منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ قبل نحو شهر، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المحاصر تحت وطأة أزمة إنسانية متجددة، فقد استبدل الاحتلال الإسرائيلي بآلة الحرب سياسة «التجويع المنهجي»، عبر التحكم في شريان الحياة الوحيد للقطاع - دخول المساعدات الإنسانية - بمزيج من المنع والتلاعب والابتزاز السياسي.
وتصف تقارير أممية ومصادر رسمية فلسطينية هذه السياسة بأنها «إدارة للأزمة لا حل لها»، إذ يواصل الاحتلال التذرع بأسباب أمنية واهية لمنع دخول المساعدات، أو يسمح بتدفقها ببطء شديد وكميات محدودة، ما يبقي الوضع الإنساني في غزة على حافة الكارثة رغم وقف إطلاق النار.
وتشير التقارير الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة والهيئات الإنسانية إلى أن إسرائيل لم تلتزم حتى بالحد الأدنى من بنود البروتوكول الإنساني المرافق لاتفاق وقف إطلاق النار، خصوصا ما يتعلق بتسهيل دخول المواد الغذائية الأساسية والوقود وغاز الطهي والمستلزمات الطبية، حيث إن هذه المواد، التي يفترض أن تشكل القاعدة الأساسية لتخفيف الأزمات المعيشية، ما تزال شحيحة في الأسواق والمرافق الحيوية.
فالعديد من المخابز والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء لا تعمل بكامل طاقتها بسبب نقص الوقود، فيما تتواصل معاناة مئات الآلاف من الأسر في الحصول على مياه الشرب والغذاء اليومي.
بدوره، قال الدكتور إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن إجمالي ما دخل إلى القطاع من مساعدات منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بلغ 4453 شاحنة فقط، من أصل 15600 شاحنة كان يفترض دخولها حتى نهاية الأسبوع الماضي، أي أقل من ثلث الكمية المتفق عليها.
وأوضح في حديثه لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، أن متوسط عدد الشاحنات اليومية لم يتجاوز 171 شاحنة من أصل 600 شاحنة يفترض دخولها يوميا وفق البروتوكول الإنساني، مؤكدا أن الاحتلال «يواصل خنق القطاع وممارسة الضغط الإنساني والسياسي»، بما يشكل انتهاكا واضحا لكل الأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين في مناطق النزاع.
وأشار الثوابتة إلى أن الاحتلال لا يكتفي بتقليص الكمية، بل يتحكم كذلك في نوعية المساعدات المسموح بدخولها. فبينما يمنع أصنافا أساسية يحتاجها السوق الفلسطيني والمستشفيات والأسر، يغرق القطاع ببضائع ثانوية وكماليات لا قيمة غذائية لها، في محاولة لتسويق صورة زائفة عن تحسن الأوضاع.
وأكد أن الاحتلال يمنع إدخال أكثر من 350 صنفا غذائيا أساسيا، من بينها البيض واللحوم بأنواعها والأسماك والأجبان ومشتقات الألبان والخضراوات الطازجة والمكملات الغذائية، وهي مواد حيوية للأطفال والمرضى والنساء الحوامل، فيما يسمح بدخول سلع غير ضرورية، بأسعار تضاعف قيمتها أكثر من 15 مرة نتيجة التحكم في سلاسل الإمداد والرسوم المفروضة على دخولها.
ويصف الثوابتة ذلك بأنه «هندسة للتجويع تهدف إلى التحكم في الأمن الغذائي لسكان غزة وإبقائهم تحت رحمة الاحتلال»، مضيفًا: «ضمن السياسة ذاتها، يتحكم الاحتلال في دخول الوقود وغاز الطهي، ما أدى إلى استمرار أزمة المخابز والمستشفيات والمولدات الكهربائية».
ونوه أن الاحتلال سمح بدخول 31 شاحنة فقط من غاز الطهي و84 شاحنة سولار لتشغيل المخابز والقطاعات الحيوية، وهي كميات لا تكفي لسد الحد الأدنى من احتياجات السكان اليومية.
وأكد أن القطاع يحتاج بصورة عاجلة إلى 600 شاحنة يوميا تشمل الغذاء والدواء والوقود ومستلزمات القطاع الصحي، حتى يتمكن من الحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الحياة، محذرا من أن استمرار سياسة التقييد سيؤدي إلى انهيار شامل في الخدمات الأساسية.
من جهته، قال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، في حديث مماثل لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، إن ما يدخل فعليا من المساعدات لا يتعدى ثلث الكمية المتفق عليها، مشيرا إلى أن الأوضاع المعيشية ما تزال متدهورة للغاية رغم مضي أسابيع على وقف العدوان.
وأوضح أن الاحتلال لم يسمح بدخول أي معدات لإصلاح الآبار أو إعادة تشغيل محطات ضخ المياه، ما جعل أزمة المياه تتفاقم يوما بعد يوم، كما سمح بدخول 20 ألف خيمة فقط من أصل 300 ألف خيمة يحتاجها القطاع لإيواء النازحين الذين فقدوا منازلهم.
وأضاف أن قطاع غزة بحاجة ماسة كذلك إلى ملابس وبطانيات استعدادا لفصل الشتاء، في ظل تآكل الخيام القديمة وتردي أوضاع مراكز الإيواء، محذرا من «شتاء كارثي جديد» يهدد حياة مئات آلاف المشردين.