نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، تقريرًا عن غابة "بالاتشوان" في جزيرة سيل غرب جزر هبريدز الإسكتلندية، التي تُعد واحدة من أقدم الغابات في بريطانيا وأوروبا، وتمتد هذه الغابة على مساحة 49 هكتارًا، وتخفي داخلها نظامًا بيئيًا فريدًا يرجع تاريخه إلى ما بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 10 آلاف عام، حين بدأت ثمار البندق تنبت فوق الأرض العارية بعد انحسار الجليد.
ويرجح العلماء، أن عمر هذه الغابات يعود إلى 7500 قبل الميلاد، أي أنها أقدم من أي غابات صنوبرية أو بلوطية في بريطانيا.
- الفطريات.. البنية التحتية الخفية
أكد الباحثان بيثان مانلي وديفيد ساتوري، أن هذه الغابات القديمة لا تعتمد على الأشجار وحدها، بل تعتمد في بقائها على شبكة معقدة من الفطريات الدقيقة التي تعيش في علاقة تكافلية مع الجذور، هذه الفطريات، المعروفة باسم "المايكورايزا"، تُمد الأشجار بالمغذيات وتزيد قدرتها على مقاومة الجفاف والحرارة، إذ يمكن أن ترفع معدلات النمو بنسبة 64%، غير أن نحو ثلاثة أرباع هذه الفطريات لا نعرفها إلا من خلال الحمض النووي في التربة، ما يجعلها "بنية تحتية مظلمة" للكوكب لم تُكتشف بعد.
- الاحتباس الحراري.. الخطر الأكبر
لفت الجارديان، إلى أن هذه الغابات ليست مجرد تراث طبيعي، بل خط دفاع بيئي في مواجهة الاحتباس الحراري، مبينة أن الغابات المطيرة المعتدلة التي توجد في أقل من 1% من مساحة اليابسة عالميًا، تمثل أنظمة شديدة الحساسية لتغير المناخ.
وحذرت دراسة أجراها باحثون في جامعة ليدز، من أن ثلثي هذه الغابات قد يختفي خلال العقود المقبلة، مع خسارة دول مثل النمسا 90% منها.
وفي المقابل، تملك بريطانيا وأيرلندا، فرصة نادرة، إذ تتوافر مساحات ممطرة شاسعة غير مزروعة يمكن أن تعود إليها الغابات، ونجاح هذا المسار لن يسهم فقط في عودة الغطاء الأخضر، بل سيوفر مصارف طبيعية للكربون، ويساعد على تنظيم المناخ المحلي والإقليمي، وهنا يصبح ترميم الغابات جزءًا من معركة عالمية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
- مشاريع ترميم تحت المجهر
بدأت منظمات بريطانية خطوات عملية لإحياء هذه الغابات، ففي ديفون مثلًا، زرع "صندوق الحياة البرية" آلاف الأشجار، لكنه يركز أساسًا على ترك الطبيعة تعيد بناء التربة والفطريات بشكل تلقائي، باعتباره المسار الأكثر صمودًا أمام الصدمات المناخية.
ومبادرات أخرى، مثل مشروعات "ناشونال تراست"، تختبر طرقًا لنقل عينات من تربة سليمة أو أبواغ فطرية من بيئات طبيعية إلى مواقع متدهورة.. لكن خبراء يحذرون من الاعتماد على المنتجات التجارية للفطريات، التي غالبًا ما تكون غير فعالة أو تحمل مسببات أمراض.
- درس بيئي عالمي
أوضحت التجربة، أن استعادة هذه الغابات لن تنجح بمجرد زراعة الأشجار، بل تحتاج إلى إعادة بناء "الجهاز الدوري للأرض" المتمثل في شبكات الفطريات تحت التربة، وإذا نجحت بريطانيا وأيرلندا في ذلك، فقد تتحولان إلى نموذج عالمي في مواجهة آثار الاحتباس الحراري، عبر إحياء أحد أندر النظم البيئية على الكوكب.