حسام فخر: أتعامل بقسوة مع ما أكتبه.. ولو تسامحت مع نفسي لتمكنت من النشر أكثر (حوار) - بوابة الشروق
الإثنين 25 أغسطس 2025 3:44 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

حسام فخر: أتعامل بقسوة مع ما أكتبه.. ولو تسامحت مع نفسي لتمكنت من النشر أكثر (حوار)

حوار: إيمان صبري خفاجة
نشر في: الجمعة 22 أغسطس 2025 - 7:09 م | آخر تحديث: الجمعة 22 أغسطس 2025 - 8:30 م

• الكاتب يتنافس على أثمن وأندر سلعة فى الحياة وهى الوقت..
• فى قصة «حواديت الآخر» كانت أول مرة أجد فيها صوتى الخاص.. وأتحرر من أسر وسطوة يوسف إدريس
• الشكل الأدبى الذى كتبت به «لسان عصفور» شديد الصعوبة ويعرف بالقصة الومضة
• وجود نجم كبير مثل محمد المخزنجى دفع كتاب جيلنا إلى أن يخرجوا أفضل ما عندهم.
• بدأت رحلة الكتابة منذ الطفولة، وجدتى أمينة حسن كانت قارئتى الأولى
• يوسف إدريس هو من قدّم مجموعتى القصصية الأولى بمقدمة لم أكن أعلم عنها شيئًا، بينما حدث ذلك بالصدفة
• صلاح جاهين كان الراعى لى فى اهتماماتى الأدبية وكتاباتى، وقدّم لى نصيحة عمرى
• كان نفسى أكون شاعرا، لكن لم تكن عندى الموهبة، فوجدت أن قالب القصة القصيرة هو الأقرب إلى جوهر الشعر
• أتابع الجوائز الأدبية، لكنها ليست المعيار الوحيد للحكم على العمل

من بين الإصدارات المتنوعة التى صدرت عن دار الشروق فى معرض القاهرة الدولى للكتاب لهذا العام 2025، كانت لنا وقفة طويلة أمام كتاب لسان عصفور، الذى صدر أثناء فعاليات المعرض.

 

 

أميرة أبو المجد، العضو المنتدب بدار الشروق، تهتم بكافة الإصدارات، وتتميز بحضورها اليومى لفعاليات المعرض، والتواجد بين جناحى الدار للوقوف على انطباعات القراء ولقاء الكتاب. لكن يظل أهم ما يميز حضورها هو شغفها بالحديث عن الإصدارات الحديثة واستطلاع آراء الزوار حولها ومدى أهميتها.

كنت واحدة من هؤلاء المحظوظين بهذا الشغف، الذى اختصر فى حديث جانبى مطول ومفصل عن الإصدارات، لكنها خصت ـ بشغف القارئة التى عثرت على نص ثرى ـ الحديث عن كتاب لسان عصفور.

أشادت بالقدرة المذهلة للكاتب على تكثيف أحداث القصة، حتى إن بعض النصوص يمكن أن تعد كلماتها على أصابع اليدين، وبالرغم من ذلك يصل المضمون والمعنى شاملا نواحى الحياة بمتاعبها وأفراحها وذكرياتها وماضيها وحاضرها وما ينتظرنا فى المستقبل، فهذا الكتاب يحمل بين دفتيه فنا نادرا من فنون السرد.

زادنى الحظ سعادة بحضور مؤلف الكتاب، الأستاذ حسام فخر، أثناء حديثنا، فازداد حماس السيدة أميرة أبو المجد للحديث عن العمل، وأهدتنى نسخة موقعة منها ومن الكاتب، بدأت قراءتها قبل مغادرتى المعرض وخلال رحلة العودة إلى المنزل.

ومرت الأيام، وأعلن الأستاذ حسام فخر عن كواليس نشر الكتاب وإصداره عن دار الشروق، من خلال صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، فى حكاية مفادها علاقة أدبية وإنسانية نادرة جمعته بالكاتب الدكتور محمد المخزنجى.

