لا شك أن القراءة تعد من أفضل الطرق في الحصول على المعرفة، خاصة في عصر التكنولوجيا الرقمية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تعج بالإشاعات والأخبار المغلوطة.
ولكن لا تقتصر أهمية القراءة على المعرفة فحسب، بل يعتبرها الكثير الملاذ الآمن من ضجيج الحياة الإلكترونية، المليئة بالمقارنات المزعجة، بقراءة القصص والروايات الخيالية، ولكن وفقًا لتقرير نشر في موقع BBC الإخباري، فإن قراءة الروايات تتجاوز هذا المفهوم، إلى الحد الذي تعتبر فيه أحد المدارس المستخدمة في العلاج النفسي أو ما يعرف بـ Bibliotherapy"، "العلاج الإبداعي بالكتب"، فما هو العلاج الإبداعي بالكتب؟، يجيب التقرير التالي عن هذا السؤال.
- العلاج الإبداعي بالكتب"Bibliotherapy"
هو نوع من العلاج النفسي، والذي يعتمد على تواصل الشخص الذي يعاني من اضطرابات نفسية، مع المعالج بالكتب، ويشرح حالته النفسية، ليقوم المعالج بترشيح قائمة من الكتب لهذا الشخص، تساعده في التعافي من هذا الاضطراب، مقابل مبلغ مالِ متفق عليه.
الكتاب الذي يرشحه المعالج يختلف باختلاف الشخص، فقد يرشح لأحد الأشخاص مجموعة من القصص لأشخاص يمرون بتجارب حياتية مشابهة، واستطاعوا اجتياز أزماتهم، مما يساعده على التعافي باستخدام المحاكاة، أو من الممكن ترشيح بعض كتب المساعدة الذاتية المتخصصة، والتي تتعمق في علاج الاضطراب أو الأزمة التي يمر بها الشخص.
- متى ظهر العلاج الإبداعي بالكتب؟
يعتقد أن العلاج بالقراءة يرجع إلى الحرب العالمية الأولى، عندما استخدمت الكتب الخيالية والواقعية لتخفيف معاناة الجنود وصدماتهم، لتعود مرة أخرى في تسعينيات القرن الماضي.
- الأدب والشعر وتطوير الذات لعلاج القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل
أفادت دراسة صغيرة، تتبعت مجموعتين يصل عدد أفرادهما إلى 8 أشخاص مصابين بالاكتئاب، بتحسن صحتهم النفسية على مدارعام حضروا فيه جلسات قراءات جماعية للشعر والرواية، ويرجع ذلك إلى تخفيف حالة عدم اليقين التي تسبب القلق والاكتئاب عند هؤلاء الأشخاص، من خلال عرض شخصيات أدبية، مثل العديد من قصص القرن التاسع عشر التي تُشبه قصص شيرلوك هولمز، توضح أن العالم متوقع.
وأشارت أيضًا دراسة أجريت عام 2004، إلى أن كتب تطوير الذاتية يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى دراسة أخرى أجريت عام 2006 أوضحت أن فعالية هذه الكتب في في الحد من الشراهة والتقيؤ وأعراض الاكتئاب، للمرضى الذين يعانون من اضطرابات الأكل.
- القصص الخيالية لعلاج مشاكل التواصل
تشير الدراسات إلى أن قراءة القصص تعزز التعاطف، وتجعل الناس أقل عرضة لوصم الفئات المهمشة، وتجعلهم أكثر لطفًا مع الآخرين، وتعزز ثقتهم بأنفسهم.
التعافي من خلال قراءة قصص السيرة الذاتية يساعد هذا النوع من الكتب الأشخاص الذين مروا بتجارب مشابهة لقصة الشخص الذي يقرأون سيرته الذاتية، من خلال توفير تجربة محاكاة، عبر رحلة طويلة يخضوها الشخص عبر صفحات الكتاب، يشعر فيها بأنه مع صديق يشاركه همومه وإحباطاته، فيشعر بمن يتقاسم معه مشاكله، مما يحد من تأثيرها السلبي عليه، وإذا تمكن بطل القصة من التغلب على التحديات، يشعره بالأمل كونه يستطيع بدوره أن يتغلب على الظروف المشابهة.
- اضطرابات الأكل تنتكس بالقصص الخيالية
أجريت دراسة عام 2018، بالتعاون بين إميلي تروسسيانكو، عالمة الأدب بجامعة أكسفورد ومؤسسة "بيت" الخيرية البريطانية لاضطرابات الأكل، لاستطلاع آراء ما يقرب من 900 شخص، عانى معظمهم من اضطراب في الأكل.
سأل المشاركون في الاستطلاع عن تأثير قراءة الروايات الخيالية على مزاجهم، وتقديرهم لذاتهم، ونظامهم الغذائي، وعاداتهم في ممارسة الرياضة، وشعورهم تجاه أجسامهم، وذكر المشاركون أن قراءة قصص خيالية تدور حول شخصيات تعاني من اضطرابات الأكل أدى إلى تفاقم أعراضهم، وزيادة المشاعر السلبية تجاه أنفسهم وأجسامهم.
- هل العلاج بالقراءة يشترط أن تكون قارئًا؟
قد يناسب العلاج بالقراءة الأشخاص القارئين بطبعهم، وأيضا من لم يعتادوا القراءة.
ويمكن لمن لم يعتد القراءة ويرغب في تجربة العلاج بالقراءة، الذهاب إلى المكتبات العامة، واستعارة العديد من الكتب مجانًا، واستبدال الكتاب بآخر إذا لم نتفاعل معه، أو تجربة كتاب أقصر، أو نوع مختلف من الكتب.
وفي حال أن القراءة لا تناسب الشخص، يمكن إيجاد طرق أخرى لتحسين الصحة النفسية، مثل الموسيقى أو الفنون البصرية، المهم هو اتخاذ خطوات جادة نحو التعافي بالطرق التي تناسب كل شخص.