فى توجيههم نحو العنف غير المنضبط الذى يؤدى إلى زعزعة الاستقرار ونشر الفتن، وهنا يأتى دور المؤسسات الدينية، وعلى رأسها دار الإفتاء، فى توعية الشباب وإرشادهم إلى الفهم الصحيح للمقاومة المشروعة، من خلال تقديم الفتاوى المتزنة التى توضح الفارق بين الجهاد المشروع وأعمال العنف العبثية، مع التركيز على تعزيز الانتماء الوطنى والالتزام بالقوانين وعدم الانجرار وراء الجماعات المتطرفة التى تسعى لاستغلال القضايا العادلة لتحقيق أجنداتها الخاصة.
< كيف ترى تأثير تصاعد الأحداث فى المنطقة على الفكر الدينى للشباب؟
ـــــ تصاعد الأحداث فى المنطقة يؤثر بشكل كبير على الفكر الدينى للشباب، إذ يجدون أنفسهم وسط سيل من المعلومات المتضاربة والتفسيرات المختلفة للأحداث الجارية، ما يجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل التيارات المتطرفة أو الوقوع فى فخ التشدد والانغلاق، أو على النقيض، الانسياق نحو التراخى والتشكيك فى ثوابت الدين.
فى ظل هذه التحديات يصبح من الضرورى تعزيز الوعى الدينى الوسطى لدى الشباب، من خلال تقديم خطاب دينى عقلانى يربط بين تعاليم الإسلام الصحيحة والواقع المتغير، ويحصنهم ضد الأفكار الهدامة.