تحل يوم الثلاثاء المقبل الذكرى الرابعة عشرة لرحيل شيخ الحكّائين وأديب المهمشين، الكاتب الكبير خيري شلبي، أحد أبرز روائيي مصر والعالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
ولد في 31 يناير عام 1938، ورحل عن عالمنا في 9 سبتمبر 2011، تاركًا إرثًا أدبيًا ثريًا جعل اسمه حاضرًا في وجدان القراء ومحبي الأدب.
الميلاد والنشأة
وُلد خيري شلبي في قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ. التحق في سن الخامسة بالكتاب، حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة عبد الله النديم عام 1944.
حصل على الشهادة الابتدائية عام 1952، ثم التحق بمعهد المعلمين العام في دمنهور. في هذه الفترة بدأ يكتب الشعر والأغاني المستوحاة من القصص الشعبية، كما ساعدته مكتبة البلدية على توسيع آفاقه وتنمية حصيلته اللغوية. لكنه ترك المعهد قبل إنهاء دراسته، مما أغضب والده فطرده من البيت.
عمل خيري شلبي في طفولته وشبابه في مهن متعددة مثل موظف في أراضي الإصلاح الزراعي، وبائع خردوات، وعامل تراحيل، وقهوجي، وحداد، وخياط، ونجار. تركت هذه التجارب أثرًا عميقًا في وجدانه، وظهرت لاحقًا بوضوح في شخصيات وأحداث أعماله الأدبية.
بدايته مع الكتابة والصحافة
بعد انتقاله إلى القاهرة، التحق بمعهد السيناريو، ثم عمل بمجلة الإذاعة والتليفزيون عام 1967، وهناك بدأ مشواره مع النقد الإذاعي.
قدّم أسلوبًا جديدًا في الصحافة المصرية عبر باب مبتكر بعنوان "فن البورتريه"، رسم فيه بالكلمات ملامح داخلية وخارجية لشخصيات مصرية بارزة من مختلف المجالات الأدبية والفنية والسياسية.
على مدار مسيرته، كتب خيري شلبي أكثر من 250 بورتريه، جمعها لاحقًا في كتاب، وقدّم من خلالها صورة حيّة لتاريخ مصر الثقافي والاجتماعي عبر ثلاثة أجيال؛ من جيل طه حسين إلى جيل الخمسينيات والستينيات.
شغل أيضًا عدة مناصب ثقافية مهمة، منها رئاسة تحرير مجلة "الشعر" لمدة 18 عامًا، ورئاسة سلسلة "مكتبة الدراسات الشعبية" لمدة 15 عامًا، كما ترأس لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعمل أستاذًا زائرًا بمعهد الفنون المسرحية.
أسلوبه الأدبي وتميزه
تميّز خيري شلبي بإنتاج أدبي غزير، حيث أصدر أكثر من سبعين كتابًا ما بين روايات، ومجموعات قصصية، ومسرحيات، ودراسات، وسير ذاتية.
تنوعت كتاباته بين الواقعية الخشنة التي تصوّر المجتمع المصري بصدق، والفانتازيا التاريخية التي مزجت بين الأسطورة والخيال، والواقعية السحرية التي جعلت الجمادات والكائنات تتحدث وتتحرك في عوالمه السردية.
كان خيري شلبي من أوائل الروائيين العرب الذين خاضوا تجربة الواقعية السحرية، حيث نرى في أعماله أن الواقع يرتقي إلى مرتبة الأسطورة، بينما تهبط الأسطورة إلى مستوى الواقع، فيصدق القارئ هذا المزج الفريد ويتفاعل معه. ويظهر ذلك بوضوح في روايات مثل "السنيورة" و"بغلة العرش".
أما في الفانتازيا التاريخية، فقدّم رواية خالدة هي "رحلات الطرشجي الحلوجي"، والتي تُعدّ علامة مميزة في هذا اللون الأدبي على مستوى الرواية العربية.
أعماله وتحويلها للدراما
خلف خيري شلبي تراثًا روائيًا غنيًا، من أبرز أعماله:
"الوتد"، "الأوباش"، "ثلاثية الأمالي"، "صالح هيصة"، "السنيورة"، "وكالة عطية"، وغيرها الكثير.
تحولت بعض أعماله إلى أعمال مرئية في السينما والتليفزيون، وأشهرها مسلسل "الوتد"، الذي أصبح من علامات الدراما المصرية، من بطولة هدى سلطان ويوسف شعبان، وإخراج أحمد النحاس.
كما تحولت روايات أخرى مثل "الشطار"، و"سارق الفرح"، و"الكومي" إلى أفلام ومسلسلات ناجحة، وترجمت العديد من أعماله إلى لغات عدة، منها الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية والإيطالية.
الجوائز والتكريم
حصد خيري شلبي العديد من الجوائز التي توّجت مسيرته الإبداعية، أبرزها:
جائزة الدولة التشجيعية في الآداب.
وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
جائزة أفضل رواية عربية عن وكالة عطية.
الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب للتفوق عام 2002.
جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2003 عن وكالة عطية.
جائزة أفضل كتاب عربي في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2002 عن صهاريج اللؤلؤ.
جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2005.
كما رشحته مؤسسة "إمباسادورز" الكندية لنيل جائزة نوبل للآداب.
الرحيل والإرث الأدبي
في فجر التاسع من سبتمبر عام 2011، غيّب الموت خيري شلبي عن عمر ناهز 73 عامًا، ودفن في مسقط رأسه بقرية شباس عمير.
رحل الجسد، لكن شخصياته التي منحها الحياة ما زالت تعيش بيننا، شاهدة على مسيرته ككاتب كرّس أدبه للتعبير عن المهمشين والبسطاء، فاستحق عن جدارة لقب "أديب المهمشين"، وظل أثره الأدبي حاضرًا في قلوب قرائه، وفي الكتّاب من الأجيال الشابة التي تأثرت به وبكتابته.
جائزة خيري شلبي
وتخليدًا لذكرى الأديب الكبير تم إطلاق جائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول، وهي فكرة أعلنت عنها إيمان خيري شلبي عام 2020.
تستهدف الجائزة تقديم الوجوه الإبداعية الجديدة في عالم الرواية ومساعدة الكتّاب الذين لم تتح لهم فرصة النشر من قبل لنشر عملهم الروائي الأول، وذلك بالتعاون مع دار الشروق التي تقوم بنشر الأعمال.