في الوقت الذي لم يُخفِ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في التقارب مع روسيا، على عكس الإدارات الأمريكية السابقة، يتكهن بعض الخبراء أن رأب الصدع في العلاقات بين البلدين قد يمتد إلى التعاون في مجال الفضاء الخارجي، لا سيما أن روسيا والولايات المتحدة شريكان وثيقان بالفعل في المحطة الفضائية الدولية، حيث تعاونت وكالتا الفضاء الروسية (روسكوزموس) والأمريكية (ناسا)، في بناء وتشغيل المحطة على مدار أكثر من ثلاثين عاما.
والتقى مدير عام وكالة الفضاء الروسية دميتري باكانوف، والمدير المساعد لعمليات الفضاء في ناسا كين باورسوكس في مركز أبحاث الفضاء الروسي "بايكونور كوزمودروم" في كازاخستان في أبريل الماضي؛ للتباحث بشأن الشراكة في المحطة الفضائية الدولية وما تتضمنه من سفر رواد فضاء أمريكيين على متن مركبات فضاء روسية والعكس، وذلك رغم التوترات الجيوسياسية الحالية بين البلدين.
وأكدت ناسا، بعد الاجتماع، أن الوكالتين نسقتا التغييرات في أطقم رواد الفضاء بالنسبة للرحلات الفضائية المقبلة، وقامتا بتمديد الاتفاقية القائمة بهذا الشأن حتى عام 2027.
وقال متحدث باسم وكالة الفضاء الأمريكية، في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أمريكان" المتخصص في الأبحاث العلمية، إن "ناسا وروسكوزموس وشركاءنا الدوليين الآخرين مازالوا يركزون على استمرار سلامة واحترافية العمليات على متن محطة الفضاء الدولية في المدار المنخفض حول الأرض"، مضيفا أن "التعاون بشأن المحطة لا يزال يمضي بسلاسة على نفس منوال فترة التواجد المشتركة المستمرة منذ قرابة 25 عاما".
وبالرغم من ذلك، فإن هذه الشراكة لها تاريخ صلاحية حيث تخطط ناسا حاليا للتخلي عن محطة الفضاء الدولية وإخراجها من الخدمة بحلول 2031، كما أن حجم التعاون بين روسيا وأمريكا في مجال أبحاث واستكشاف الفضاء تراجع في الوقت الحالي إلى الحد الأدنى، فقد غابت روسيا على سبيل المثال عن الجهود الأمريكية لإرسال رواد فضاء مجددا إلى القمر في إطار برنامج "أرتيميس" الخاص بوكالة ناسا، في حين أن وكالة روسكوزموس تنفذ خطة مستقلة لإطلاق رحلات استكتشافية للقمر سواء روبوتية أو مأهولة.
وفي عام 2021، أعلنت روسيا إبرام شراكة مع الصين لبناء قاعدة قمرية مأهولة، ورغم أن كلا البلدين لم يوضحا طبيعة مثل هذه الخطط ولا تفاصيلها الدقيقة، فإن البيانات التى أدلى بها جينادي كراسنيكوف رئيس أكاديمية العلوم الروسية خلال اجتماع مع أعضاء الأكاديمية في مايو الماضي ربما تشير إلى أن روسيا تحاول تسريع وتيرة برنامجها لاستكشاف القمر، وهو ما سيتكشف خلال سلسلة من البعثات الفضائية.
وقال كراسنيكوف: "بالنسبة لبرنامج استكشاف القمر، فسوف يتضمن سبع بعثات فضائية ذات أغراض علمية مختلفة، وسوف تتركز الأعمال البحثية خلال المرحلة الأولى على الرحلات الآلية، وسوف تتجه بعض هذه البعثات، إن لم يكن كلها، إلى القطبين الشمالي والجنوبي للقمر حيث تم اكتشاف تجمعات ملموسة للجليد"، مضيفا: "كما نستهدف إرسال مركبات استكشاف للقمر لإجراء دراسات والاعداد لاختيار موقع محطة قمرية في المستقبل".
من جانبه، يقول ليف زيليناي كبير الباحثين في معهد أبحاث الفضاء الروسي، إن لديه آمال متواضعة بشأن تعزيز التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في مجال الفضاء.
وأوضح في تصريحات لموقع "ساينتفيك أمريكان": "بالطبع أرى فرصا وآمالاً يمكن أن تتجسد في صورة شيء ملموس رغم أنه من الصعب تحديده، غير أنه بالنسبة للبرنامج الروسي الخاص باستكشاف القمر، فإنه يمضي في طريقه، ولا اعتقد أن هناك آفاقا كبيرة للتعاون (مع الولايات المتحدة) في هذا المجال".
ويرى زيليناي، أن الظروف قد تكون مواتية لشراكة بين البلدين فيما يتعلق بكوكب الزهرة، وهو كوكب لم يحاول الهبوط على سطحه سوى برنامج فضائي روسي يعود إلى عصر الاتحاد السوفيتي، ومازال حتى الآن يعتبر وجهة جذابة لرحلات استكشاف الكواكب في روسيا.
وصرح مدير وكالة الفضاء الروسية باكانوف مؤخرا في تدوينة على موقع تليجرام: "سوف نستكشف الزهرة، فنحن الدولة الوحيدة التي أرسلت مسبارا على سطحه".
ويقول زيليناي: "بالنسبة لي يبدو استئناف التعاون بشأن برامج استكشاف كوكب الزهرة فكرة واعدة، فكل من روسيا والولايات المتحدة يبديان اهتماما كبيرا بهذا الكوكب ولديهما برامج جادة لدراسته، واعتقد أن عقد اجتماع بين العلماء الروس والأمريكيين للتباحث بشأن هذا الأمر سوف يكون مفيدا، ومن الممكن عقد هذا الاجتماع تحت رعاية الأكاديميتين العلميتين في البلدين حيث أن كل منهما لديه مجالس متخصصة في علوم الفضاء".
ورغم هذا التفاؤل الحذر، يرى محللون مستقلون لأنشطة الفضاء الروسية أنه سيكون من الصعب استئناف التعاون على نطاق واسع مع الولايات المتحدة في هذا المجال، وبالنسبة لاستكشاف كوكب الزهرة، تتمثل إحدى العقبات في أن البيت الأبيض أعلن أن لديه أولويات أخرى لوكالة ناسا، حيث اقترح على سبيل المثال إلغاء بعثتين مقررتين للوكالة تتركز على كوكب الزهرة، وإنهاء مشاركة ناسا في مهمة "إنفيجين" الخاصة بوكالة الفضاء الأوروبية لاستكشاف هذا الكوكب.
وعلى نطاق أوسع، لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تمثل حجر العثرة الرئيس، ليس فقط بسبب رد الفعل القوي الذي أبدته الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ضد موسكو بسببها، بل لأن الحرب قد أنهكت موارد روسيا المالية وتسببت في تشتيت جهود الموارد البشرية العاملة في المجالات البحثية والفنية، مما أسهم مؤخرا في استقطاعات مالية وتأخيرات لأسباب فنية طالت برنامج الفضاء الروسي.