بقدر ما حملت الحكاية التى رواها حسام فخر من وضوح، بقدر ما أثارت فضول القراء: متى وكيف نشأت هذه الصداقة النادرة؟ وأين يقف حسام فخر من صخب الوسط الأدبى؟ وكيف يتفاعل معه؟ ولماذا يفضل فن القصة القصيرة؟

كل هذه الأسئلة وغيرها حملناها إليه فى هذا اللقاء، ليكشف لنا محطات من مسيرته الأدبية، ويبوح بمفاجآت حول علاقاته بكبار الكتاب، فضلا عن كواليس علاقته النبيلة بالأستاذ محمد المخزنجى التى امتدت لسنوات طويلة قبل اللقاء.

- قلما نراك في الفعاليات الأدبية ولا نعرف الكثير عنك بعيدًا عن نصوصك، فهل تسمح لنا بالتعرف أكثر على جوانب من حياتك الشخصية بعيدًا عن عالم الكتابة؟

لأني تخرجت من كلية العلوم السياسية، جامعة القاهرة، واشتغلت في مجال تدريس اللغة والترجمة، ثم انتقلت بعدها إلى العمل في الأمم المتحدة، حيث عملت في الترجمة الفورية حتى عام 2019.

- كيف بدأت مشوارك مع الكتابة في ظل مشاغلك المهنية، والتنقل الدائم والغربة؟

بدأت منذ الطفولة، كنت أسمع حكايات، وأستيقظ في اليوم التالي لأكتبها، وأجري تغييرا واحدا، وهو أن أصبح أنا البطل. ثم قالت لي جدتي، التي كانت قارئتي الأولى: "بطل تكتب الحواديت اللي بتسمعها، وابدأ اكتب الحواديت اللي عاوز تسمعها"، وكانت تعطيني خمسة قروش، وهي ثروة صغيرة في الستينيات، عن كل قصة أكتبها. ثم في سن المراهقة، بدأت أقرأ كثيرًا في مجالات أدبية عديدة، فالقراءة هي هوايتي الأساسية، ومنذ ذلك الوقت وجدت أن قالب القصة القصيرة كأنه يدعوني، يقول لي: هذا هو المجال الذي تستطيع الكتابة فيه.

- متى قررت أن تخوض تجربة النشر وماذا عن أول أعمالك القصصية؟

لم أكن متحمسا لنشر مجموعتي الأولى، ولها قصة؛ فأنا كنت قد قررت أن أي عمل سأصدره سيكون مهدى إلى صديقتي الأولى، أمينة حسن، جدتي. وفي عام 1985، كانت قد تقدمت في السن، وتخوفت من أن يقضي الله قدره، فقررت نشرها علشان جدتي تشوفها. فصدرت أول مجموعة عام 1985 بعنوان البساط ليس أحمديًا، عن مطابع الأهرام، وأكرمني أعظم كتاب القصة القصيرة، الدكتور يوسف إدريس، بمقدمة مذهلة جاءت بالصدفة. وفي بداية التسعينيات، صدرت المجموعة القصصية الثانية بعنوان أم الشعور، عن "مختارات فصول" بالهيئة العامة للكتاب.

- ذكرت أن الدكتور يوسف إدريس كتب مقدمة لمجموعتك القصصية الأولى بالصدفة، هل يمكن أن تحكي لنا كيف حدث ذلك؟

حدثت هذه الصدفة لأن هناك صلة قرابة تربطني بصلاح جاهين، وفي نفس الوقت كان أستاذي، والراعي الأساسي في اهتمامي بالأدب، وفي قراءاتي، وفي كتابتي. فقررت عرض المجموعة على جاهين وأسأله إذا كانت تستحق النشر. أرسلتها إليه في البريد، وهو تطوع أن يرسلها إلى صديقه، الدكتور يوسف إدريس، لكي يقول رأيه فيها؛ فهو كان شاعرا عظيما، ورساما عظيما، وممثلا عظيما، لكنه لم يكن قصاصا. فقرأها الدكتور يوسف إدريس، وقال له: "أنا عاجباني جدا وعاوز أكتب لها مقدمة"، وهذا ما حدث دون علمي. وتصادف أن والدي حضر إلى نيويورك، وأحضر لي ورقة مصورة كتب فيها هذه المقدمة، التي أذهلتني وأرعبتني.

- هل أتيحت لك الفرصة للقاء الدكتور يوسف إدريس وجها لوجه بعد أن كتب المقدمة؟

قابلته مرة واحدة بعد صدور المجموعة، حين طلبت موعدا كي ألتقي به وأشكره فقط، ولم يكن لقاء طويلا.

