• صلاح الدين الأيوبى حمّل عائلة الحسينى أمانة مفتاح القيامة لأننا ننتسب لآل البيت
• فتحت كنيسة القيامة لأول مرة فى الثامنة من عمرى ووضعت الشمع على القبر المقدس
• الاحتلال اعتمد على الجهل بالتاريخ لترويج أن المسلمين اغتصبوا مفتاح كنيسة القيامة من المسيحيين
قال أديب جودة الحسينى، أمين مفتاح كنيسة القيامة، فى القدس إن العدوان على غزة منع الحجيج الأجانب من الوصول لبيت المقدس، بعد أن تولد الخوف لدى الحاج من وقوع أحداث تمنع عودته إلى بلده. أما المواطن الفلسطينى؛ فيتم التنكيل به على الحواجز؛ والهدف منع الوفود من الوصول إلى الاماكن المقدسة.
وتحدث أديب جودة الحسينى، وهو حامل ختم القبر المقدس أيضا، عن معاناة المسيحيين بسبب الاحتلال وتأثرهم بتداعيات العدوان على غزة، معتبرًا أن أسبوع الآلام يكرره الاحتلال فى حياة الفلسطينيين عبر التنكيل بهم بشتى الطرق.
وإلى نص الحوار:
< حدثنا عن منصبك وكيف تم تكليف العائلة به؟
ــــ نحن أمناء مفاتيح كنيسة القيامة منذ عام 1187 أى ما يقارب 850 عامًا؛ وهى وظيفة شرفية، نشكر الله أن اختار عائلتنا لتكون أمينة عليها.
وأمانتنا لمفتاح كنيسة القيامة لها قصة وعبرة؛ فعندما جاء الخليفة، عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لبيت المقدس محررًا، كتب العُهدة العمرية التى نعتبرها الشعلة التى خرجت من بيت المقدس وانتشرت فى العالم للتعايش الإسلامى المسيحى، لكن بعد وفاته توقفت هذه العهدة فهدم بعض السلاطين المتزمتين الممتلكات المسيحية فى بيت المقدس ومنها كنيسة القيامة.
وعندما جاء صلاح الدين فى 1187 أحيا العهدة العمرية، إذ تفاجأ بأن السلاطين الذين تولوا بعد عمر بن الخطاب، خذلوه ولم يسيروا على خطاه؛ فجمع رؤساء الكنائس وعددهم 6 وأشار عليهم بتسليم مفتاح كنيسة القيامة لعائلتنا، باعتبارنا ننتمى لآل البيت وفق ما ذكره التاريخ وأثبتته الوثائق والمستندات.
وكانت فكرة صلاح الدين الأيوبى أن يتم تسليم مفتاح كنيسة القيامة لآل البيت، باعتبار انتساب العائلة لآل البيت لن يمكن أحد من منازعتها فى حمل هذه الأمانة حتى فى وجود أى سلطان متشدد، وبالفعل تسلمنا المفاتيح من رؤساء الكنائس وحافظنا عليها بدمائنا وأرواحنا وأموالنا حتى الآن، وهى أمانة شرفية لا نتقاضى عليها أى أجر من أى طائفة.
< ما نوع الخدمة التى تقدمها وفقا للمنصب؟
ــــ نحن ملزمون بفتح أبواب الكنيسة وإغلاقها فى المواعيد التى نتلقاها من رؤساء الكنائس، وبالتواجد قبل الفتح والإغلاق، وهى تفتح أبوابها يوميًا الساعة الرابعة صباحًا، وتغلق التاسعة مساءً.
كما نستقبل كبار الزوار فى ساحة الكنيسة، ونشرح لهم عن تاريخ العائلة، ونقدم لهم المفتاح لينالوا بركته وفق عاداتهم، بالإضافة لتقديم المساعدة وخدمة كل الحجيج الوافدين على الكنيسة القيامة، وتقديم المياه والمساعدات الطبية، وغيرها من الاحتياجات، بالإضافة لحمل ختم القبر المقدس.
< ماذا يعنى حمل ختم القبر المقدس؟
ـــــ ختم القبر المقدس يُستعمل مرة واحدة فى العام، فى سبت النور، فقبل الثانية عشرة ظهرًا أتواجد فى مقمورة القبر المقدس يرافقنى مطران من طائفة الروم الأرثوذوكس، ومطران من الأرمن الأرثوذوكس، لنفتشها ونتأكد من خلوها من أى شعلة، وبعد التفتيش نخرج ويتم وضع الشمع المقدس على بوابة القبر، أى يُغلق بكتلة كبيرة من الشمع وهو ممزوج من العسل وأفخم العطور، فتغلقه طائفة الروم الأرثوذوكس بشكل محكم وبعدها أضع ختمى الشخصى على هذه الكتلة الشمعية، إيذانًا ببدء الأعياد.
وبعد انتهاء الاحتفال بختم القبر المقدس يرافقنى اثنان من المطارنة إلى صالون غبطة البطريرك ثيوفولوس بطريرك الروم الأرثوذوكس، التى تبعد حوالى 400 متر عن كنيسة القيامة؛ إذ نلتقى برؤساء وسفراء، ودبلوماسيين، وأهم زوار الروم الأرثوذوكس، وعند دخولى أشرح ما حدث وأؤكد جاهزية القبر لإقامة الصلاة والخروج مع النور المقدس، فنتحرك فى الواحدة والنصف إلى كنيسة القيامة أتقدم الموكب وخلفى البطريرك، أوصله لكنيسة نصف الدنيا حيث يستقبله آباء الروم الأرثوذوكس وإلباسه ملابس الصلاة، ويدورون حول القبر 3 مرات، ويقوموا بإنزال الشمع الذى وضعناه ثم ينزل البطريرك برفقة أحد كهنة الأرمن إلى داخل المقمورة ليؤدى الصلاة ويخرج بيده النور المقدس الذى يوزع إلى كل كنائس العالم.
< كم كان عمرك عندما مارست هذا الطقس لأول مرة؟
ــــ كنت فى الثامنة، وأحببت عمل والدى وحمله هذه الأمانة، متشوقًا لتسلمها، فسمح لى بفتح باب الكنيسة وأنا فى عمر الثمانى سنوات، وأعطانى حق وضع ختمه على شمع القبر المقدس عندما كان عمرى 12 عاما.
< ألا تعتبر أن تحملكم كمسلم أمانة مقدس مسيحى قد تبدو غريبة؟
ــــ هذه كانت فكرة الخليفة عمر بن الخطاب، فمن نحن لنحاجج هذه الفكرة، فأنا مسلم وأفتخر بذلك وأمارس صلواتى وعقيدتى لكنى كذلك أتحمل هذه الأمانة والدين محبة، والإله واحد.
< كيف تحتفل الكنيسة بعيد القيامة هذا العام مع تواصل العدوان الإسرائيلى؟
ـــــ احتفالات الكنيسة بعيد القيامة لا تتغير؛ فالصلوات والدخلات الرسمية وفتح الأبواب، وإغلاق كنيسة القيامة لا يجّد عليها شىء؛ لكن ما تغير هذا العام هو عدم قدوم الحجاج إلى الأراضى المقدسة بسبب الحرب فى غزة، وبسبب إطلاق الصواريخ من اليمن على إسرائيل؛ فلا حجيج هذا العام فى بيت المقدس.
الحرب على غزة منعت الحجيج الأجانب من الوصول لبيت المقدس، فتولد الخوف لدى الحاج أنه قد يصل للأراضى المقدسة ويحصل أى حدث أمنى يمنعه من الرجوع لبلده.
أما المواطن الفلسطينى فيتم التنكيل به على الحواجز؛ وكل هذه الإجراءات هدفها فى الأساس منع الوفود من الوصول.
< إلى أى مدى أثرت تضييقات الاحتلال على غياب الحجيج؟
ــــ تضييقات الاحتلال على الحجيج أصبحت شيئًا شبه ثابت ومستمر، حتى فى حالة غياب الحجيج قوات الاحتلال تكرر أسلوبها المتبع كل عام، ففى سبت النور يتم إغلاق كل مداخل وأزقة البلدة القديمة، ومنع المؤمنين من الوصول لكنيسة القيامة للاحتفال.
وسبت النور بالنسبة للاحتلال يكون يومًا غير عادى، فكنيسة القيامة تكون بؤرة التجمع الفلسطينى والأجنبى، وهم بحجة فرض الأمن والأمان يقومون بإغلاق جميع المداخل ويمنعون الحجيج من الوصول، فهم يتفنون فى إذلال الحجيج.
ونحن فى السنوات الماضية كانت الأعداد الكبيرة القادمة لبيت المقدس من الأقباط المصريين؛ وتم منع بعضهم من الوصول، فيكون الحاج قد ادخر المال طوال حياته ليصل إلى كنيسة القيامة حاجًا ويمنع من الدخول للبلدة القديمة ليشهد احتفالات النور المقدس.
ومن يعترض على هذه الحواجز يتم الاعتداء عليه، فخلال الأعوام السابقة اعترض أحد رهبان دير السلطان فقاموا بالاعتداء عليه رغم ارتدائه الزى الدينى، فهم لا يراعون أى اعتبارات لرجل دين أو مسن أو امرأة؛ وهو ما يظهر أنهم لا يحترمون الإنسانية.
< ما شكل الاعتداءات التى يتعرض لها المسلمون والمسيحيون فى القدس المحتلة؟
ــــ نحن المسلمون نعانى كل جمعة؛ فقوات الاحتلال تتمركز عند بوابات المسجد الأقصى ويتم تفتيش المصلين والاطلاع على هوياتهم، والتضييق عليهم والتنكيل بهم، فضلًا عن إبعاد المئات عن المسجد الأقصى بشكل يومى.
وبالنسبة للمسيحيين فهم يتعرضون للأمر ذاته خلال توجههم إلى كنيسة القيامة فى الأعياد؛ إذ يتم التنكيل والاستفزاز ترصدًا لأى رد فعل عكسى.
< هل زادت حرب غزة من شراسة الاحتلال ضد المقدسيين؟
ـــــ ما حدث هو أن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتيناهو، جاء بوزير أمن قومى عنصرى متعصب هو إيتمار بن غفير، يمينى متطرف، يكره العرب مسلمين أو مسيحيين وأطلق العنان لقوات شرطة الاحتلال بالتصرف ضد أى مواطن كما يحلو لهم، فاليوم ليس لدينا قانون، هذا الشخص فتح البوابة الكبرى لقوات الاحتلال للتنكيل بالفلسطينيين وقتلهم.
< باعتبارك مقدسيا إلى أى مدى تلعب حكومة الاحتلال دورا فى إشعال الفتنة الطائفية؟
ــــ الحقيقة أن الإسرائيلى يسعى لبث الفتنة والتفرقة دائمًا؛ واليوم إذا سألتم أى شخص فى العالم لماذا تم تسليم مفتاح كنيسة القيامة لشخص مسلم؟ سيجيب بأن ذلك لاختلاف الطوائف المسيحية وعدم اتفاقهم، وهذا غير حقيقى وقد اخترعها الاحتلال ونشرها ولقت رواجًا لدى كل من لا يعرف التاريخ؛ لكن الحقيقة هى أنه عندما جاء الصليبيون لبيت المقدس قتلوا المسيحيين الشرقيين والمسلمين واليهود؛ وعندما تم تحرير بيت المقدس كان قائد جيش صلاح الدين الأيوبى هو عيسى العوام القبطى، ورافق صلاح الدين جميع الطوائف المسيحية الشرقية التى تم قتلها وتهجيرها من بيت المقدس، فأرجع الأيوبى الممتلكات المسلوبة لأصحابها.
ولكن الآلة الصهيونية روجت لفكرة أن المسلمين اغتصبوا مفتاح كنيسة القيامة من المسيحيين اعتمادًا على الجهل بالتاريخ.