قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن إعلان الجيش الإسرائيلي منطقة “المواصي” في خان يونس جنوبي قطاع غزة “منطقة إنسانية” ليس سوى دعاية زائفة تدحضها الهجمات العسكرية المتكررة التي تخالف قواعد القانون الدولي، والواقع الإنساني الكارثي الذي يعيشه مئات آلاف النازحين قسرًا في المنطقة، حيث يفتقرون إلى المأوى الآدمي والغذاء والمياه والخدمات الصحية الأساسية، ويقيمون في ظروف مكتظة وغير آمنة تفتك خصوصًا بالأطفال والنساء وكبار السن.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي، في بيان صحفي، أنّ ادعاء جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس السبت، أنه سيجري توفير خدمات إنسانية أفضل في المنطقة، يكذبه الواقع الفعلي الذي يعيشه النازحون في “المواصي”، والتي تفتقر إلى أي بنية تحتية قادرة على استيعاب أعداد السكان الذين دُفعوا قسرًا للتجمع فيها عبر مئات أوامر التهجير القسري، بعد أن دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي غالبية مباني ومنازل رفح وخان يونس وقام بمحوها من الوجود.
وأشار إلى أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل المواصي “منطقة إنسانية”، إذ سبق أن أعلنت ذلك بالتزامن مع أولى أوامر التهجير في مدينة غزة وشرق خان يونس في أكتوبر 2023، غير أنّها لم تتوقف عن استهداف المنطقة بالقصف من الجو والبر والبحر، عبر ضربات عسكرية تنتهك بوضوح قواعد القانون الدولي.
وأكد أن الطائرات الحربية الإسرائيلية شنّت 109 غارات جوية على المنطقة منذ أكتوبر 2023، أسفرت عن استشهاد مئات المدنيين وإصابة آلاف آخرين، تضاف إليها عمليات الاستهداف اليومي بنيران الآليات العسكرية والطائرات المسيّرة والزوارق الحربية وقذائف المدفعية، مشيرًا إلى أنّه وثّق استهدافًا متكرّرًا متعمدًا للنازحين داخل خيامهم وحرقهم فيها، وكذلك خلال تجمعاتهم للحصول على المساعدات أو المياه.
وشدّد على أنّ تخصيص “المواصي” كمنطقة لتجمع الفلسطينيين المهجّرين قسرًا مثّل وسيلة مباشرة لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية ضدهم، إذ جرى استهدافها بشكل متكرّر ومتعمد، وبسبب اكتظاظها بالسكان تحوّلت إلى ساحة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا باستخدام أسلحة شديدة التدمير والإحراق، وما خلّفه ذلك من معاناة نفسية وجسدية وعقلية بالغة الشدّة، في إطار سياسة ترمي إلى تدمير الفلسطينيين وإهلاكهم.
وأكد أنّ أي منطقة يتم إخلاء المدنيين إليها يجب أن تتوافر فيها الشروط الإنسانية الأساسية، بما في ذلك المأوى المناسب، والغذاء الكافي، والمياه الصالحة للشرب، والرعاية الصحية، والخدمات التي تضمن الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، فضلًا عن ضمان الحماية من الأخطار والاعتداءات، حيث تبقى إسرائيل في جميع الأحوال ملزَمة باحترام قواعد القانون الدولي.
وشدّد على أنّ افتقار المواصي لهذه الشروط حوّلها إلى مجرد منطقة تجميع قسري لا تفي بأي معيار قانوني دولي، بل إلى مصيدة مميتة للمدنيين الذين يُستهدفون داخلها وتُعرَّض حياتهم ومعيشتهم لخطر دائم.
وبيّن أنّ مساحة “المواصي” تُقدَّر بنحو 12 ألف دونم، أي ما يعادل نحو 3% فقط من مساحة قطاع غزة، وهي منطقة كانت في الأصل زراعية وتفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية، وبالتالي فهي غير مهيّأة لاستيعاب ما يقارب مليون نازح جديد، فوق نحو 800 ألف آخرين يقيمون فيها بالفعل في خيام بالية، حيث جاء هذا الاكتظاظ بعد تدمير مدينة رفح وتهجير سكانها، وكذلك تدمير خانيونس وبلداتها الشرقية، ودفع سكانها جميعًا نحو “المواصي”، فضلًا عمّن تبقّى من سكان مدينة غزة وشمالها أو نزح إليها في المراحل الأخيرة.
ولفت إلى أنّه في الوقت الذي تدّعي فيه إسرائيل وجود مستشفيات عاملة في منطقة المواصي، فإن المعطيات المتوفرة تؤكد أنّ هذه المستشفيات نفسها كانت مسرحًا لجرائم إسرائيلية خلال الفترة الماضية، إذ اقتحم الجيش الإسرائيلي مجمّع ناصر الطبي في فبراير 2024 وحوّله إلى ساحة للإعدام الميداني والإخفاء القسري، قبل أن ينفّذ عدة هجمات لاحقة استهدفت المستشفى، كان أحدثها الشهر الماضي عندما أصابه بعدد من قذائف الدبابات ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصًا بينهم خمسة صحفيين وطبيب وعامل في الدفاع المدني.
وأشار إلى أنّ مستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر معطّل وقد تعرّض للقصف والهجمات المتكررة، وكذلك مستشفى غزة الأوروبي الذي تعطلت خدماته وتعرضت أجزاؤه للتدمير، فيما المنطقة التي يقع فيها مصنفة كمنطقة قتال، أما المستشفيات الميدانية فلا تقدّم سوى خدمات محدودة وهي بدورها عرضة للاستهداف، كما حدث مؤخرًا عندما اعتُقل مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة الدكتور “مروان الهمص” في يوليو الماضي خلال هجوم استشهد فيه الصحفي “تامر الزعانين” وأصيب الصحفي “إبراهيم أبو عشيبة” والموظف في وزارة الصحة “بلال برهوم.”