زهران ممداني.. صعود سياسي مستلهم من إرث فكر الأب محمود ممداني - بوابة الشروق
الجمعة 7 نوفمبر 2025 6:32 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

زهران ممداني.. صعود سياسي مستلهم من إرث فكر الأب محمود ممداني

محمود عماد
نشر في: الخميس 6 نوفمبر 2025 - 7:58 م | آخر تحديث: الخميس 6 نوفمبر 2025 - 7:59 م

هز الفوز الكبير لزهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك الأوساط السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتصدر اسمه وسيرته منصات الإعلام حول العالم.

ويعود هذا الاهتمام العالمي إلى الخلفية المتعددة التي ينتمي إليها زهران؛ فهو مهاجر إلى أمريكا، وُلد في أوغندا ويحمل هوية أفريقية بحكم المولد وأصول والده الأوغندية، وآسيوية من جهة أصول والدته الهندية، إلى جانب كونه مسلمًا وشابًا في الرابعة والثلاثين من عمره، كما أنه اشتراكي ديمقراطي، مناهض للمؤسسة التقليدية للحزب الديمقراطي رغم انتمائه له.

يشكل صعود زهران ممداني حالة لافتة، خصوصًا عند محاولة فهم السياق الثقافي والسياسي الذي أسهم في تكوين وعيه، والذي لعبت عائلته، ولا سيما والده المفكر والأكاديمي البارز محمود ممداني، دورًا مؤثرًا فيه.

فالأب هو أحد أبرز المفكرين الأفارقة المعاصرين، وأستاذ علم الإنسان والعلوم السياسية والدراسات الأفريقية بجامعة كولومبيا، كما يعمل مستشارًا في جامعة كامبالا الدولية في أوغندا.

كرس ممداني الأب مسيرته الأكاديمية لدراسة قضايا الاستعمار، وبناء الدولة الحديثة، والهوية، والعنف السياسي، ما جعله أحد أهم الأصوات الفكرية في تحليل علاقة السلطة بالانتماء في عالم ما بعد الاستعمار.

وفي محاولة لفهم ملامح فكر الابن ومساره السياسي، يمكن العودة إلى أبرز مؤلفات والده التي تُرجمت إلى العربية، والتي تقدم مفاتيح مهمة لفهم رؤيتهما المشتركة للعالم.

لا مستوطن ولا مواطن.. تفكيك الهويات الدائمة

في كتابه «لا مستوطن ولا مواطن.. صنع أقليات دائمة وتفكيكها»، ترجمة عبيدة عامر، يقدم محمود ممداني قراءة معمقة في الحداثة السياسية بشقيها الاستعماري وما بعد الاستعماري، محاولًا تفسير جذور العنف الذي أصاب المجتمعات بعد الاستقلال.

يرى ممداني أن الاستعمار لم يكن مجرد هيمنة عسكرية أو اقتصادية، بل مشروعًا لصناعة أقليات دائمة عبر تسييس الهوية والحفاظ عليها كأداة للسيطرة، ما أدى إلى انقسامات داخلية وعنف سياسي مزمن.

ويقترح ممداني في المقابل إعادة تعريف المواطنة على أساس الحقوق والالتزامات المشتركة، لا على أساس الانتماءات العرقية أو الدينية، باعتبار ذلك الطريق نحو تجاوز الانقسامات وإنهاء الصراعات المرتبطة بالهوية، وصولًا إلى تحرر حقيقي من بقايا الاستعمار السياسي والفكري.

المسلم الصالح والمسلم الطالح.. جذور الإرهاب في السياسات الأمريكية

أما كتابه «المسلم الصالح.. والمسلم الطالح: أمريكا وصناعة الحرب الباردة وجذور الإرهاب»، ترجمة فخري لبيب وتقديم حلمي شعراوي، فيعد من أكثر أعمال ممداني جرأة وتأثيرًا.

يقدّم ممداني في هذا العمل نقدًا حادًا للهيمنة الأمريكية، ولطريقتها في تصنيف الشعوب تبعًا لمصالحها السياسية.

يوضح كيف استخدمت الولايات المتحدة الخطاب الأيديولوجي خلال الحرب الباردة لتقسيم العالم إلى معسكرين: معسكر "الخير" الموالي لها، ومعسكر "الشر" المناهض لها.

ويرى أن هذا المنطق نفسه استُخدم لاحقًا في التعامل مع العالم الإسلامي، إذ جرى تقسيم المسلمين إلى "صالحين" و"طالحين" وفق المصلحة الأمريكية: فالصالح هو من يعادي الشيوعية ويقاتل في صف واشنطن (كما حدث في أفغانستان)، والطالح هو من يعارض سياساتها أو يقف في وجهها.

ومن خلال تحليل تاريخي وسياسي دقيق، يفكك ممداني هذا التصنيف، مؤكدًا أن جذور الإرهاب لا تعود إلى الأصولية الدينية كما تروّج بعض الخطابات الغربية، بل إلى السياسات الأمريكية نفسها خلال الحرب الباردة وما تلاها.

المواطن والرعية.. أفريقيا بين الدولة والاستعمار

في كتابه «المواطن والرعية: أفريقيا المعاصرة وتراث الكولونيالية المتأخرة»، ترجمة صلاح أبو نار، مراجعة وتقديم حلمي شعراوي، يقدم ممداني قراءة تحليلية دقيقة لأزمة الدولة في أفريقيا بعد الاستقلال.

يجمع الكتاب بين التحليل التاريخي والمؤسسي والاجتماعي لتشريح إرث "الدولة الثنائية" التي خلفها الاستعمار، حيث جرى تقسيم السكان إلى "مواطنين" يتمتعون بالحقوق السياسية، و"رعايا" خاضعين لسلطات محلية أو قبلية.

ويرى ممداني أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب تفكيك هذا الإرث وبناء دولة حديثة قائمة على مواطنة شاملة تتجاوز ثنائية "المواطن والرعية"، مع الاعتراف بالتعددية الثقافية دون تحويلها إلى أدوات للتمييز أو الإقصاء.

إرث فكري يتحول إلى فعل سياسي

بهذا الإرث الفكري الغني لمحمود ممداني، يمكن النظر إلى تجربة ابنه زهران بوصفها امتدادًا لفكر نقدي طويل يؤمن بالعدالة والمساواة وإعادة تعريف الهوية خارج قوالبها التقليدية.

فبينما سعى الأب إلى تفكيك الاستعمار الفكري والسياسي في أفريقيا والعالم، بأفكاره وكتبه النظرية القيمة، يحاول الابن اليوم إعادة تعريف العدالة في قلب واحدة من أكبر مدن العالم وأكثرها تأثيرًا، محاولًا تحويل تلك الأفكار النظرية إلى فكر سياسي عملي وواقعي.


صور متعلقة


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك