الكتاتيب.. رافد تعليمي يعود من الذاكرة الشعبية إلى خطط الدولة للتعليم المبكر - بوابة الشروق
الخميس 5 يونيو 2025 11:07 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الكتاتيب.. رافد تعليمي يعود من الذاكرة الشعبية إلى خطط الدولة للتعليم المبكر

محمد حسين
نشر في: الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 2:47 م | آخر تحديث: الثلاثاء 3 يونيو 2025 - 4:36 م

حينما تُذكر كلمة "الكُتّاب"، تتداعى إلى الأذهان مشاهد خالدة في السينما والدراما: قرية ريفية أو أطراف الصعيد، شيخ يجلس متربعًا حوله صبية وبنات يرددون قِصار السور، وهم يحملون ألواحًا خشبية نقشوا عليها ما تعلموه من مبادئ القراءة والكتابة. ورغم بساطة هذا المشهد، كان "الكتّاب" المدرسة الأولى التي أنارت عقولًا مصرية لامعة قبل أن تُشيّد المدارس النظامية وتُعمّم مناهج التعليم الحديثة.

* عودة الكتاب.. السيسي يدعم مبادرة الأزهري

في ديسمبر الماضي، وخلال اجتماع موسع مع قيادات وزارة الأوقاف، اطّلع الرئيس عبدالفتاح السيسي على مبادرة تهدف إلى إحياء تجربة الكتاتيب في مصر، كجزء من جهود الدولة لتجديد الخطاب الديني، وتعزيز تكوين النشء معرفيًا وسلوكيًا منذ الطفولة.

جاء هذا التوجه الرئاسي في سياق استعراض خطة الوزارة لتأهيل الأئمة والخطباء، وتعزيز دور المؤسسات الدينية في ترسيخ الهوية الثقافية والدينية المعتدلة، حيث عرض وزير الأوقاف وقتها الملامح الأولية لمقترح إعادة الكتاتيب، باعتبارها أحد الأدوات التقليدية الفعالة في تكوين الشخصية المصرية في مراحلها المبكرة.

ثم تجدد الحديث مؤخرًا في 28 مايو الماضي، حين أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، خلال مؤتمر صحفي، عن توجيه رئاسي بدراسة مقترح رسمي قدّمه الدكتور أسامة الأزهري مستشار الرئيس للشؤون الدينية، بعودة الكتاتيب ضمن إطار تعليمي وتنظيمي حديث.

وأوضح مدبولي أن الهدف من هذه المبادرة هو تقديم الكتاتيب كمنصات موازية لرياض الأطفال، تُسهم في تعليم اللغة العربية، والدين، والحساب، إلى جانب غرس قيم الوسطية، واحترام الآخر، والانتماء الوطني

* مدبولى يعرض خطة التطبيق

وأكد الدكتور مدبولي أنه يتم التحرك في هذا الإطار بشكل متكامل، لافتا إلى أن الكتاتيب يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا الإطار، بجانب المساجد والكنائس لتكون هذه النوعية من الفصول باعتبار أن عددًا كبيرًا من هذه المنشآت الدينية تتواجد فيها مساحات وأماكن يمكن استغلالها كأماكن تدريس لهذه العلوم الأساسية.

وأشار إلى إمكانية الاستفادة في هذا الصدد من مراكز الشباب وقصور الثقافة وبعض المنشآت الحكومية الأخرى التي يمكن استغلالها في رياض الأطفال باعتبار أن الدولة تعاني من عجز شديد في هذا الإطار.

ولفت إلى التأكيد على مراجعة هذا الأمر في ظل التوجيه الرئاسي بالاهتمام بهذا الملف، باعتبار أن هذه الكتاتيب تؤثر كثيرًا في بناء الشخصية وبالتالي يجب الانتقاء بدقة لمن يعلمون الأطفال في هذه الكتاتيب منعًا لحدوث تأثير سلبي في المستقبل

طه حسين.. الكتّاب في ذاكرة عميد الأدب

وثّق عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، تجربته الشخصية مع الكتاتيب في سيرته الذاتية "الأيام"، معتبرًا إياها أول محطة في رحلته العلمية. كتب يقول: "كان يذهب إلى الكتّاب محمولًا على كتف أخيه، لصِغَر سنه وبعد المسافة، ليجلس بين يدي سيدنا متربعًا على الأرض، يعبث بالنعال الرقعة حوله، بينما كان سيدنا يجلس على دكة خشبية بسيطة، يدخن سيجارته، وينادي بالأسماء." تلك الذكريات العميقة شكّلت ملامح تجربة التعليم التقليدي قبل المدارس النظامية.

