في أولى خطوات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أعلنت وزارة العدل بحكومة الاحتلال الإسرائيلي، قائمة تشمل أكثر من 700 أسير فلسطيني سيُطلق سراحهم بموجب الاتفاق.
وضمّت القائمة أسماء بارزة في المقاومة الفلسطينية، أُدرجت ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق، حيث ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن من بين هؤلاء زكريا الزبيدي، الذي شارك في عملية الهروب الشهيرة من منشأة احتجاز مشددة الحراسة شمال إسرائيل عام 2021، قبل أن يُعاد القبض عليه مع بقية الفارين.
- تاريخ نضالي وتضحيات عائلية
وُلد زكريا الزبيدي في مخيم جنين عام 1976، ونشأ يتيم الأب بعد وفاته بسبب المرض، حيث تربّى على يد والدته التي تكفّلت برعايته مع إخوته السبعة، ويجيد اللغة العبرية بطلاقة، وشارك في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وفي عمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
عاد الزبيدي إلى العمل المسلح في أواخر عام 2001 بعد استشهاد صديق مقرب له، وفقد والدته برصاص قوات الاحتلال خلال وقوفها قرب نافذة أحد المنازل، كما استُشهد لاحقا شقيقه طه، وهُدم منزل عائلته 3 مرات.
اتهمته قوات الاحتلال بتنفيذ عدة عمليات، من بينها تفجير في تل أبيب عام 2004 أدى إلى مقتل مستوطِنة إسرائيلية وإصابة 30 آخرين، وعلى الرغم من تعرّضه لـ4 محاولات اغتيال على يد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه نجا منها، رغم إصابته بجروح خطيرة.
في 15 مايو 2023، استشهد داود الزبيدي، شقيق زكريا، خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال في مخيم جنين. نُقل داود إلى مستشفى "رمبام" في حيفا، حيث أُعلن عن استشهاده لاحقاً، كما استشهد ابن عمه، نعيم جمال الزبيدي، في 1 ديسمبر 2022، أثناء اشتباك مسلح آخر مع قوات الاحتلال.
وفي حادثة أثّرت في الزبيدي بشدة، استُشهد ابنه البكر "محمد" في 5 سبتمبر الماضي، بعد استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية لـ5 شبان في مدينة طوباس.
- الهروب الكبير: الطير يغادر القفص المفتوح
في فجر يوم الاثنين 6 سبتمبر 2021، تمكن 6 أسرى فلسطينيين من الهروب من سجن جلبوع الإسرائيلي، أحد أكثر السجون تحصينا، عبر نفق حفروه أسفل السجن. ووفق السلطات الإسرائيلية، ينتمي الأسرى إلى حركتي الجهاد الإسلامي وفتح، ما دفع الاحتلال إلى إعلان حالة استنفار وإطلاق حملة تفتيش واسعة في المناطق المحيطة بالسجن.
خلال التحقيقات، أوضح الزبيدي أنه قرر المشاركة في العملية بعدما أُتيحت له الفرصة، مشبّهًا نفسه بالطائر الذي يغادر القفص إذا فُتح له الباب، مشيرا إلى أنه كان يعتزم تسليم نفسه للسلطة الفلسطينية لو تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية، كونه يعمل ضمن مؤسساتها.
- "التنين" ومشروع الماجستير
أعدّ الأسير زكريا الزبيدي رسالة ماجستير بعنوان "الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية 1968-2018"، ضمن برنامج الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بيرزيت. تناولت الرسالة مفهوم المطاردة في السياق الفلسطيني، مسلطةً الضوء على العلاقة بين المطارد (التنين) والمطارِد (الصياد)، وكيف تطورت هذه الديناميكية عبر العقود؟.
بدأ الزبيدي دراسته في جامعة بيرزيت عام 2017، وأنجز الفصلين الأول والثاني من رسالته قبل اعتقاله في فبراير 2019. ورغم ظروف الأسر، أصرّ على إكمال بحثه، فاستكمل بقية الفصول داخل سجن جلبوع. وفي 2 يوليو 2022، نوقشت الرسالة في جامعة بيرزيت بحضور عائلته، حيث تسلّمت ابنته سميرة شهادة تخرجه.
أشادت لجنة الإشراف والمناقشة بعمق الرسالة وأهميتها، ومنحت الزبيدي درجة الماجستير بامتياز، حيث تضمنت اللجنة الأساتذة عبد الرحيم الشيخ، جمال ضاهر، ووليد الشرفا، بمشاركة رسائل مسجلة من الأسيرين مروان البرغوثي ووليد دقة، والروائي إلياس خوري.
- النضال منذ الطفولة
في أحد المقاطع من رسالته، يروي الزبيدي حادثة من طفولته خلال الانتفاضة الأولى عام 1988، حيث أُصيب بعيار ناري في قدمه أثناء مشاركته في تظاهرة انطلقت من مدرسته في مخيم جنين. يصف كيف شكّلت هذه التجربة نقطة تحول في حياته، مؤديةً إلى انخراطه في العمل المقاوم وانضمامه إلى حركة "فتح".
كما تناول الزبيدي تأثير الاعتقالات المتكررة على عائلته، مشيرا إلى اعتقال والده وإخوته، وما نتج عن ذلك من معاناة لوالدته التي كانت تتنقل بين السجون لزيارتهم. يبرز دور العائلة كوحدة صمود ومقاومة، وكيف ساهمت هذه التجارب في تشكيل وعيه النضالي.