يحاول أحمد باري المهاجر القادم من غينيا السيطرة على مسدس الماء المعطوب بينما يرش سيارة "البيكانتو" الشعبية في تونس لإزالة الأنربة لكن المياه لا تتوقف عن التدفق من ثقوب في الخرطوم صوب قميصه.
مع ذلك يستمر أحمد البالغ من العمر 24 عاما، في رش المياه غير مبال بقميصه المبتل وإلى جانبه صديقه علي موريبا من نفس البلد يحرك الشامبو في سطل متهالك.
تقع محطة غسيل السيارات في منطقة حي التحرير الشعبي غرب العاصمة، وهي الوحيدة من بين ثلاث محطات في نفس المنطقة، استمرت في تقديم خدماتها بينما توقفت المحطتان الباقيتان بسبب نقص العمالة والقيود المفروضة على استخدام المياه نتيجة الجفاف.
لكن العمل متعثر هنا وبطيء بسبب تقادم التجهيزات. ويؤثر هذا بالنتيجة على دخل أحمد وعلي اللذين يعملان باليومية.
وهذا اليوم طلب منهما مدير العمل التوقف عن الغسيل حتى يسد الثقوب بخرقة من القماش. وفي حال لم ينجح الأمر سيضطران للمغادرة مبكرا مقابل الحصول على نصف اليومية، أي ما يناهز خمسة دولارات للفرد، إلى حين استبدال مسدس المياه.
ويقول أحمد لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) وهو يحاول ان يشفط بيده المياه من قميصه "نعمل هنا انا وعلي منذ أسابيع فقط. الوضع صعب ولكننا نحتاج إلى العمل لنأكل ونغطي منابنا في الإيجار. لا أعرف حتى متى سنبقى وماذا سيحدث في الغد لكن آمل أن ننجح يوما ما في الوصول إلى أوروبا".
يقطن أحمد وعلي في حي الزهور الذي يبعد مسافة كيلومترين عن مقر العمل، في سكن مكون من غرفتين مع خمسة مهاجرين آخرين من غينيا ونيجيريا يعمل أغلبهم في حظائر البناء بجهة أريانة التي تشهد تركزا للعمال جنوبي الصحراء.
وقال مدير محطة الغسيل وهو رجل خميسيني لـ(د ب أ) "أغلبهم لا يستمر في العمل. إما انهم يهاجرون او يقبض عليهم. المعيشة صعبة في تونس ولا يمكنهم الصمود كثيرا".
وازداد الوضع تعقيدا منذ ان شنت السلطات حملة واسعة في 2023 ضد التدفق الكبير للمهاجرين على المدن التونسية ولا سيما بجهة صفاقس. ةقد أدى ذلك بالنتيجة إلى تناقص العدد تدريجيا في وسط العاصمة ووسط المدن الكبرى فيما اختار الباقون ان يتوجهوا الى داخل الأحياء الشعبية او في المزارع والحقول حنى يتواروا عن رجال الأمن.
لكن منذ عام 2024 توسعت الحملات لتشمل تفكيك أكبر مخيم في العاصمة في منطقة البحيرة الراقية، على مقربة من مقر مكتب مفوضية شؤون اللاجئين وايضا مكتب المنظمة الدولية للهجرة، ومخيمات أخرى في العام الحالي 2025 وسط غابات الزيتون قرب صفاقس.
وبسبب الحظر الذي تفرضه السلطات على أنشطة المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، فإنه بات من غير السهل العثور على فرصة للعمل والسكن. وتضطر نساء من المهاجرات إلى التسول في الشوارع او بيع المناديل الورقية في مفترق الطرقات.
لكن بعيدا عن وسط العاصمة تتغاضى السلطات نسبيا عن الحظر.
وتقدم منطقة "البحر الأزرق" الفقيرة بضاحية المرسى، نفسها ملاذا لعدد كبير من المهاجرين للسكن والعمل في الحظائر.
وهناك يقضي كريم، وهو مهاجر من الكاميرون، ساعات طويلة في الشوارع يوميا لجمع قوارير البلاستيك وسط النفايات قبل بيعها في مصب بالجهة، ومن هناك يجري شحنها الى مصانع التدوير.
ويجني الشاب – الذي اختار ان يعرف نفسه باسم مستعار لدواعي أمنية- 30 سنتا مقابل الكيلوجرام الواحد من البلاستيك.
ويقول لــ(د ب أ) "تسير الأمور بشكل جيد كما هو مخطط. أحاول أن أدخر المال بحكم اننا الأفارقة مهاجرون عابرون هنا. لقد قمت في السابق بمحاولة عبور البحر المتوسط لكن خفر السواحل قبضوا علي وارسلوني بعيدا عن العاصمة إلى الصحراء".
ويتابع كريم قصته "قضيت أسبوعين قبل العودة إلى تونس. عدت إلى العمل هنا وعلي الآن أن أوفر المال. سأجرب حظي من جديد".
لكن مهمة الشاب الكاميروني والآلاف من المهاجرين اليائسين في تونس لن تكون سهلة مع تشديد خفر السواحل للرقابة وعمليات التمشيط في البحر مع الاستعانةا بتجهيزات أوروبية، بجانب تشديد العقوبات القضائية ضد المتورطين في تهريب البشر.
وفي عام 2024 تراجعت التدفقات من تونس إلى إايطاليا بنسبة تناهز 80 % مقارنة بعام 2023، وفق بيانات رسمية إيطالية.
واستمر التراجع بالوتيرة ذاتها في الربع الأول من العام الجاري.
ومع الافتقاد إلى أفق واضح يضطر عدد متزايد من المهاجرين إلى العودة طواعية إلى بلدانهم بدل انتظار مصير معلق في تونس.
وقال مهاجر غيني مع زوجته وطفلة رضيعة، وهو ينتظر رحلة العودة إلى بلده في مطار تونس فرطاج، إنه اختار العودة إلى غينيا بعد ثلاث سنوات قضاها في تونس دون أن يتمكن من العثور على عمل.
وأفاد متحدث باسم الحرس الوطني لـ(د ب أ) بأن نحو ثلاثة آلاف و500 مهاجر غير نظامي غادروا البلاد طوعا حتى مايو إلى بلدانهم، ضمن برنامج تشرف عليه المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع السلطات ودول مانحة.
وتجري عمليات الترحيل حتى الآن عبر رحلتين أسبوعيا.