- كان صلاح جاهين أستاذك وراعيك الأدبي، فكيف أثر في رحلتك الأدبية والإنسانية فيما بعد؟

كان أستاذي، ومن كان يرعاني في قراءاتي وفي محاولاتي الأولى في الكتابة. دائما كنت أعرض عليه كل ما أكتبه وأسمع رأيه، وكان قليل الكلام جدًا، يعني يقول: "حلوة". وأعطاني نصيحة عمري، حين قال لي: "طلع اللي في قلبك، اكتبه، واركنه على جنب، وانساه شوية، وارجع له تاني بـ(ساطور الجزار) وعدسة وملقاط الجواهري" — كان هذا هو التعبير بالحرف، ما زلت أذكره. اللي تلاقيه مالوش لزوم، انزل عليه بالساطور بلا رحمة وشيله. واللي تلاقيه بعدسة وملقاط الجواهرجي يستحق البقاء، يبقى هو ده اللي يبقى.

- لماذا اخترت القصة القصيرة كقالب إبداعي، رغم أن الرواية تحظى بانتشار وإقبال أوسع؟ وهل تفضل فن القصة القصيرة في القراءة والكتابة؟

في مقولة تقول إن الرواية هي ديوان العرب الجديد، وأنا طبعا أحب الروايات جدًا، لكن لا أجد نفسي إلا في القصة القصيرة. أنا كان نفسي أكون شاعر، لكن للأسف لم تكن لدي الموهبة، فوجدت إن القصة القصيرة هي أقرب أشكال الأدب إلى جوهر الشعر، فأصبحت هي وسيلتي للتعبير عن نفسي. وفي نفس الوقت، مع الزمن، أدركت إن الكاتب يتنافس على أثمن وأندر سلعة في الحياة، وهي الوقت، وسط وسائل التواصل الاجتماعي، والتليفزيون، والإنترنت، والكورة، والأحداث المتوالية. فشكل العمل الطويل قد لا يكون مناسبا للعصر، والأقصر قد يكون أقرب لروحه. لكنها في النهاية تفضيلات شخصية.

- رغم محبتك واختيارك للقصة القصيرة كقالب يعبر عنك، إلا أن لك تجربتين روائيتين. ما ظروف كتابة كل منهما؟

لا أستطيع أن أقول عنها روايات؛ التجربة الأولى كانت نوفيلا بعنوان "يا عزيز عيني". والأخرى بعنوان "حواديت الآخر"، مجموعة قصصية في شكل رواية. وفي الأصل، كان الجزء الأول المكتوب منها قصة من مجموعة "أم الشعور". فهذه المجموعة لم تلق أي اهتمام، ولم يكتب عنها أحد، والموضوع حز في نفسي جدا، لأن قصة "حواديت الآخر" كانت أول مرة أجد فيها صوتي الخاص، وأتحرر من أسر وسطوة يوسف إدريس.

- كيف تصف تأثرك بيوسف إدريس؟ وكيف تحررت من سطوته؟

كنت متأثرا به جدًا جدًا، لدرجة إني كنت أكتب عن الريف وأنا عمري ما عشت في الريف. وفي بداية الألفينات، التقيت بالأستاذ جمال الغيطاني لأول مرة في نيويورك، وقرأ القصة، فقال: "دي قصة جميلة جدًا، لكنها لم تكتمل". وحين عدت إلى القاهرة في إجازة، وكالعادة، بمجرد أن أصل المطار أشتري الجرائد، فوجئت بأن الغيطاني نشرها في "البستان" — الجزء المخصص في الجريدة للكتاب غير الصحفيين — وكتب تعليقا يقول فيه: إنها جزء من عمل جديد يعكف الكاتب على إنجازه. فكلمته وقلت له: "يا أستاذ جمال، دي غلطة بحسن نية ولا توريطة؟" فضحك، وقال لي: "كلك نظر". فقررت إني أستكملها، لكنها في الحقيقة مجموعة قصص قصيرة متصلة منفصلة، والقصص بتتوالد من بعضها في نفس الإطار. وهي مستوحاة من ألف ليلة وليلة، لذلك لا أستطيع أن أطلق عليها رواية. في النهاية، كاتب القصة القصيرة انتصر، حتى لو كنت أحاول أن أكتب رواية.

- حظيت أعمالك الأولى باهتمام لافت من كبار الكتاب، فأين هذه الأعمال الآن؟ ولماذا لم تسع حتى الآن إلى إعادة نشرها مصحوبة بتعليقاتهم؟

نشر الجديد كان في حد ذاته عملية صعبة ومضنية جدًا، خصوصا إني عايش بره مصر ومعارفي محدودين. لكن "حواديت الآخر"، نشرتها الأستاذة فاطمة البودي في دار العين، حين التقيتها صدفة مع مجموعة من الأصدقاء. وهناك بعض الأعمال طرحت على منصة أبجد مؤخرا. لكن أنا، منذ عام 1992، قررت إني مش هانشر مرة أخرى؛ فلا جدوى من أن تُخرج كل ما في قلبك، وتدعبس داخل روحك، وتدخل في أماكن مظلمة تؤلمك، ثم لا تنشر ولا يتكلم عنها أحد، لكنه كان موقفا خاطئا مني، حتى عام 2003، في أول لقاء لي بمحمد المخزنجي.

- هل يمكن أن تطلعنا على كواليس هذا اللقاء الأول بينك وبين المخزنجي؟ وكيف كان سببًا في عودتك إلى الكتابة من جديد؟

بالرغم من إننا كنا لمدة 18 عاما نتبادل رسائل المودة والمحبة من خلال أصدقاء مشتركين، لكننا لم نلتق. وحين التقينا قال لي كلمات أشعلت حماسي، وأهداني كتابه عن كارثة تشيرنوبل. وأنا أقلب في الصفحات، قلت لنفسي: طيب، إنت بتقول إن في أخوة روحية تربط بينكم، وإنكم بتنهلوا من نفس المعين، بالرغم من إن كل منكم بيعبر عنه بطريقة مختلفة. وشاءت الظروف أن واحد يتجه إلى أوكرانيا ويشهد كارثة تشيرنوبل، ويعمل واجبه ويكتب عنها، وإنت تروح نيويورك وتشهد كارثة 11 سبتمبر، ولا تكتب، ولا تتكلم، ولا تقول أي شيء! فعيب عليك.

فكانت النتيجة أول عمل، وهو "وجوه نيويورك"، ثم "يا عزيز عيني"، وموضوعها الأساسي هو الغربة، ثم "حكايات أمينة" الذي فوجئت إنه حقق نجاحًا مذهلًا، وأخدت عنه جائزة ساويرس. ثم توقفت مرة أخرى بسبب وظيفتي الجديدة في الأمم المتحدة، التي أخذت كل وقتي، فكنت أكتب ببُطء شديد. فمنذ 2008 حتى بدايات 2021، صدرت مجموعة "بالصدفة والمواعيد" عن دار العين، ثم "لسان عصفور" التي يعرف الجميع قصته.

- لماذا كان اختيارك لمحمد المخزنجي تحديدًا؟ وكيف بدأت تلك الصداقة وهذا الإعجاب؟!

بدأت بأن مجموعته الأولى ومجموعتي الأولى صدرا في نفس الوقت، وأنا قرأت أعماله وانبهرت، وشعرت أن هذا إنسان تربطني به صلة روحية عميقة، وهناك تماثل شديد في رؤيتنا للدنيا وإحساسنا بها. ثم صدرت "رشق السكين"، التي أعتبرها واحدة من أعظم المجموعات القصصية التي كُتبت بالعربية. وكان فيها شكل "القصص القصيرة جدًا" الذي كنت أغازله من بعيد. ولنا صديق مشترك هو الأستاذ بهاء جاهين، وبدأنا نتبادل رسائل المحبة من خلاله. وحين التقينا عام 2003، قلت: "القصة دي لها نهايتين: إمّا نصبح أصدقاء، أو تصبح نهايتها الأدبية مثل قصة تولستوي وفلاديمير سولوجوب، اللذين ظلّا يتبادلان رسائل الإعجاب لمدة 20 سنة، وحين التقوا، لم يطق أحدهما الآخر". فالحمد لله، أصبحت النهاية إنسانية وجميلة.

- هنا لا بد أن يتساءل القراء: كيف أثرت روح التنافس في العلاقة التي جمعت بينكما؟ وهل كانت عامل تقارب أم تباعد؟

 إحنا بنكتب بنفس الطريقة ونفس القالب، فالوضع الطبيعي إننا نكون متنافسين. لكن التنافس له شكلين: فيه شكل بغيض من الغيرة وفيه نوع تاني، اللي هو جزء من روح الفريق، بمعنى إن داخل الفريق الواحد، بيكون فيه روح منافسة، ووجود نجم كبير في الفريق بيدفع كل أفراد الفريق إنهم يطلعوا أفضل ما عندهم، علشان ما يضيعوش في وهج نوره. وده أحد أسباب اختياري إهداء الكتاب له.

 

 

- من الواضح في حديثك أنك تكنّ قدرا كبيرا من التقدير ليس فقط للكتاب السابقين، بل أيضا لكتاب جيلك. كيف ترى هذه العلاقة؟

الإنسان الذي يرى نفسه "نبتا شيطانيا"، لا صلة له بمن قبله أو بعده أو معه — هذا، في اعتقادي، خطأ أدبي وأخلاقي. وقد كتبت مرة عن الأستاذ العظيم جدًا، والمظلوم جدًا، محمد حافظ رجب، حين قال: "نحن جيل بلا أساتذة". وأنا أحب قصصه القصيرة إلى أبعد الحدود، لكن قلت: "لأ، مقدرش أقول كده!" فـ يحيى حقي، ومحمود طاهر لاشين أجدادي، ويوسف إدريس وأنت آبائي، والبساطي، ومحمود الورداني، وإبراهيم أصلان، ويحيى الطاهر عبد الله أعمامي، والمخزنجي أخي.

أنا مش طالع من فراغ. أنا أقرأ بعين شخص محب للأدب ويطمح أن يكون كاتبا حتى هذه اللحظة. من كثيرين جدًا تعلمت كيف لا يجب أن تكون الكتابة، ومن قلة قليلة تعلمت كيف يجب أن تكون. ومن تعلمت منهم ليس بالضرورة أن يكونوا أكبر مني أو سبقوني، قد يكونوا زملائي أو كتابا جاءوا بعدي. ولدينا شباب يكتبون أعمالاجميلة، وأزعم أني تعلمت منها.

- هل هناك أسماء من الجيل الجديد تتابع أعمالها وتجد فيها ما يثير اهتمامك كقارئ؟

هناك عشرات الآلاف من الكتاب الذين أقرأ لهم، وفي أكثر من لغة، لذلك يصعب أن أذكر أسماء محددة منهم. لكنني أتابع أعمال الجيل الجديد في مجال القصة القصيرة، ومستبشر خيرا بهذا الفن الجميل. غير أنني أخشى أن أخص أحدا بالذكر على حساب الآخرين.

- لم يقتصر إهداء مجموعتك القصصية الأحدث لسان عصفور إلى محمد المخزنجي فقط.. فقد أهديتها أيضًا إلى الكاتب ياسوناري كواباتا، لماذا؟

لأنه روائي كتب مجموعة قصصية بديعة بعنوان "قصص بحجم راحة اليد"، وهي قصص قصيرة مكثفة قرأتها في بدايات شبابي، وأعدت قراءتها مرات، ودائما ما تبهرني، وأقول: هذه هي الكتابة كما يجب أن تكون. كما كنت أرغب في الإشارة إلى الأدب العالمي في هذا الجزء بالتحديد.

- متى بدأت كتابة نصوص مجموعتك الأحدث لسان عصفور؟ وما الذي ألهمك لاختيار هذا القالب المكثف في السرد؟

بدأت الكتابة منذ زمن طويل، أنا معجب جدا بهذا الشكل من الكتابة، وسبق أن كتبته من قبل في أكثر من قصة في مجموعة "البساط ليس أحمديًا"، وكنت أتمنى أن أستمر فيه. وقررت، حين أنجح فيه، أن يكون هدية للمخزنجي وكاواباتا. فكنت أعمل على قصة وأتركها شهورا، ثم أعود إليها مرة أخرى، وحين وصلتُ إلى يقين بأني لن أستطيع أن أكملها بسبب ضيق الوقت، حسيت قد إيه الشكل ده صعب جدًا.

- أين تكمن صعوبة هذا الشكل الأدبي بالتحديد؟

تكمن الصعوبة في أن هذا الشكل يتطلب تركيزا ودقة شديدة في اختيار القصة الومضة، أو ما يعرف بالـ flash fiction بالإنجليزية. فالقصة الومضة، إذا لم يكن الكاتب صارما جدا مع نفسه، يمكن بسهولة أن تنزلق إلى النادرة أو الترفة أو النكتة. هو شكل صعب ومرهق، وكنت في ذلك الوقت لا أملك لا الطاقة ولا الوقت اللازمين له. وعندما وصلت إلى قناعة بأني لن أتمكن من استكماله، قررت أن أهديه للمخزنجي كهدية شخصية مني إليه.

- مجموعة لسان عصفور تتميز بتنوع كبير في الموضوعات وأسلوب السرد، فهل تختار الموضوع وطريقة السرد قبل أن تبدأ في الكتابة.. أم أن كل ذلك يتشكل لحظة الكتابة؟

هي بالتأكيد وليدة لحظة الكتابة، فأنا لا أخطط مسبقا، فالتخطيط يصلح للمقال أو الدراسة، لكن في القصة أكتب ما يبعثه الله إلي دون حسابات. أما عن السرد، فالشكل عندي تابع للمضمون، لذلك لا أتبنى أسلوبا سرديا ثابتا. القصة هي التي تختار طريقة سردها، وغالبا ما أعيد التدقيق والمراجعة لاحقا، وقد يتغير السرد خلال تلك المرحلة.

- قصة العيون من أكثر القصص القريبة من واقعنا الحالي وتتمثل فيها حركة العصر، فهل تحمل أيضًا نبوءة للمستقبل؟!

هي بالضبط ما تقوله، لقد أصبحنا جميعا معزولين عن بعضنا البعض. فقد يكون أحدنا جالسا في مجلس، يتحدث مع شخص يبعد عنه آلاف الأميال، بينما لا يتحدث مع من يجلس إلى جانبه. ذلك الإحساس العميق بالوحدة، الذي قد يشعر به الإنسان وسط مجموعة من الناس، كل منهم ينظر إلى هاتفه هو إحساس مؤلم للغاية.

في قصة الدقائق نلمس طرحا لأكثر من موضوع تتقاطع جميعها عند معاناة المرأة.. إلى جانب البعد الروحاني الذي يميز القصة بشكل واضح.. هل كان هذا التداخل بين المعاناة والروحانية مقصودا؟!

أتمنى أن يكون في كل ما كتبته في هذا الكتاب جانب روحاني، لكنني متعاطف جدا مع المرأة في عصرنا الحالي. فالجهد المطلوب من كل امرأة لتعمل، وتعتني بالمنزل والأبناء، هو جهدٌ ضخم. وأشعر بأنها كي تتمكن من مواجهة هذا الكم الكبير من المسؤوليات والواجبات، تحتاج إلى أن تكون الساعة مائة دقيقة. وللأسف، كثير من الرجال لا يدركون حجم هذا العبء الواقع على شريكاتهم، ولا يؤدون الدور الكافي لتخفيفه عنهن.

- لماذا ضم كتاب لسان عصفور قصصا من إصداراتك السابقة.. رغم أن بعضها لا يطابق القالب المكثف الذي يميز الكتاب؟

هناك سببان؛ الأول أن هذه الأعمال الأولى قد انقرضت تماما في شكلها الورقي، وكان صعبا عليا أن تندثر. السبب الثاني أن القصص التي اخترتها من المجموعات، كأنها كانت مكتوبة لتكون جزءا من "لسان عصفور"، الذي لم أكن أعرف وقتها أنني سأكتبه؛ فالشكل، والتكثيف، والجوهر الشعري، كانت أقرب إلى "لسان عصفور" منها إلى المجموعات التي صدرت فيها أصلا.

- ذكرت أن هذا النوع من الكتابة بالغ الصعوبة.. فهل كانت هناك قصة بعينها شعرت أنها الأصعب أثناء كتابتها؟ ولماذا؟

لا أستطيع أن أقول إن واحدة منهن كانت الأصعب من ناحية الكتابة، لكن، ودون أن أستخدم كلاما كبيرا، هناك حكايات تخرج وتطلع من القلب وتوجع. فمثلا، قصة "لسان عصفور" كانت موجعة جدا وأنا أكتبها، وأيضا قصة "نغم" وجعتني جدًا لأنها تتكلم عن الشوق الدائم، وهذا هو حياتي كلها. أنا مغترب، والمغترب، في أحد تعريفاته بالإنجليزية، هو: الذي يقضي حياته مشتاقا إلى المكان الآخر. فحين أعترف بذلك، وأجرؤ على نشره للناس، فهذا شيء يؤلم ويخيف. وأنا هنا أؤكد مرة أخرى أني لا أتحدث عن صعوبة الكتابة، بل عن صعوبة الإحساس أثناء الكتابة.

- يضم كتاب لسان عصفور موضوعات متعددة وشخصيات متنوعة بملامح مختلفة.. ألم يستوقفك أحدهم للكتابة عنه مجددا، ومنحه مساحة ربما أوسع في عمل روائي؟

أنا عندي أزمة شديدة جدا. هناك اهتمام من دارين نشر بإعادة نشر كتاب "حكايات أمينة"، وصديقتي العزيزة الراحلة الدكتورة سمية رمضان ظلت تقول: "أنت لازم تعيد كتابتها كرواية، لأنها بذرة رواية كبيرة"، وقلت لها: "أعدك أني سأحاول، ولكن لا أعدك أنني سأنجح." وفعلا حاولت أكثر من مرة، واكتشفت أني غير مؤهل لكتابة شكل الرواية، غير قريب مني، ولا أظن أنني أملك أدواته. فهو يحتاج أيضًا إلى صبر وأناة، والدفقات الشعورية التي تأتيني لكتابة قصة قصيرة مختلفة تمامًا عن تلك التي تأتي لكتابة رواية. كما أنني أودع أبطالي بعد الكتابة عنهم، لأني لا أحب التكرار.

- ألم تتخوف من استقبال القراء لهذا النوع من الكتابة خاصة مع تصنيفه في صفحة التعريف بالكتاب كمنمنمات قصصية؟

الحقيقة لا، لأن بالنسبة لأي كاتب، وعلى الأقل بالنسبة لي شخصيًا، لحظة الكتابة هي لحظة الحرية الكاملة الوحيدة في حياتي، وأنا غير مهموم بالتصنيفات أو التعريفات، حتى لو كنت أنا واضعها. بمعنى: أنا في البداية سميتها منمنمات، وأثناء الكتابة كانت هناك أكثر من قصة طالت عن غيرها، لكن شعرت أن روحها هي جزء من هذا الكتاب، بغض النظر عن عدد الأسطر أو الكلمات. وفي النهاية، لم أكن متخوفا، فأنا ألعب، وألعب بحرية كاملة.

- إلى أي مدى تتابع انطباعات القراء وتعليقاتهم على العمل؟

أنا أهتم بتأويلات القراء، لكن لا أحاول أن أفرض عليهم تفسيرا معينا، فالعمل لم يعد ملكي بعد النشر، بل أصبح ملكا لكل من يقرؤه بالطريقة التي تتوافق مع وجدانه. وكل ما أهدف إليه هو أن أثير شعور من يقرأ، وأدفعه للتفكير ولو قليلا، وإذا تحقق هذا، أكون سعيدا وممتنا.

- هل يمكنك أن تحدثنا عن ردود الأفعال التي تلقيتها حول كتاب "لسان عصفور"؟

ردود الأفعال كانت إيجابية جدا، فرحت بها كثيرا، واستقبلت أغلبها في صورة تعليقات جاءت بشكل شخصي على فيسبوك. وهناك مقالان نقديّان عن لسان عصفور، أحدهما لبهاء جاهين، والآخر للدكتور حسين حمودة، الذي كتب عن نصوص حسام صخر وخصَّ لسان عصفور بنصف المقال، وذلك في حد ذاته اهتمام، والاهتمام لا يعني بالضرورة الإعجاب. لا وهم عندي بأن ما أكتبه سوف يعجب كل الناس، ولا أن كل القصص في نفس العمل سوف تعجب كل القراء، فالأشياء تتفاوت.

- في رأيك هل تعتقد أن هذا الشكل من الكتابة نال ما يستحقه نقديًا؟

حقيقة الأمر أن الحركة النقدية في مصر في الوقت الحالي ينقصها الكثير. وأظن أن الأمر لا يتوقف على هذا الشكل فقط، بل يشمل كل الإبداعات الأدبية الجديدة. لا أشعر أن هناك اهتماما نقديّا بكل ما يصدر، أو حتى ببعض ما يصدر، فإذا كان هناك نقص في الاهتمام، فهو يشمل كل الأشكال.

- كتاب حكايات أمينة حصل على جائزة ساويرس عام 2008، فهل تتابع حركة الجوائز الأدبية عادتا؟ ولماذا؟

طبعا أتابع الجوائز الأدبية، لكي أتعرف على الأعمال التي وصلت إلى القوائم القصيرة وأقرأها، لأن متابعة هذا الكم اللانهائي من الإصدارات التي تصدر كل عام أمر مستحيل، فالغربلة التي تقوم بها لجان التحكيم، خاصة في القوائم القصيرة، تساعدني جدا في اختيار الأعمال التي أقرأها. وينطبق الأمر نفسه على جوائز القصة القصيرة والترجمة.

في رأيك، هل تعد الجوائز الأدبية معيارا حقيقيا للحكم على جودة العمل؟ وما الأثر الذي تتركه مثل هذه الجوائز على الكاتب؟

بالتأكيد لا، فقد قرأت روايات كنت أراها تستحق أكبر الجوائز الأدبية في العالم ولم تحصل عليها. في النهاية، لجنة التحكيم تتكوّن من أفراد، وكل عضو لديه ذائقته الشخصية وأفضلياته الأدبية، وأظن أن هناك أحيانا بعض الاعتبارات الإقليمية أيضا. لذلك، لا يمكن اعتبار الجوائز المقياس الوحيد لجودة العمل، فهي فقط أحد المقاييس. وأي كاتب يحظى بتكريم يشعر بالإنجاز، وفي الوقت نفسه، يدفعه ذلك للاستمرار والتجريب، ومحاولة تقديم أشكال جديدة. كما تمثل الجوائز فرصة كبيرة للاهتمام بترجمة الأعمال.

- هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتك في الترجمة؟ وهل هناك أعمال تمنيتَ ترجمتها؟

عملي الأساسي هو الترجمة الفورية في المؤتمرات الدولية، وقد ترجمت كتابا واحدا فقط، وهو "السعي إلى العدالة" للدكتور خالد فهمي، ونشرته دار الشروق. الكتاب دراسة تاريخية أكاديمية شديدة التخصص، وهو عمل فريد ترجمته لأني أحببته فعلا. أما فيما يتعلق بالأعمال الأدبية، فكان هناك عملان تمنيت أن أترجمهما، لكن للأسف حين تواصلت مع دور النشر، كانت حقوق الترجمة قد ذهبت إلى دور نشر أخرى، الأول هو "مقبرة القصص التي لم ترو" لكاتبة أمريكية دومينيكية، والثاني عمل لكاتبة كورية أمريكية عن الكوريين الذين عاشوا في اليابان خلال فترة الحرب العالمية الثانية.

- كيف تختار العمل الذي تقرر ترجمته؟ ما الذي يجذبك فيه؟

الأعمال هي التي تختارني أثناء القراءة حين أشعر أنها تخاطبني، فأنا قضيتُ 37 سنة من عمري أترجم كلامًا لا أحبه ولم أختَره، ففي هذه المرحلة من عمري من حقي أن أترجم أشياء أحبها، فأنا لا أعتبر نفسي مترجما محترفا.

- من المترجم الذي تحرص على متابعة أعماله؟

الأستاذ سمير جريس، الذي يترجم عن الألمانية، فهو يقوم بعمل مؤسسي متكامل، وأنا دائمًا أقول له: "أنا بحسدك على الطاقة والقدرة"، لأن ترجماته بمستوى رفيع جدًا. أنا لا أعرف الألمانية، أقرأ بالعربية والإنجليزية والإسبانية فقط، فتعرفت على الأدب الألماني من خلال ترجماته.

- بعد كل ما أنجزته.. ما هو التحدي الذي لا يزال يقف أمامك ككاتب؟

الوقت، لكني تحررت حاليا من أسر الوظيفة، فأصبحت أستطيع أن أكتب أكثر. لكن هناك تحد آخر، وهو أني أتعامل مع ما أكتبه بقسوة، ولو تسامحت مع نفسي، سأتمكن من النشر أكثر.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك