شارك أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في الجلسة الخاصة بغزة ولبنان في قمة منظمة الدول الثمانية النامية للتعاون الاقتصادي، وذلك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ورؤساء دول وحكومات مجموعة الثماني النامية.
وقال أبو الغيط: "إن المنطقة العربية تعيش لحظة قد تكون هي الأخطر في تاريخها الحديث، ولا يخفي علينا جميعاً قدر تعقد الأزمات التي تواجهها، وتشابكها وتسارع انفجارها".
وأضاف أبو الغيط خلال كلمته أن أحداث العام المنصرم أثبتت بكل مصاعبها وآلامها، أن بقاء الأزمات من دون حل أو تجميد الصراعات من غير تسوية هو طريق محفوف بالمخاطر، ولا يوفر سوى أمان خادع، واستقرار هش قابل للانفجار في أي لحظة.
وأوضح أن الصراع الأطول في تاريخ هذه المنطقة هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو صراعٌ لا يمكن تعريفه سوى بأنه قضية استقلال وطني لشعب يرزح تحت الاحتلال، هكذا نفهم الصراع في العالمين العربي والإسلامي، بل هكذا تفهمه الأغلبية الكاسحة من دول العالم التي بادرت إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتبنت حل الدولتين كصيغة وحيدة لتسوية الصراع سلمياً على نحو يضمن الأمن للجميع، والسلام للجميع.
كما أكد أن دولة الاحتلال هي الطرف الوحيد الذي لا يُريد الاعتراف بهذه الحقيقة، إذ تتصور إسرائيل أن العدوان الوحشي على المدنيين سيقود إلى استدامة الاحتلال، وأن القوة تجلب السلام والأمن، وحقيقة الأمر أن هذا محض وهم، وإلا ما رأينا انفجار الأوضاع على نحو ما صار في العام الماضي، وستظل الأوضاع قابلة للانفجار، وسيظل الأمن هشاً والسلام مفقوداً طالما لم يُمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره في دولة مستقلة، أسوة بكل شعوب الدنيا التي تخلصت من نير الاحتلال.
وقال أبو الغيط: "إن إسرائيل، في سعيها إلى استدامة الاحتلال، تجلب على المنطقة كلها، بل وعلى العالم بأسره، مخاطر بلا حدود".
وأضاف: "قد رأينا كيف اتسعت رقعة الصراعات الإقليمية، واندلعت الحرائق في المنطقة عبر الشهور الماضية، وشهدنا كيف تنتقل الشرارة من مكان إلى مكانٍ، وكيف تجاوزت تداعيات العدوان على غزة جغرافية فلسطين إلى المشرق العربي، وما وراءه.
وتابع: "ثمن الاحتفاظ بالاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية مروّع، وهو ثمن لا تدفعه المنطقة وحدها، وإنما العالم كله، فضحايا العدوان على غزة ليسوا فقط الفلسطينيين الذين قتل وجُرح منهم مئات الآلاف، وهُجر ملايين، وإنما أيضاً القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ومبادئ العدالة كانت كلها ضحية لهذا العدوان".
وأكد أن عجز العالم عن التعامل مع استهزاء إسرائيل بكل معاني القانون والإنسانية سيكون له تبعاتٌ خطيرة على النظام العالمي وقواعده في المستقبل، إذ فقدت هذه المعاني قدسيتها ورمزيتها بعد أن انتُهكت في غزة على مرأى ومشهد من العالم كله.
وطالب أبو الغيط بوقف فوري للعدوان على غزة، والبدء فوراً في مرحلة التعافي من هذه المأساة غير المسبوقة من تدميرٍ لمجتمعٍ بأسره، ببشره ومقدراته ومؤسساته وإمكانيات بقائه، معربا عن ثقته في أن الدول الإسلامية، ومنها بالتأكيد الدول المشاركة اليوم في قمة منظمة الثماني، ستكون في طليعة الدول التي تقف إلى جوار الفلسطينيين لاستعادة مجتمعهم.
وأوضح أن كل دعمٍ للفلسطينيين للصمود على أرضهم والبقاء فيها، وصناعة الأمل بديلاً عن اليأس هو نوع من التصدي الفعّال للمخطط الإسرائيلي بتصفية القضية والتخلص من الشعب بعد الاستيلاء على الأرض، تحت دعاوى توراتية عنصرية صار لها تمثيل في حكومة الاحتلال وتتحدث بكل تبجح عن احتلال الأرض كلها وزرع المستوطنات فيها وضمها لإسرائيل، وهو ما لن يكون أبداً بإذن الله.
على الصعيد آخر، قال الأمين العام إن لبنان تحتاج أيضاً كل الدعم في هذه المرحلة الحرجة من أجل التعافي من آثار عدوان غاشم، وإنهاء حالة الشلل السياسي الذي استمر لما يربو على سنتين، موضحا أن استمرار وقف إطلاق النار، وتنفيذه على نحو دقيق وشامل، هو الضمانُ لاستقرار الأوضاع، ولاستعادة هذا البلد المنهك لعافيته، وعودة النازحين لبيوتهم، بما يُعطي الشعب اللبناني فُرصة جديدة للخروج من دائرة اليأس والإفقار والصراع.
وأضاف أن الشعب اللبناني يستحق هذه الفرصة بعد سنوات المعاناة، وهو أيضاً مسئولٌ عن اغتنامها عبر الإسراع بتعزيز استقرار النظام السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية يكون مُمثلاً لكل اللبنانيين، ومُعبراً عن تطلعاتهم جميعاً لمستقبل أفضل.
وأعرب عن تطلعه في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ المنطقة إلى دعم الأصدقاء، وإلى مساندة حقيقية من المجتمع الدولي، لتجاوز الآثار الإنسانية الصعبة لعدوان إسرائيل على غزة ولبنان، مؤكدا أننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى إرادة حقيقية لتنفيذ حل الدولتين، وليس مجرد تبينه كشعار أو إعلانه كمطلب.