من أكبر وسيلة تواصل اجتماعي لقطعة أثرية..الراديو: نافذة العالم من داخل المنزل في كتاب جديد - بوابة الشروق
الثلاثاء 11 مارس 2025 12:00 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

من أكبر وسيلة تواصل اجتماعي لقطعة أثرية..الراديو: نافذة العالم من داخل المنزل في كتاب جديد

منى غنيم
نشر في: الجمعة 7 مارس 2025 - 6:59 م | آخر تحديث: الجمعة 7 مارس 2025 - 6:59 م

• كان «بساطا سحريا» ينقل الناس عبر الثقافات فى لمح البصر لكنه ساهم فى غرق تيتانيك

فى صيف عام 1925، انطلقت أصوات عبر الأثير لتصل إلى منازل 20 مليون شخص قادمة من محطة إرسال «بوروه هيل» الشاهقة بارتفاع 500 قدم فى بلدة دافنترى بمقاطعة نورثهامبتونشير بإنجلترا، كان ذلك حدثًا تقنيًا ثوريًا فى زمنه، حيث استُهلَّ البث بعمل شعرى جديد بعنوان «نداء دافنترى» للشاعر ألفريد نويز، الذى اختتم قصيدته قائلا: «بينما تجلسون حول دفء مواقدكم.. تذكروا.. لقد أصبحتم الآن متحدين مع كل من فى الأرض».

لقد أصبح الراديو الآن مجرد قطعة أثرية، مجرد لمحة لطيفة خفيفة على القلب تذكرنا بماض ليس ببعيد، وأصبحت كل الثقافات تنظر له على أنه جهاز عتيق كان يُستعمل للتسلية السمعية وتناقل الأخبار يومًا ما قبل سطوة التكنولوجيا الحديثة.

ولتوضيح كيف كان الحال فى الماضى بالنسبة لذلك الجهاز المؤثر، قررت المؤلفة البريطانية بيتى روبنز الكتابة عن تأثير الراديو فى حياة البريطانيين بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، متناولة التفاصيل الدقيقة والساحرة التى تثير شجن الذكريات لا سيما فى عالمنا المهيمن عليه كاملا بالهواتف الذكية.

وحرصت المؤلفة من خلال صفحات الكتاب الذى يحمل عنوان «استمع جيدًا: كيف غيّر الراديو الحياة المنزلية» على توضيح كيفية اندماج الابتكارات الراديكالية سريعًا فى الحياة اليومية، فقد كانت فكرة الراديو بمثابة «نافذة على العالم من داخل المنزل» جذابة وسهلة التسويق، وقد ظهر ذلك فى غلاف العدد الأول لعيد الميلاد من صحيفة «راديو تايمز» عام 1923، حيث جلست عائلة مأخوذة بسحر جهاز الراديو الصغير، وهى واحدة من العديد من الصور الآسرة التى يزخر بها الكتاب.

وقضت «روبنز» أكثر من 35 عامًا كمنتجة فى هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»، وهى تسعى فى هذا الكتاب إلى استكشاف كيف غيّر الراديو حياة الناس على شتى الأصعدة كالتغير فى العادات المنزلية، والاكتشافات الجديدة فى الأذواق، والتكيفات فى أنماط التفكير.

ولم تكن هناك أدلة كثيرة على هذا التأثير حتى عثرت «روبنز» خلال بحثها على دراسات الباحثتين المجتمعيتين هيلدا جينينجز ووينيفريد جيل، وهما باحثتان رائدتان فى دراسة متطلبات الجمهور، فوجدت أنهما نشرتا بحثًا حول تأثير الراديو على الطبقة العاملة فى مدينة بريستول الإنجليزية عام 1938، لكن هذا البحث سقط فى غياهب النسيان، حيث نُشر فى الأسبوع الذى أعلنت فيه بريطانيا الحرب على ألمانيا.

وفى مكتبة «بودليان» - وهى المكتبة البحثية الرئيسية بجامعة أوكسفورد وثانى أكبر مكتبة فى بريطانيا بعد المكتبة البريطانية وهى أيضًا الجهة الناشرة للكتاب - اكتشفت «روبنز» كتيب البحث ومفكرات «جيل» الأصلية، التى تضمنت شهادات نادرة حول الأثر المبكر للراديو، ومنها قصة رجل كان فى السابق مدمنًا للكحول وعنيفًا مع زوجته، الذى تغير سلوكه وأصبح أكثر وداعة بعد الاستماع المنتظم للراديو.

وهناك أحد البقالين فى مدينة ويلز البريطانية كان مهووسًا بالأخبار، حتى أنه يقول: «لقد أهملت حتى آلة تقطيع لحم الخنزير المقدد لأننى لا أستطيع التوقف عن الاستماع للراديو»، أما إحدى الزوجات فقد عانت من تحكم زوجها الذى كان يضبط الراديو على محطات أجنبية قبل مغادرته للعمل كى لا تتمكن من فهم ما يُقال، ثم يقوم بفصله تمامًا عند سفره لحضور المؤتمرات، ثم تطور الأمر لانفصالهما.

رغم أن اكتشاف «روبنز» لهذه الدراسة كان الدافع الأساسى وراء الكتاب فإنها توسعت فى استعراض تطور الراديو من خلال قصص أخرى تمنح الكتاب عمقه؛ على سبيل المثال، نتعرف على جهاز «إلكتروفون» فى القرن التاسع عشر، الذى كان يتيح سماع العروض الحية عبر خطوط الهاتف، وقد وصفه مرة الكاتب آرثر مى فى مجلة «ستراند» الشهيرة بأنه «هاتف المتعة».

كما تطرق الكتاب إلى الاتصالات اللاسلكية بشكل عام، والتى لعبت دورًا مزدوجًا خلال كارثة السفينة تيتانيك: فقد ساهمت فى إنقاذ بعض الأرواح عبر نداء الاستغاثة SOS، لكنها فى المقابل أعاقت جهود النجاة، إذ أُعطى الركاب الأثرياء الأولوية فى إرسال رسائلهم الخاصة، مما أدى إلى تشويش الإشارات وضياع تحذيرات جبل الجليد المهمة، نقلًا عن صحيفة الجارديان.

وسلط الكتاب أيضًا الضوء على شخصيات بارزة مثل مغنية الأوبرا الأسترالية، نيلى ميلبا، التى قدمت أول بث إذاعى مباشر فى عام 1920، حيث أنها فى البداية، رفضت الدعوة بعجرفة قائلة: «صوتى ليس مجالًا للتجارب!»، لكنها عدلت عن رأيها عندما عُرض عليها 1000 جنيه إسترلينى (ما يعادل 45,000 جنيه اليوم)، وهو مبلغ لا يمكن رفضه مقابل حفل قصير مدته 20 دقيقة.

وتعد واحدة من أكثر لحظات الكتاب تأثيرًا تناوله الكيفية التى أصبح بها الراديو شريان حياة للكثيرين من خلال شهادات حية للمستخدمين فى ذلك العصر؛ فعلى سبيل المثال وصفت إحدى السيدات التغيير الذى أحدثه الراديو قائلة: «لدينا الآن الكثير لنتحدث عنه، هناك العديد من البرامج الشيقة على المذياع».

ومن الشخصيات الملهمة التى تناولها الكتاب، أول مديرة للبرامج الحوارية فى «بى بى سى»، هيلدا ماثيسون ، والتى تبنّت فكرة ثورية آنذاك، وهى: «المذيع لا يجب أن يتحدث إلى المستمعين، بل يجعلهم يشعرون بأنه معهم فى الغرفة نفسها». وقد كانت أيضًا رائدة فى تعزيز دور المرأة، حيث أطلقت نقاشات أسبوعية مع نائبات البرلمان، وأنتجت برنامج «أسئلة لناخبات النساء» فى عام 1928، وكان تأثير ذلك أنه بعد عام واحد فقط ارتفع عدد النائبات فى البرلمان البريطانى من 4 إلى 14.

لكن ربما تكون أقوى شهادة على تأثير الراديو هى رسالة بعث بها أحد الموظفين فى إحدى المدن الإنجليزية إلى شبكة «بى بى سى» عام 1928 واصفًا حياته اليومية بأنها قبل الراديو كانت مملة؛ حيث كان يستقل الترام إلى المكتب ثم يتناول غذاءه فى مقهى أو حانة ما ثم يستقل نفس الترام عائدًا إلى المنزل، ولكن حياته تغيرت بالكامل بعد الاستماع إلى الراديو؛ حيث شعر أنه بوسعه الآن السفر عبر العالم، والتعرف على شتى ثقافات الدول والأفراد من حوله وهو قابع بمنزله لأنه لا يملك نقودًا فعلية للسفر حول العالم، وقد اختتم رسالته قائلًا: «أرجو ألا تظنوا أننى أشتكى، أكتب فقط لأقول لكم كم يعنى الراديو لى ولآلاف من أمثالى؛ إنه حقًا بساط الريح السحرى».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك