من مدافع آية الله إلى صواريخ طهران.. كيف وصلت إيران إلى هنا؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 18 يونيو 2025 1:26 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

من مدافع آية الله إلى صواريخ طهران.. كيف وصلت إيران إلى هنا؟

محمود عماد
نشر في: الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 4:02 م | آخر تحديث: الثلاثاء 17 يونيو 2025 - 4:02 م

في الأيام الماضية تصاعد التوتر في الشرق الأوسط إلى مستوى جديد ربما لم نشهد مثله من قبل، مع تبادل الضربات الجوية بين إسرائيل وإيران، وتوجيه رسائل مفتوحة ومشفرة بأن الحرب المباشرة لم تعد احتمالا بعيدا.

صواريخ تسقط هنا، ومسيرات تفجر هناك، والحديث عن خطوط حمراء أصبح بلا معنى تقريبا، بعدما صار كل شيء عرضة للقصف: قواعد عسكرية، منشآت نووية، وحتى المدن الكبرى من طهران إلى تل أبيب.

وسط التوتر الحالي يتجدد سؤال قديم: من أين استمدت إيران قدرتها على تهديد إسرائيل عسكريًا؟ الجواب يبدأ من لحظة انقلاب الثورة الإسلامية في 1979، حين تبدلت طبيعة الدولة من شريك غربي إلى خصم إقليمي مزعج، وبدأت دورة نفوذ وصراع لم تهدأ منذ ذلك الحين.

في كتابه «مدافع آية الله»، يقدم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رواية مفصلة لبدايات هذا التحول: كيف صعد روح الله الخميني من مدينة «قم» ليطيح بعرش الشاه، وكيف تحوّلت الثورة من شعار إلى نظام، وكيف زرعت بذور المواجهة الدائمة مع واشنطن وتل أبيب.

وبين صفحات الكتاب، الذي كُتب في قلب الأحداث، نجد جذور المشهد الذي نشاهده اليوم: إيران التي لم تتراجع رغم العقوبات والحصار، بل نجحت في بناء شبكات نفوذ مسلحة وحلفاء في أكثر من جبهة، لتصبح لاعبا إقليميا كبيرا في المنطقة.

قراءة «مدافع آية الله» اليوم ليست مجرد استعادة لتاريخ مضى، بل محاولة لفهم حاضر شديد التقلب، حيث تلتقي صواريخ «اليوم» بدوي مدافع الأمس، ويظل السؤال الأصعب: إلى أين يمكن أن تقود هذه المواجهة المفتوحة بين قوتين تتحدثان بلغة النار؟

- بين «جزيرة الاستقرار» و«ولاية الفقيه»

حتى أواخر السبعينيات، كانت إيران توصف في الخطاب الأمريكي بأنها «جزيرة هادئة وسط محيط من القلاقل». كان الشاه محمد رضا بهلوي حليفا موثوقا لواشنطن، وشرطة تحمي مصالح الغرب في الخليج الغني بالنفط.

لكن تحت هذا السطح، كان الغضب يتراكم في المساجد والشوارع الفقيرة ومدن الريف، يغذيه قمع سياسي وحياة بذخية للقصر الملكي.

حين انفجرت الثورة، لم تكن مجرد احتجاجات ضد فساد الشاه، بل مشروعا دينيا يقوده رجل دين صارم خرج من ظلال مدينة «قم»: آية الله الخميني.

ومع انتصار الثورة تحولت إيران من مملكة إلى جمهورية إسلامية تحكمها نظرية «ولاية الفقيه»، التي تمنح رجل الدين الأعلى سلطة تتجاوز الرئيس والحكومة.

«هيكل: توثيق اللحظة الفاصلة»

في كتابه «مدافع آية الله»، الذي صدر بالإنجليزية أولًا بعنوان «عودة آية الله»، ثم بالعربية عن دار الشروق، وضع هيكل يده على اللحظة التي قلبت موازين الشرق الأوسط.

اعتمد هيكل على أرشيفه الضخم، وحواراته النادرة مع كبار اللاعبين، بل التقى الخميني نفسه في منفاه بباريس قبل أسابيع من عودته المنتصرة إلى طهران.

«السفارة الأمريكية: الشرارة التي أحرجت واشنطن»

يفتتح هيكل كتابه بفصل مثير عنوانه «في السفارة الأمريكية»، يوثق فيه اقتحام طلاب الثورة للسفارة واحتجاز عشرات الموظفين رهائن.

لم يكن المشهد مجرد حادثة رهائن، بل إعلانا رمزيا بأن زمن «التبعية» قد ولى إلى غير رجعة، منذ تلك اللحظة بدأت أمريكا تدرك أن حليف الأمس صار خصمًا أيديولوجيًا مسلحًا بعقيدة الثورة.

«تاريخ طويل من التدخلات»

قبل الثورة بسنوات، كان الصراع على إيران بين روسيا وبريطانيا ثم أمريكا، في كتابه يفرد هيكل فصولا مهمة: «الدب والأسد» يحكي فيه كيف تقاسمت موسكو ولندن النفوذ، و«النسر يحوم» و«هجوم النسر» يوثقان تغلغل واشنطن التي أطاحت بحكومة محمد مصدق الوطنية عبر «عملية آجاكس» عام 1953، لتعيد الشاه إلى عرشه مطيعًا.

كانت نتيجة ذلك أن النفوذ الأجنبي ظل متغلغلا في كل تفصيلة من حياة الإيرانيين حتى صار إسقاطه حلمًا دينيا وقوميًا معًا.

«قم المحاصرة.. وطهران المفتوحة»

في فصلي «الثورة تنسحب إلى قم» و«مدينة قم المحاصرة»، يتتبع هيكل كيف تراجعت المعارضة الدينية إلى معقلها المقدس لإعادة تنظيم الصفوف.

من هناك بزغ نجم الخميني بفتاواه وخطبه المسجلة التي عبرت الحدود خلسة حتى وصلت إلى ملايين الإيرانيين.

في تلك الفترة كان الشاه في أوج قوته يحلم بأن يكون «شرطي الخليج» بدعم أمريكي بلا حدود، غير مدرك أن الدين سيكون سلاحا يصعب كسره بالدبابات.

«الخميني: قائد الثورة دون خطة دولة»

الحوار الذي سجله هيكل مع الخميني في باريس يبقى من أثمن ما تركه الكتاب. يسأله بوضوح: «يا إمام، نسمع دوي مدافعك، ولكن أين مشاتك؟ من سيحكم إيران بعدك؟» كان جواب الخميني أقرب إلى التصوف السياسي: الشعب سيجد طريقه بنفسه.

هنا يكشف هيكل ثغرة الثورة: هزيمة نظام قديم أسهل من بناء بديل مستقر، هذه الثغرة سرعان ما ملأها «الحرس الثوري» الذي تحول لاحقًا إلى عملاق عسكري-اقتصادي يحكم قبضته على السياسة والسلاح.

«من الشعارات إلى القذائف»

ما يلفت النظر اليوم أن مبادئ الثورة ظلت حية لكنها تلبست وسائل جديدة، من خطب «الجمهورية الإسلامية» خرجت لاحقا برامج نووية وصواريخ بعيدة المدى وميليشيات مسلحة تدور في فلك طهران من العراق إلى لبنان واليمن.

بعبارة أخرى: صار «مدفع آية الله» منصة صواريخ متحركة تخوض حربا بالوكالة مع أمريكا وحلفائها في الإقليم.

«لماذا تريد إسرائيل والغرب إسقاط النظام؟»

يضيء هيكل في كتابه على جذور هذا العداء غير المعلن: فإيران بعد الثورة لم تعد دولة يمكن احتواؤها أو ضبط تحركاتها بسهولة، بل تحولت إلى مصدر إزعاج مستمر للنفوذ الغربي في المنطقة.

ورغم العقوبات والضغوط المتواصلة، بقي النظام حاضرًا كلاعب غير مرغوب فيه لكنه صعب الإزاحة، مما أبقى فكرة إسقاطه مطروحة على الطاولة مع كل تصعيد جديد، لكن السؤال الذي يتجنب الجميع الإجابة عليه: هل زوال النظام يعني نهاية الصراع أم بداية مرحلة أشد تعقيدًا؟

«الدرس من كتاب هيكل»

قراءة «مدافع آية الله» اليوم لا تعني فقط استعادة مشاهد الثورة، بل هي تذكير بأن النظام الإيراني وخصومه ظلوا يدورون في حلقة من الشكوك والصدامات منذ ذلك الوقت.

ومع كل أزمة جديدة تظهر أن إرث تلك الثورة ما زال يلقي بظلاله على الحاضر، وأنه مهما تغيرت الأسلحة، فإن الحسابات لم تتغير كثيرا: قلق من الداخل، عداوات من الخارج، وحرب باردة تتوهج كلما لاح شبح المواجهة المباشرة.

هكذا يبقى سؤال هيكل حاضرا من جديد: من يقود هذه المدافع اليوم؟ ومن يتحمل ثمن دويها؟



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك