يسعى كثير من الآباء خلال فترة الدراسة إلى دعم أبنائهم ليكونوا أكثر تركيزًا وثقة داخل الفصل، لكن ما قد يغيب عن البعض أن النجاح الدراسي لا يبدأ من الكتب، بل من المنزل وتحديدًا من تفاصيل الحياة اليومية البسيطة.
ويقدم خبراء الصحة النفسية والتربية والتغذية، خلال تصريحات خاصة لـ"الشروق"، مجموعة من العادات الصغيرة التي يمكنها أن تصنع الفرق الكبير في قدرة الطفل على التعلم والتفاعل بثقة.
* النوم.. الخطوة الأولى نحو التفوق
يؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن النوم الكافي هو حجر الأساس لكل عملية تعلم ناجحة، موضحًا أن قلة النوم تؤثر على الانتباه والذاكرة والمزاج.
ويضيف أن النوم الجيد يعزز إنتاج هرمونات السعادة والتركيز مثل الدوبامين والإندورفين والأوكسيتوسين، مما يساعد الطفل على النمو النفسي والجسدي المتوازن، ويجعله أكثر حيوية وإقبالًا على الحياة.
ويشدد فرويز، على أهمية إبعاد الشاشات قبل النوم بنصف ساعة على الأقل، والالتزام بروتين ثابت يساعد الدماغ على الاسترخاء.
من جانبهم، يشير عدد من المعلمين إلى أن أكثر ما يواجهونه في الفصول هو طلاب متعبون منذ الصباح، وهو ما تؤكده أرقام اختبار NAPLAN الوطني لعام 2024 في أستراليا، حيث لم يحقق ثلث الطلاب المستوى المطلوب في القراءة والكتابة والحساب.
وتوصي الإرشادات الأسترالية بأن ينام الأطفال ما بين 9 و11 ساعة يوميًا، والمراهقون بين 8 و10 ساعات.
* الغذاء والعادات اليومية.. شراكة في النجاح
لا يقل النظام الغذائي أهمية عن النوم في دعم الأداء الدراسي، ويوضح الدكتور حسن عاطف، أخصائي التغذية العلاجية، أن تناول وجبات غنية بالخضروات والفواكه والبروتينات يمنح الأطفال طاقة مستقرة تساعدهم على التركيز.
ويؤكد أن وجبة الإفطار تمثل الوقود الأساسي للعقل بعد ساعات النوم الطويلة، إذ يحتاج المخ إلى مصدر سريع للطاقة ليستعيد نشاطه.
وأوضح أن الدراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يتناولون إفطارًا متوازنًا يتمتعون بقدرات أفضل على التركيز والتحصيل الدراسي، ويحققون نتائج أعلى في مواد الرياضيات والعلوم.
وينصح عاطف، بأن تحتوي الوجبة الصباحية على مزيج من البروتين (كالبيض أو الحليب)، والكربوهيدرات المعقدة (كالخبز الأسمر أو الشوفان)، إلى جانب الفواكه والخضروات الطازجة، مع تجنب الإفطار الغني بالسكريات السريعة كالعصائر الجاهزة والحلويات التي تسبب خمولًا لاحقًا.
* وقت الطعام.. مساحة للحوار وبناء الثقة
ويشجع الدكتور فرويز الأسر على استثمار أوقات الطعام كفرصة للحوار مع الأبناء حول يومهم الدراسي وتحدياتهم، فمجرد الإصغاء للطفل بصدق يمنحه شعورًا بالأمان والثقة، حتى دون الحاجة إلى تقديم حلول مباشرة.
* التكنولوجيا حين تتحول من الترفيه إلى الخطر
كما يحذر المعلمون من الاستخدام غير المنضبط للأجهزة الذكية، حيث يجلب بعض الطلاب إلى المدرسة محتوى غير مناسب أو لغة عنيفة مصدرها الإنترنت.
وفي هذا السياق، تقول داليا الحزاوي، الخبيرة التربوية ومؤسس ائتلاف "أولياء أمور مصر"، إن الإنترنت سلاح ذو حدين؛ فهو وسيلة للتعلم والترفيه، لكنه قد يحمل مخاطر كبيرة إذا غابت الرقابة الأبوية.
وتوضح أن من أبرز هذه المخاطر التنمر الإلكتروني وإدمان الألعاب والترندات السلبية، مشددة على أهمية متابعة الأهل لما يشاهده الأبناء واستخدام برامج الرقابة الأبوية، إلى جانب التوعية المستمرة بمفاهيم الخصوصية الرقمية.
كما تنصح بإبقاء الأجهزة خارج غرف النوم وتشجيع القراءة قبل النوم بدلًا من تصفح الشاشات، مؤكدة ضرورة أن تكون الأسرة قدوة في الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا.
* التوازن سر النجاح
ويجمع الخبراء، على أن التغييرات الصغيرة داخل المنزل تصنع فرقًا كبيرًا في المدرسة، حيث: نوم منتظم، وتغذية صحية، وتواصل إنساني، وحدّ من الشاشات؛ فكل ذلك يهيئ الطفل ليكون أكثر ثقةً، وتركيزًا، وقدرةً على التفاعل والتعلم داخل الفصل الدراسي، ويمنحه انطلاقة نحو حياة أكثر توازنًا وسعادة.