حوار| الأسير الفلسطيني المحرر محمود العارضة: من مصر تعلمنا العبور.. ولولا عبورها في أكتوبر لما عبرنا نحن - بوابة الشروق
الأحد 19 أكتوبر 2025 4:08 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

حوار| الأسير الفلسطيني المحرر محمود العارضة: من مصر تعلمنا العبور.. ولولا عبورها في أكتوبر لما عبرنا نحن

محررة الشروق تحاور الأسير الفلسطيني المحرر محمود العارضة
محررة الشروق تحاور الأسير الفلسطيني المحرر محمود العارضة
حوار- ليلى محمد
نشر في: السبت 18 أكتوبر 2025 - 5:44 م | آخر تحديث: السبت 18 أكتوبر 2025 - 5:45 م

• تعرضنا لكل أشكال التنكيل على يد الاحتلال
• لم أبن آمالًا كبيرة حين أُبلغت بموعد الإفراج.. والحرية لا تُصدق إلا حين تُلامَس
• الإيمان منعني من الانكسار فنحن أصحاب أعدل قضية في التاريخ
• نفق الحرية ليس بطولتي وحدي بل بطولة أحد عشر أسيرًا شاركوني الحلم والمجازفة
• هناك رواية من ألف صفحة عن النفق.. لكن لن تنشر الآن حتى يظل الضوء مسلّطا على غزة
• نواجه احتلال استيطاني استعماري إحلالي يريد اقتلاعنا من أرضنا
• كنت أقرأ طوال الوقت وأؤمن أنها سرّ النجاح في السجن كما في الحياة
• حزنت كثيرًا على وفاة الأستاذ محمد حسنين هيكل.. وأقمنا مسابقة باسمه شارك فيها 35 أسيرًا
• أولويتي الآن الوصول إلى مكتبة فالعلم هو حريتي الثانية

 

في لحظة تختلط فيها الدهشة باليقين، وتتعانق فيها الدموع بالابتسامة، خرج الأسير الفلسطيني محمود العارضة إلى النور بعد أكثر من ثلاثة عقود في سجون الاحتلال وجد فيها الكتاب وطنا لا يُحتل، وفي الحبر نافذة يتسلل منها الضوء. فمن قلب السجن كتب العارضة سيرةً من صمود لا يلين، وقصة إنسانٍ تحدّى القيد بالإيمان والمعرفة.

في هذا الحوار لـ "الشروق"، يفتح محمود العارضة قلبه لنا، ليحكي عن سنوات الأسر الطويلة، والنفق الذي تحوّل إلى رمز خالد، والرفاق الذين تركهم خلفه، والحرية التي جاءت بعد انتظار طويل. وإلى نص الحوار:

• لنبدأ من اللحظة الأولى التي أُبلغت فيها بقرار الإفراج، صف لنا كيف تلقيت الخبر؟

بداية أود أن أؤكد أننا عندما صارت الصفقة، كانت تقديراتنا أن تكون في منتصف العام المقبل، ولكن عندما تم إبلاغي للاستعداد بأنني على موعد مع الحرية، لم ابني آمالًا كبيرة، فقد تعلّمت من قسوة التجربة أن الحرية لا تُصدق إلا حين تُلامَس أرض الواقع، وأن المفاجآت في حياة الأسير لا تنتهي حتى آخر لحظة.

• بماذا كنت تفكر أكثر خلال فترة الانتظار قبيل إطلاق سراحك؟

أكثر شيء فكرت فيه كان في الأسرى الذين كانوا معي. لقد كان الوضع صعبًا جدًا، حيث مكثت بينهم وقد بدا لي وكأن الساعتين تساوي سنتين، فكم كنت أتمنى أن تنتهي تلك اللحظات من الانتظار. وعندما غادرت ربما خف التوتر لدى، حتى لا يظلوا يسألونني: "إيش فيه؟ و ماذا عن تقديراتنا؟".

وعندما صعدنا إلى الحافلات، لم يبخل علينا الاحتلال كعادته بشئ.. فقد بدأوا في التنكيل بنا. حيث تعرضنا لكافة عمليات التنكيل، فقد كانوا يجرّون الأسرى ويبطحونهم على بطونهم، ويقيدون أيديهم إلى الخلف، ويعصبون أعينهم ويضربونهم ضربًا مبرحًا. فقد كانت كل ضربة نتعرض لها هي ضربة قتل أو إعاقة.

ولكن رغم كل هذا الألم ادركنا اخيرا اننا في طريقنا إلى الحرية، لكني بقيت محتفظًا بخط الرجعة في داخلي. فقد كان هناك شعور بالفرح، ولكن أيضًا كانت هناك غصّة لأن الجميع لم يخرجوا، خصوصًا الأسرى القدامى والقيادات. كم كنا نعوّل كثيرًا على أن يحدث تغيير ومنعطف تاريخي بخروج هؤلاء من الأسر.

• وماذا عن اللحظة الأولى "للحرية" ؟

كانت تلك أول مرة في حياتي أرى فيها الجندي المصري، فلم أكن قد خرجت من فلسطين من قبل. لذلك مكثت طويلا أنظر إليهم بشعور لا يوصف بالأمان.

• حدثنا عن أوضاعكم خلال الأسر وخصوصا عقب السابع من أكتوبر 2023؟

لقد انقطعت عنا جميع وسائل الاتصال، لم يكن لدينا علم بشيء. ربما خلال العام الأول من الحرب على غزة نجحنا في تهريب بعض الأجهزة، لمساعدتنا في الحصول على أي معلومة بشأن ما يدور بالخارج ولكنهم علموا بها وسلبونا كل وسيلة ممكنة. أما في العام الثاني فقد كان الوضع صعبًا جدًا فقد تم حتى فصلنا عن الأسرى الجنائيين الذين كانوا يمدوننا بالمعلومات. فقط كنا نحصل على معلومات شحيحة جدًا من خلال "البوستات" والمحاكم.

• كنت محكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة ومكثت 32 عامًا في الأسر، ما الذي حال دون انكسارك أو هزيمتك لنراك اليوم بكل ما أتيت من قوة تتحدث إلينا؟

كان لدي دائما الأمل، وإيمان قوي، فنحن أصحاب رسالة وقضيتنا هي أعدل قضية في التاريخ.

• عقب خروجك وإطلاعك على ما جرى في قطاع غزة.. كيف كان تفاعلك ؟

ما حدث في غزة سيظل من أكبر المعارك التاريخية الشرعية والشريفة في تاريخ قضيتنا، فدماء الشهداء وكل لحظة على مدار العامين الماضيين ستبقى راسخة في تاريخ الشعوب. أؤكد وأثق أن هناك من يؤيدني الرأي أن ما حدث في غزة لم يواجهه أي شعب أو دولة في العالم.

• دعنا نعود إلى تجربة النفق الشهيرة "نفق الحرية"؟

أولًا، أود أن أؤكد أنني لست بطلها الوحيد. فهناك إحدى عشر بطلًا ساعدونا ودفعوا الثمن غاليًا، فقد تم معاقبتهم بالسجن أربع سنوات زيادة، وهم إخوتي وأصدقائي، يعقوب قادري، قصي مرعي، علي أبو بكر، محمد أبو بكر، ومحمود أبوشرين. فهؤلاء هم المساعدون الأربعة وهم أصحاب الإنجاز الحقيقي.

أما فيما يخص فكرة النفق فهي ليست جديدة، فكل أسير يُزج في السجن يفكر في الخروج.

وعندما تُحشر داخل غرفة، تبدأ في التفكير في كيفية الخروج من هذا الجحيم، ولكن خروج الفكرة إلى حيّز التنفيذ كان يحتاج إلى ذكاء حاد.

• إذن الفكرة بدأت منذ دخولك إلى سجون الاحتلال الإسرائيلي؟

نعم .. فأنا لدي عدة محاولات. فقد كان مشروع النفق في رأسي منذ أول لحظة دخلت فيها السجن. حتى أنني حاولت أن أقفز من الجبّ عندما ألقى القبض عليّ الجيش، لكني كنت مقيّدًا وكنت على يقين أني قد أموت، لذلك تأخرت في هذه الخطوة.

ولكن منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها السجن أي قبل ما يزيد عن ثلاثين سنة وأنا أحاول.

فأنا ابن الجبال والبرية، وبيتنا في آخر القرية. كنت أحب الطبيعة و التلال والمغُر الصغيرة، وكنت أحفر وأنا صغير بدافع الفضول. لذلك عندما رأيت الأسرى يخفون مواد مكتوبة للتدريس في خرق صغير بالأرض، قلت لنفسي: لماذا لا أستخدم هذه الحفرة للخروج؟

وبالفعل قمت بقياس المسافة بين الحفرة والسور الأخير فوجدتها عشرة أمتار فقط، فقلت: يمكننا أن نحفر بئرًا وندخل منها، كل هذا وقد كان عمري وقتها 17 سنة.

• ماذا عن تفاصيل أول محاولة حفر؟

كنت في سجن شطة، مع مجموعة من الشباب على رأسهم أيهان. حفرنا نفقًا استمر 16 شهرًا قبل أن يُكتشف بسبب خطأ من أحد الأسرى الذي خبأ بدلة سجان ليهرب بها، وذلك رغم مئات المرات التي قام خلالها الجنود بالتفتيش، فهم لم يعثروا عليه إلا بإستخدام أجهزة متطورة.

• متى كانت المحاولة الثانية؟

عام 2020، بدأنا المشروع في ديسمبر 2020 واستمر 9 شهور، 267 يومًا.

• ماذا عن "المعلقة" التي استخدمتها للحفر وأصبحت رمزًا؟

في النفق الأول استخدمتها كثيرًا، حتى أنني قمت بربطها على عصا الممسحة، وحفرت بها الجدار. استخدمناها أيضًا في المرة الثانية بدرجة أقل لأن وقتها كان معنا أدوات أخرى، لذلك كانت وظيفتها الأخيرة فتح الباب وإغلاقه. وللعلم فقد نسيتها عند باب الحمام، فصارت رمزية.

• هل صحيح إنك سوف تقوم بسرد كافة هذه التفاصيل من خلال رواية؟

نعم، لقد كتبت عن تلك المحاولات في رواية مع صديقتي حنين أودي، وهي من المؤيدات التي كانت تحضر المحاكم، وقد كتبنا رواية من ألف صفحة عن النفق.

• لماذا لم تصدر الرواية حتى الآن؟

لن أنشرها الآن حتى لا تبقى الأضواء مسلطة عليّ. لا أريد أن يُسلّط الضوء عليّ، بل على غزة ومأساتها. هناك مجاعة وسرقة ومعاناة إنسانية.

• الآن وأنت تنعم بضوء الشمس ودفئها.. دعني اتساءل عما تعنيه "الحرية" بالنسبة لك؟

الحرية بالنسبة لي كالهواء للإنسان، فإذا سُلبت من الإنسان حريته سُلبت إنسانيته، لقد حاولوا أن يسلبونا إنسانيتنا، لكننا استعدناها بالحرية بفضل الله سبحانه وتعالى.

• في بداية اللقاء بك تحدثت طويلا عن القراءة والكتاب رفيق الدرب ؟

أولا ينبغي أن أقول أن الوضع قبل 7 أكتوبر شيء وبعد هذا التاريخ شيء آخر. ولكن كما قلت أنا أعشق القراءة والكتب. درست لأنني أحب القراءة، وخلال أعوام طويلة استطعت أن أقرأ للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وعدد أخر من الكتاب والمفكرين العرب.

فقد كنا نحصل على الكتب من الأهل بصعوبة. وكنت أقرأ طوال الوقت، فأنا لا أحب الطبخ أو إضاعة الوقت بالأكل. بل كنت دائما أقوم بتنظيم مسابقات قراءة بين الأسرى، وعندما توفي الأستاذ هيكل حزنت كثيرًا، وأعلنت مسابقة باسمه شارك فيها 35 أسيرًا، وقرأنا فيها ما بين 9500 إلى 11000 ساعة.

فقد كان الوقت أكثر ما يتوفر لدى في السجن، لكن كنت أعلم جيدا انه يجب أن يُستثمر بالقراءة والتعليم" سر النجاح".

• كيف كانت علاقتك ببقية الأسرى؟

لقد كنت أعيش مع أسرى آخرين يتبدلون باستمرار. فقد كنت في سجون يُرسل إليها الأسرى الجدد، كنت أحثّهم على القراءة. والحقيقة أنني كنت أحب الجيل الجديد، لأن الوعي هو سلاحنا.

• ماذا يعني لك مفهوم المقاومة؟

لقد أعجبتني كلمة للدكتور مروان البرغوثي عن "المقاومة الشاملة". حيث أن جميع أشكال المقاومة هي مقاومة. فالمطربة التي تغني لفلسطين تقاوم كما يقاوم من يلقي الصاروخ، لأن الكلمة أحيانًا أشد من الرصاص. فالإسرائيليين يحاربوننا حتى على الكلمة في السوشيال ميديا.

وأرى أنه يجب أن نجتمع على مشروع واحد، فنحن نواجه احتلال استيطاني استعماري إحلالي، يريد اقتلاعنا من أرضنا ليحل محلنا. والتجربة التاريخية تقول إن الاحتلال يتمدد عندما يستقر، ويتراجع عندما يُضرب.

• خلال ترحيبك بنا بدا واضحا ما تمثله لك مصر؟

نحن تعلمنا العبور من مصر. فالجميع يعلم أن أول مرة تراجع فيها الاحتلال كانت في 6 أكتوبر 1973، وأنا أؤكد أن لولا عبور مصر لما عبرنا في 7 أكتوبر 2023. وستظل التجربة المصرية تجربة تاريخية.

• ما هي أولوياتك الآن بعد حصولك على الحرية؟

أولويتي الآن وأنا في مصر أن أُصل إلى أي مكتبة فآخر كتاب قرأته في العزل الانفرادي كان "الشاهد المشهود" للكاتب الفلسطيني الكبير وليد سيف، وتأثرت به كثيرًا.

أريد أيضا كتب عن الأزهر الشريف لأنني أحبه كثيرًا، فهو رمز الاعتدال في الفكر الإسلامي. فأنا أفهم الإسلام من خلال الأزهر ، لأنه يمثل الاعتدال.

• أخيرا هل التقيت أحد من عائلتك منذ تحريرك؟

التقيت فقط شقيقتي ومعها أولادها، ولكن لم التقي بأحد أخر من عائلتي بعد، إنني شديد الإشتياق لهم جميعا ولمدينتي "جنين".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك