رواية بيت من زخرف لإبراهيم فرغلي عن سيرة ابن رشد.. تجريب في بنية الرواية التاريخية - بوابة الشروق
السبت 23 أغسطس 2025 5:05 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

رواية بيت من زخرف لإبراهيم فرغلي عن سيرة ابن رشد.. تجريب في بنية الرواية التاريخية

محمود عماد
نشر في: الجمعة 15 أغسطس 2025 - 7:10 م | آخر تحديث: الجمعة 15 أغسطس 2025 - 7:10 م

الرواية التاريخية هى سردية إبداعية للتاريخ من منظور الكاتب الذى يمارس دور المؤرخ بشكل ما، لكننا يمكننا التأكيد أن الكاتب إذا تخلى عن دوره كأديب لصالح التأريخ لن تكون الرواية إلا أحد كتب التاريخ الموجودة سلفا، ولن يستطيع مواكبة المؤرخين.

لهذا يركز كل كاتب كيف يمكنه صنع سردية جديدة للتاريخ بأسلوبه الأدبى؛ ليمزج بين التاريخ والكتابة الإبداعية، فى محاولة لصنع عمل روائى يستمد فكرته من التاريخ، لا ينقله، بل يعيد كتابته بعين الكاتب، وبطريقته.

وهذا ما يفعله بالضبط الكاتب والروائى إبراهيم فرغلى فى روايته «بيت من زخرف.. عشيقة ابن رشد»، الصادرة عن دار الشروق، ووصلت للقائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية العربية.

يتناول فرغلى فى روايته سيرة أحد أشهر الفلاسفة فى التاريخ، ليس فقط الفلسفة الإسلامية، بل لن نكون مبالغين إن قلنا إنه أحد أشهر وأهم الفلاسفة فى التاريخ كله، هو الفيلسوف الأندلسى ابن رشد.

ابن رشد رغم شهرته وتأثيره الفلسفى الكبير، لكننا يمكننا القول إن تناوله شحيح بعض الشىء خاصة تناول سيرته، وفى عصرنا الحالى تناول أفكاره أيضا، يروى مشهد حرق كتبه وأفكاره دون معرفة ماذا قدم هذا الفيلسوف للمسلمين والبشرية، باستثناء بعض المحاولات لسرد ابن رشد سواء تأريخيا أو فنيا.

هنا يحيد إبراهيم فرغلى عن فكرة التأريخ الصرف، بل يصنع رواية وسيرة جديدة متخيلة من صلب حكاية ابن رشد، وأول ما يؤكد ذلك هو العنوان اللافت للنظر.. العتبة الأولى للنص لا تقحم ابن رشد فى الرواية إلا بعنوان فرعى لا يخصه نفسه، بل يخص امرأة هى عشيقته، وهو أيضا عنوان إنسانى قبل أن يكون تاريخيا أو فلسفيا.

يؤسس فرغلى لنصه بفصل افتتاحى شديد الشاعرية مقرونا بقبلة العهد المصحوبة بالدماء بين اثنين، هما سعد الدين إسكندر، وماريا إيلينا، فى زمن حديث معاصر، لغته كأنها قصيدة نثرية.

الرواية مقسمة إلى ستة كتب أو أقسام يصنع منهم فرغلى روايات داخل روايته، فى البداية نظنها تلك الرواية التى تريد ماريا إيلينا من سعد الدين أن يكتبها تنفيذا لوصية مانويلا.

سعد الدين هو أستاذ جامعى مصرى يدرس الفلسفة، يدرس ويقيم فى إسبانيا، وماريا إيلينا هى إحدى تلميذاته التى نعرف أنها كانت تعمل عند سيدة برتغالية تدعى مانويلا مغرمة بالفلسفة وابن رشد، وحاولت أن تكتب عنه رواية، ولكن الوقت لم يسعفها فتوصى بتلك المهمة إلى ماريا، وماريا تستعين بسعد أو إسكندر كما تناديه.

نحن هنا فى رواية ستكتب داخل رواية، أى أننا بشكل ما فى نص روائى يعى أنه نص إبداعي، وهى بنية مغايرة للغاية لهيكل الرواية التاريخية التقليدى القائم على الحكى وفقط.

الجزء الخاص بزمن ابن رشد شديد التميز حيث يكتب إسكندر معتمدا على أوراق مانويلا التى استخرجها من المقابر فى رمزية جميلة تم ربطها بتماثيل منحوتة دفنت هى الأخرى بسبب الحرب فى سوريا، وكأن الفن يستطيع التفوق على الموت.

تسرد حكاية ابن رشد ــ فى ثلاثة خطوط سردية حيث نراه فى شبابه ــ المعنونة بـ«المشاء» تيمنا بأنه كان كثير المشى ليتأمل ويفكر، ونرى كيف كان يحب، وماذا كان يدرس فى شبابه الأول.

نرى خطا آخر، وهو عندما كان قاضى القضاة والإمام الأكبر، ونراه يتحدث عن أفكاره الفلسفية، فى محاولة لإلقاء الضوء على الأفكار الرشدية، وهى مكتوبة بلغة تراثية أقرب لعصرها، ويتناول أيضا ذلك الخط كتاب «تهافت التهافت» الذى كتبه ابن رشد ردا على كتاب «تهافت الفلاسفة» للغزالى، والذى سيكون من أسباب محنة ابن رشد.

والخط الثالث هو زمن المحنة ونفى ابن رشد، وهو الخط التى تظهر فيه لبنى القرطبية المذكورة فى عنوان الرواية «عشيقة ابن رشد»، وهى إحدى تلميذات ابن رشد، وقد اقتربت منه فى زمن المحنة وتركت قرطبة من أجله واستقرت فى بيته كمساعدة له، ثم عشيقة.

والخط الثالث لسرد الأحداث يتنوع فى طريقة سرده حتى نشعر بأنه روايات داخل بعضها البعض حيث نرى سردا متكلم، وعليما، وسردا روائيا، وسردا أشبه بالمذكرات.

لأن ذلك الخط هو الذى اعتمدت عليها مانويلا فى محاولة كتابة روايتها عن ابن رشد، وهى مخطوطة نادرة لسيدة يهودية كانت صديقة للبنى وأعطتها لبنى ما كتبت كأمانة عندها، وهى ترجمته بالعبرية حتى تحفظه.

الخط السردى المعاصر عن سعد الدين إسكندر يحيلنا بطريقة ما إلى محنة نصر حامد أبو زيد، المهداة له الرواية، ومحنة التفريق بينه وبين زوجته ثم منفاه الاختيارى، وهنا يمثل شخصية نصر شخصية سعد الدين.

وهى محاولة للربط بين محنة أبو زيد وابن رشد، والتأكيد على أن التطرف منذ قرون يستطيع قلب الأمور، وأن محاكم التفتيش المقامة باسم الدين كثيرة ومستمرة على مدى عصور.

إن أهم ما يميز رواية «بيت من زخرف» هو اللغة التى تنوعت وطوعها الكاتب ليستخدمها فى مواضع كثيرة، حيث نرى اللغة الشاعرية، اللغة التراثية، لغة العصر، ولغة فلسفية فى تنوع كبير، كما أن مسحة الفانتازيا التى ظهرت فى بعض الفصول أعطت الرواية طابعا مغايرا عن الروايات التاريخية.

كما أن التنقل بين الأزمنة كان مميزا، وعدم تهميش الزمن المعاصر لعب دورا قويا فى بنية الرواية ليجعلها سردية جديدة لسيرة ابن رشد، وليست نقلا لسردية موجودة بالفعل.

لقد قدم فرغلى سيرة ابن رشد وناقش فلسفته، وتحدث فى قضايا كبيرة مثل الهوية، التاريخ، الدين، التطرف، وغيرها دون تعقيدات كبيرة، ومن أهم ما تناوله هو هوية الأندلس، وهوية ابن رشد هل هو فيلسوف إسلامى، أو إسبانى.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك