تحل يوم 15 مايو الذكرى السنوية للنكبة، بعد أن جثم الكيان الإسرائيلي المحتل على الأرض الفلسطينية، مشردًا ملايين الفلسطينيين ليتم ارتكاب أبشع الجرائم في عهد الاحتلال من مجازر بحق المدنيين وتدمير البيوت، ونهب الأراضي، ولكن في وجه تلك القوة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي صمد مقاومون فلسطينيون لم تغادر أصابعهم زناد البندقية، مطالبين طوال 95 عامًا من الكفاح باستعادة مقدساتهم وأراضيهم، والتخلص من الاحتلال الإسرائيلي؛ ليسطر المناضلون الفلسطينيون بأبسط الإمكانيات أمجاد المقاومة منذ عهد عصبة القسام، وحتى معركة طوفان الأقصى.
وتسرد جريدة "الشروق"، أهم محطات المقاومة الفلسطينية السلمية والعسكرية عبر سنوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ إنشاء عصبة القسام وحتى انطلاق عملية طوفان الأقصى، حيث وردت معلومات عن الأحداث المذكورة في كتب شيخ المجاهدين بفلسطين، القضية الفلسطينية في سيرة بطل، منظمة التحرير الفلسطينية السياسة والتاريخ.
*ثورة البراق يوم فداء المسجد الأقصى
توافدت موجات هجرة المستوطنين عقب إعلان الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية، ولم تتعرض تلك الهجرات للمواجهة في بدايتها حتى منتصف أغسطس 1929، حين هتف المستوطنون المهاجرون مدعين أن حائط البراق من حقهم لتقع انتفاضة عربية شاملة في وجه العدوان على المسجد الأقصى.
فيما أشعل أهل القدس والخليل نيران الثورة، مهاجمين مستوطنات الإسرائيليين ليطردوا المئات منهم بعيدًا عن المقدسات الإسلامية، لكن الشرطة البريطانية تعاونت مع المستوطنين في هجوم مضاد على فلسطين راح ضحيته 116 شهيدًا، فيما أوقع العرب 132 قتيلًا من المستوطنين قبل أن تسيطر القوات البريطانية على الوضع.
*عز الدين القسام وبندقية المقاومة الأولى
بعيدا عن نيران ثورة البراق كان عملا منظما لتحرير الأرض يجري في مدينة حيفا على يد خطيب الجمعة سوري الأصل عز الدين القسام، الذي بدأ قبل نحو عامين من ثورة البراق بالتجهيز للمقاومة المسلحة، مستعينا بعدد قليل من العمال والمزارعين الذين دربهم على السلاح وإعداد الخلايا المقاومة في مسيرة 7 سنوات من التحضير انتهت بإعلان الحراك المسلح عام 1935، حينها خرج عز الدين القسام لجبال نابلس، ولكن القوات البريطانية وعدد من الشرطة العربية المتعاونين لاحقوا المجموعة المقاومة لتقع معركة أسفرت عن استشهاد عز الدين القسام مقابل مقتل 15 من القوات البريطانية، لكن تأثير العمل الفدائي للقسام انتشر وفتح الباب أمام نشأة حركات مقاومة جديدة.
*الثورة الكبرى وصحوة الشعب الفلسطيني
استشهد عز الدين القسام وقُبض على قيادات جماعته ولكن ثمار العمل النضالي قطفها الفلسطينيون بعد عام في الثورة العربية الكبرى عام 1936، والتي بدأت سلمية بسواعد الفلسطينيين المثقفين من أهل المدن الذين تأثروا باستقلال الدول العربية المحيطة؛ ليتم تشكيل اللجنة القومية في فلسطين، والتي دعت للإضراب العام الذي بدأ أبريل من نفس السنة.
فيما لم يلبث أن تطور بعد شهر لعصيان مدني استمر نصف عام كبد الحكومة البريطانية خسائر 3 مليارات جنيه إسترليني، ولم تقتصر الثورة على المظاهرات والإضرابات، حيث خرج نحو ألف مقاتل في مقدمتهم جماعة عز الدين القسام، ومتطوعون عرب بقيادة فوزي القوتجي الذين قاموا بمجموع 4 آلاف عملية عسكرية أسفرت عن قتل أكثر من 100 مستوطن وجنود بريطانيين وفق الإحصائيات البريطانية، ولم تخمد الثورة إلا في أكتوبر بعد وعود من 4 دول عربية بحل مشكلة هجرة المستوطنين، ونهبهم للأراضي الفلسطينية بشكل سياسي.
الجهود العربية فشلت آنذاك عن إيقاف تدفق الهجرة اليهودية لتتجدد الثورة سبتمبر 1937، لكن بطبع مسلح شهد توسع حركات المقاومة مع صعود حركة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني ليسيطر المقاومون على شمال ووسط فلسطين، وأغلب مدينتي القدس والخليل، وليقتلوا على الأقل 250 من المستوطنين، وليصعد خلال تلك المرحلة من الثورة رمز الكوفية الذي تميز به المقاومون المسلحون وارتداه أغلب الفلسطينيون للتشويش على القوات البريطانية الملاحقة للثوار.
*جيش الجهاد المقدس درع القدس بوجه الاحتلال
تترابط سلسلة النضال الفلسطيني ببعضها عبر الثورات والانتفاضات فكما أثمرت جماعة القسام بعد سنة من استشهاد قائدها فإن حركة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني التي نشأت بالثورة الكبرى أثمرت مجددًا في المعركة الأخيرة لمواجهة تقسيم فلسطين، حيث عاد الحسيني من فلسطين عام 1947؛ لإدراك الأراضي الفلسطينية بعد قرار التقسيم؛ ليشن جيش الجهاد عدة معارك بين القدس والخليل أسفرت عن طرد جماعات من المستوطنين، فيما نجح الجيش بصد هجمات العصابات الصهيونية عن العديد من القرى الفلسطينية، وتنفيذ هجمات انتقامية على المستوطنات، ولكن جهود جيش الجهاد لم تلبث أن تراجعت بعد استشهاد الحسيني في معركة القسطل بعد مواجهة عنيفة مع العصابات الصهيونية.
*منظمة التحرير تستأنف شعلة المقاومة
كما تراجع الدور الفلسطيني في مقاومة الاحتلال عقب نكبة 1948 لتنتقل دفة الصراع للجيوش العربية التي خاضت حربي 1967 و1973 ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وخلال تلك الفترة تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تشمل جميع فصائل المقاومة.
وفي مطلع سبعينيات القرن الماضي وانتشار مقاتلي الحركة في الجنوب اللبناني بدأت مرحلة جديدة من المقاومة اشتهرت بالانزالات البحرية، حيث تسلل المقاومون في عدة عمليات أشهرها عملية فندق سافوي، وعملية دلال المغربي وعملية القدس البحرية، إذ تكبدت دولة الاحتلال مئات القتلي، وتدهور الوضع الأمني بسبب تلك العمليات والتي تجاوزت الهجمات البحرية؛ لتشمل اختطاف الطائرات ومهاجمة الإسرائيليين المتواجدين في دول أوروبا، ولكن تلك العمليات تراجعت عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وترحيل رجال المقاومة الفلسطينية من لبنان.
*انتفاضة الحجارة وبداية المكاسب الحقيقية للفلسطينيين
انطوت صفحة من صفحات المقاومة بعد ترحيل مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وتوقف عملياتهم العسكرية، ولكن في عام 1987، اشتعل حدث آخر من تاريخ المقاومة بدأ بمجزرة ارتكبها مستوطن دهس عددًا من العمال في قطاع غزة أثار غضب الفلسطينيين؛ لتندلع شرارة ثورة الحجارة من قطاع غزة بشكل عفوي من مظاهرات تستخدم الحجارة، وحرق إطارات السيارات لإزعاج جنود الاحتلال الإسرائيلي.
كما توسعت دائرة الانتفاضة حتى مدن الضفة، وفي عام 1988 تطورت الانتفاضة لحركة عصيان مدني كبد دولة الاحتلال خسائر باهظة، وكان من أهم ثمار الانتفاضة رغم طابعها السلمي ولادة حركة حماس التي بدأت كجهاز أمني لملاحقة الجواسيس تطورت لحركة مقاومة استلمت دفة المقاومة بعد رحيل مقاتلي منظمة التحرير، وكان من أهم مكاسب الانتفاضة عقد مؤتمر أوسلو وتقرير انسحاب قوات الاحتلال من مدن الضفة وقطاع غزة، ومنح حق الحكم الذاتي لمناطق الضفة والقطاع.
*انتفاضة الأقصى وعودة البندقية للصدارة
ارتكبت دولة الاحتلال حين قام رئيس وزرائها إرييل شارون، بتدنيس المسجد الأقصى خطأ كانت نتيجته اشتعال انتفاضة فلسطينية جديدة، ولم تكن ذات طابع سلمي في هذه المرة بعد تنامي قوة حركة حماس، واتساع نفوذها لتبدأ سلسلة من العمليات الاستشهادية التي ضربت أمن المستوطنات.
كما بدأت حركة حماس ومعها حركة الجهاد بتطوير الأسلحة لتشهد الساحة ظهورًا لصواريخ القسام، وقيام حركات المقاومة بقصف المستوطنات بمدافع بدائية لتسفر تلك الهجمات عن الانسحاب التام من قطاع غزة، وامتلاك حركة حماس السيطرة على القطاع وتحويله لقاعدة للهجمات على دولة الاحتلال.
*غزة صخرة حطمت أحلام الاحتلال
تحول قطاع غزة لقاعدة لحركات المقاومة المختلفة، ولم تمضِ سنة علي الانسحاب الإسرائيلي حتى بدأت المواجهات العسكرية المباشرة إثر أسر حركات المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط؛ ما تسبب بحرب بين القطاع وجيش الاحتلال عام 2006، ثم حرب أوسع في 2008، انتهت بانسحاب إسرائيلي لتتطور قدرات حركات المقاومة، حتى استطاعت عام 2012 استهداف تل أبيب ومناطق في العمق المحتل بصواريخ بعيدة المدى ثم مواجهة جيش الاحتلال بحرب مباشرة عام 2014، تكبد خلالها جيش الاحتلال أكثر من 70 قتيلًا بعمليات نوعية للمقاومة الفلسطينية.
*انتفاضة السكاكين وصحوة الضفة الغربية
كانت أعمال المقاومة المسلحة مركزة في قطاع غزة حتي عام 2015، حين أدت اعتداءات المستوطنين المتواصلة في الضفة الغربية لاشتعال انتفاضة السكاكين مع انتشار عمليات الطعن لتتطور العمليات العفوية من شباب فلسطينيين لحركات منظمة تمتلك الأسلحة؛ لتنشأ مجموعات مقاتلة مثل كتيبة طول كرم، وكتيبة نور شمس، وعرين الأسود، وغيرها من المجموعات التي شنت عمليات عسكرية نوعية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه لمنع التوغل الإسرائيلي على أراضي الضفة ولإحباط المشاريع الاستيطانية لتتحول المخيمات لمعاقل تنطلق منها الهجمات العسكرية.
*طوفان الأقصي يجرف دولة الاحتلال
وكان تاريخ النضال الفلسطيني على موعد مع حدث فارق يوم 7 أكتوبر 2023، حين كبدت حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة دولة الاحتلال خسائر غير مسبوقة بين قتلى وأسرى، وتدمير مستوطنات وخسائر اقتصادية، ولتصمد حركات المقاومة لعامين ونصف أحبطت خلالها المحاولات الإسرائيلية في السيطرة الكاملة على قطاع غزة ليركز جيش الاحتلال جهوده في قتل المدنيين بشكل انتقامي تسبب في استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 100 ألف.