رحلة الكتاتيب.. من الازدهار إلى التراجع

وفقًا لدراسة مبروك بهي الدين دعدر، بعنوان "الكتاتيب نشأتها وأنماطها وأثرها في تعلم وتعليم القرآن الكريم – مصر نموذجًا"، نشأ التعليم في الكتاتيب عقب الفتح الإسلامي لمصر عام 21هـ، إذ اعتمد الناس على جهود المجتمع والأوقاف الخيرية، ما جعله متاحًا لجميع الطبقات. وفي عام 1840، دعمت الدولة الكتاتيب ماليًا عبر وزارة الأوقاف، وصرفت أجور المعلمين.

غير أن عهد الرئيس جمال عبد الناصر أحدث تحولًا جذريًا؛ إذ تبنت الدولة مشروع التعليم المجاني ودمجت تعليم القرآن واللغة العربية داخل المدارس النظامية.

بحسب المركز القومي للبحوث التربوية، أدى انتشار المدارس الحكومية إلى تراجع الإقبال على الكتاتيب، التي فقدت مكانتها التعليمية وتحولت إلى نشاط ديني غير ملزم.

أسباب تراجع دور الكتاتيب

بحسب دراسة المركز القومي للبحوث، يقتصر دور بعض الكتاتيب على تحفيظ القرآن دون التعمق في التفسير أو اللغة العربية، ما يجعل التعليم فيها منقوصًا، خاصة مع افتقاد كثير من المعلمين الكفاءة اللازمة. إضافة إلى ذلك، فإن غياب الإشراف التربوي وانعدام التفاعل مع متطلبات العصر، من تقنيات وتطبيقات رقمية، أضعف من جاذبيتها. وأشار الباحثون إلى أن بعض الكتاتيب أضحت بيئة قد تنغلق فكريًا في ظل غياب رقابة تربوية أو علمية.

التعليم في الأزهر.. حلقات ممتدة عبر الزمن

يوضح الدكتور نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، أن التعليم في الكتاتيب كان يتم على يد شيخ حافظ للقرآن، يدرك أسس اللغة العربية، فيما عرفت حلقات التعليم في صحن الأزهر النظام ذاته: يجلس الطالب أمام الشيخ يتلقى العلم ثم يُمنح إجازة.

وأشار عوضين إلى تنوع أنماط الكتاتيب بين الشعبي (الذي يعتمد على أجر نقدي أو عيني) والحكومي (الذي يخضع لإشراف الأوقاف والأزهر). وأعرب عن أسفه لتراجع دورها، قائلاً: "للأسف، غابت الكتاتيب عن كثير من القرى، وضعُف مستوى القراءة والكتابة حتى لدى طلاب الجامعات."

كتّاب 2025.. هل يمزج بين الأصالة والرقمنة؟

قال الدكتور مجدي حمزة، الخبير التربوي، إن الكتاتيب شكلت النواة التعليمية لمصر عبر التاريخ، وأسهمت في تخريج عمالقة الفكر مثل العقاد وطه حسين. لكنه أكد ضرورة تحديثها لتواكب العصر الرقمي، مقترحًا إدراج مبادئ اللغة الإنجليزية، والبرمجة، إلى جانب القرآن واللغة العربية. وأضاف: "إذا اكتفينا بتحفيظ القرآن فقط، فلن نحقق طفرة، لكن إذا صممنا مناهج متطورة تراعي سن الطفل، سنصنع فارقًا حقيقيًا".

واقترح حمزة وضع خطة علمية مدروسة على مدار عام كامل لتأهيل المعلمين وإعداد المحتوى قبل التنفيذ، مشددًا على أن التسرع قد يكرر أخطاء الماضي.

رؤية نقدية.. الكتّاب فكرة تجاوزه الزمن؟

أما الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، الخبيرة التربوية، فرأت أن التعليم يتطور مع تغير المجتمعات، مشيرة إلى أن الحضارات القديمة، مثل المصرية واليونانية، مارست التعليم في المعابد والساحات قبل تطوره إلى مدارس وجامعات. وأكدت أن الكتاتيب نشأت في مصر استجابة لحاجة المجتمعات الريفية.

وأوضحت بثينة أن عهد علي مبارك في القرن التاسع عشر شهد تطوير الكتاتيب إلى ما عُرف لاحقًا بـ"المكاتب"، وهي مؤسسات بدائية لتدريس القراءة والحساب بجانب القرآن. وتساءلت: "بعد قرنين من الزمان، هل من المنطقي أن نعود للكتاتيب في عصر الذكاء الاصطناعي، بينما العالم يتسابق في التكنولوجيا؟".

وشددت على أهمية تطوير التعليم قبل المدرسي في القرى ضمن مؤسسات حديثة تمزج بين القيم الدينية والعلوم الحديثة، وليس العودة إلى نموذج تقليدي تجاوزه الزمن.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك