الواعر: التمويل الرسمي لقطاع المياه يشهد انخفاضًا ملحوظا
قال الدكتور عبدالحكيم الواعر، مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" والممثل الإقليمي للمنظمة في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، إن أبرز التحديات التي تعوق التقدم في تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة هو الفجوة التمويلية، المقدرة بأكثر من تريليون دولار سنويًا، في وقت يشهد فيه التمويل الرسمي لقطاع المياه انخفاضًا ملحوظا، وتظل النماذج التمويلية المحدودة والحوكمة الضعيفة والاستثمارات المجزأة عقبة رئيسية أمام التقدم.
وأضاف الواعر، خلال افتتاح أسبوع القاهرة للمياه 2025، اليوم الأحد، أنه مع ذلك، فإن الصورة ليست قاتمة بالكامل، فوفقًا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في 2024 حول حالة منتصف المدة لمؤشرات الهدف السادس، ارتفعت كفاءة استخدام المياه عالميًا بحوالي 20% بين عامي 2015 و2021 ، ولكن مازال حوالي 58% من الدول تُظهر مستويات منخفضة من كفاءة الاستخدام، خصوصًا في الدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الزراعة.
ورغم إحراز تقدم ملحوظ في تحسين الكفاءة، ما زالت ممارسات الاستخدام غير الكفء للمياه منتشرة، ولم تتمكن أي منطقة حتى الآن من الفصل بين النمو الاقتصادي واستهلاك المياه.
ومع ذلك، فإن التقدم في كفاءة استخدام المياه لا يخفف الضغط المتزايد على الموارد المائية في العديد من المناطق، حيث يعيش حوالي 10% من سكان العالم في مناطق تعاني من إجهاد مائي مرتفع أو حرج.
ومنذ عام 2015، ارتفع الإجهاد المائي العالمي بنسبة 2.7%، ليصل إلى 18.6% في عام 2021، ولكن توجد اختلافات إقليمية كبيرة، إذ يبلغ الإجهاد المائي في غرب آسيا 63%، وفي آسيا الوسطى 70%، وفي جنوب آسيا 83%، أما في شمال إفريقيا، فقد وصل الإجهاد المائي إلى مستويات حرجة "حوالي 120%"، وهو الأعلى بين جميع مناطق العالم مدفوعًا بالنمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك وتأثيرات تغير المناخ. وتُصنّف 14 دولة عربية ضمن أعلى 20 دولة في العالم من حيث الإجهاد المائي، ما يجعل المنطقة في قلب أزمة ندرة المياه، حيث لجأت العديد من الدول إلى التحلية وإعادة استخدام المياه المعالجة واستيراد الغذاء لتلبية الطلب المتزايد.
وتقع الزراعة في قلب هذا التحدي، إذ تستحوذ على نحو 80% من إجمالي المياه العذبة في المنطقة، مما يجعلها في الوقت نفسه أحد أكبر مسببات الإجهاد المائي وأبرز المتضررين منه. ومع تفاقم الإجهاد المائي، تتزايد تأثيراته على الزراعة مهددةً الأمن الغذائي في المنطقة.
ولكن ندرة المياه ليست السبب الوحيد؛ فالنزاعات تسهم بدورها في تفاقم الأوضاع وتعميق أزمات الأمن الغذائي. فوفقًا للتقرير العالمي حول الأزمات الغذائية لعام 2025، واجه ما يقرب من 295 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 53 بلدًا من البلدان التي تعاني أزمات غذائية. ففي غزة، يواجه كل سكان القطاع مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وتجاوزت النسبة 50% في السودان واليمن.
كما تشير التقديرات إلى أن نحو مليوني شخص في خمس دول واجهوا أو يُتوقع أن يواجهوا مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي في عام 2024، أكثر من نصفهم "حوالي 1.1 مليون شخص" في غزة وحدها، حيث أصبحت الأزمة الغذائية في غزة الأكثر حدة على الأطلاق.
وفي ظل هذا الواقع المعقّد، تبقى رؤية الفاو أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى: ضمان حصول الجميع على غذاء آمن ومغذٍ، مع الحفاظ على النظم البيئية. ولإعادة الهدف السادس إلى مساره الصحيح، هناك حاجة لتوفير الاحتياجات الرئيسية لتسريع التقدم تشمل التمويل، والبيانات، وبناء القدرات، والابتكار، والحوكمة. علينا أن نعيد تصميم آليات تمويل قطاع المياه لجذب الاستثمارات المستدامة وتعظيم كفاءة استخدام الموارد المتاحة، وتعزيز نظم البيانات والرصد مع الاستثمار في بناء قدرات الأفراد والمؤسسات لضمان استدامة التقدم. وفي الوقت ذاته، يجب تبنّي الابتكار في الحلول والتقنيات، وتعزيز الحوكمة بما يضمن الاتساق والمساءلة والتعاون عبر القطاعات.
وفي الختام، فإن مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجها المنطقة تتطلب أكثر من حلول تقنية، فهي تحتاج إلى شراكات قوية، ومسئولية جماعية، وتنسيق فعّال. فلا توجد جهة واحدة تمتلك الحلول أو الموارد الكافية لمعالجة الترابط العميق بين قضايا المياه والأمن الغذائي، ولكن معًا، من خلال التعاون والتكامل والالتزام المشترك، يمكننا أن نحول تحدي ندرة المياه إلى فرصة لتعزيز الصمود وتحقيق التنمية المستدامة في منطقتنا.