في وقت أصبح فيه الذكاء الاصطناعي جزءًا من حياتنا اليومية من كتابة الرسائل إلى إعداد الأبحاث وحتى اتخاذ القرارات؛ يبدو أننا نعيش ثورة غير مسبوقة في التاريخ البشري.
لكن بين الانبهار بالتقنيات الجديدة والخوف من تأثيرها، يطرح العلماء سؤالًا مقلقًا، هل تجعلنا هذه التكنولوجيا أكثر ذكاءً؟ أم أنها تسلبنا القدرة على التفكير بأنفسنا؟
أدمغتنا تعمل أقل مع المساعدة الرقمية
بحسب موقع Indian express، وفقًا لتجربة أجرتها الباحثة ناتاليا كوزمينا من معهد MIT، تم فحص نشاط أدمغة 54 شخصًا أثناء كتابة نصوص بثلاث طرق: يدويًا، وباستخدام محرك بحث، وبمساعدة ChatGPT.
وكانت النتيجة أنه كلما زادت المساعدة التقنية، قلّ نشاط الدماغ المرتبط بالتركيز والإبداع والتفكير، بل إن معظم من استخدموا ChatGPT لم يتذكّروا لاحقًا ما كتبوه بأنفسهم.
ورغم أن الدراسة ما زالت محدودة، فإنها أشعلت نقاشًا واسعًا حول تأثير الذكاء الاصطناعي على قدراتنا الذهنية عند نشرها في يونيو الماضي.
الميل إلى الراحة يضعف التعلم
ووفقًا للجارديان، تقول الباحثة إن أدمغتنا مبرمجة طبيعيًا لتفضيل السهولة وتجنّب الجهد، لكن هذا الميل يتعارض مع حاجة الدماغ إلى التحدي كي يتعلم وينمو.
فبينما تقدّم التكنولوجيا نفسها كوسيلة لتبسيط الحياة، إلا أن الراحة المفرطة قد تمنع عقولنا من التطور، وتجعلنا نميل دائمًا إلى الحلول الجاهزة.
التكنولوجيا السلسة والخطر علي الذاكرة
وبحسب مجلة MIT Technology Review، فإن ما يُعرف بـ"تجربة الاستخدام السلسة" والتي تعني سهولة التعامل مع التطبيقات دون جهد جعلتنا نعتمد على الأجهزة في التفكير والذاكرة.
نبحث عن كل معلومة في جوجل بدلًا من تذكّرها، نستخدم الخرائط بدلًا من الاستدلال، ونتجنّب الحديث المباشر لصالح الرسائل، وهذه السهولة التي نحبّها قد تكون ثمنها ذاكرة أضعف وقدرة أقل على التركيز.
التعليم أول المتأثرين
وتشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن نتائج اختبار بيزا (PISA) العالمي للطلاب بلغت أعلى مستوياتها عام 2012، ثم بدأت في الانخفاض في كثير من الدول.
ويرى خبراء التعليم أن أحد أسباب هذا التراجع هو الاعتماد المفرط على التكنولوجيا في الدراسة، ما قلل من مهارات التحليل والفهم النقدي لدى الطلاب.
"تعفن الدماغ" كلمة العام
كما اختارت جامعة أكسفورد العام الماضي مصطلح "تعفن الدماغ (Brain Rot)" ككلمة العام، في إشارة إلى حالة الخمول الذهني الناتجة عن قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات.
ووفقًا للجارديان، توضح الباحثة ليندا ستون من جامعة نيويورك أن كثيرين يعانون مما يُعرف بالانتباه الجزئي المستمر، أي محاولة التركيز على عدة مهام في وقت واحد.
كما كشفت دراسة لها أن 80% من المشاركين ينسون التنفس أثناء تصفح الإنترنت، وهذه الحالة تؤدي إلى إنهاك ذهني وتقليل القدرة على التركيز واتخاذ القرار.
عندما يصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً للتفكير
أما الدراسة التي أجراها مايكل جيرليتش من كلية SBS السويسرية للأعمال على أكثر من 600 شخص، فوُجد أن من يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل مفرط يسجلون درجات أقل في التفكير النقدي.
ويشير جيرليتش إلى أن الذكاء الاصطناعي يُنتج أفكارًا محسّنة، لا مبتكرة، لأن الإبداع الحقيقي يحتاج إلى تفكير بشري غير متوقع، وهو ما تؤكده أيضًا دراسات تربوية حديثة؛ فكلما زاد استخدام التكنولوجيا في المدارس، تراجعت قدرة الطلاب على التحليل والنقد.
وبالتالي يتفق الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لتنمية التفكير إذا استُخدم بوعي، لكنه يصبح خطرًا عندما يحل محل التفكير نفسه، فالمستقبل لن تحدده الآلات وحدها، بل قدرتنا نحن على الحفاظ على فضولنا، وعلى استخدام التقنية لتوسيع عقولنا لا لتقليصها.