تُعد الثانوية العامة واحدة من أكثر المراحل الدراسية إرهاقًا للطلاب والأسر على حد سواء، فبدلًا من أن تكون فرصة لاكتساب المعرفة وبناء المستقبل باتت مصدرًا للتوتر والحيرة، كما أصبحت الدروس الخصوصية أمرًا واقعًا لا مفر منه بعد أن تخلت المدارس تدريجيًا عن دورها الأساسي في التعليم، فوجد الطالب نفسه عالقًا بين جداول مزدحمة، وحصص متلاحقة، وضغوط أسرية ومجتمعية تدفعه للتفوق بأي ثمن.
ومع مرور الوقت أصبح كثير من الطلاب منهكين نفسيًا وذهنيًا قبل الوصول إلى الامتحانات النهائية، وهو ما يعكس أزمة حقيقية تحتاج إلى إعادة نظر في طريقة تعاملنا مع هذه المرحلة المصيرية.
ومع اقتراب العام الدراسي واستعداد الطلاب لخوض هذه المرحلة الشاقة، تناقش د. بثينة عبد الرؤوف، الخبيرة التربوية، أبرز العقبات التي تواجه طلاب الثانوية العامة، وكيف يمكنهم التغلب عليها من خلال حديثها إلى جريدة "الشروق".
- البداية المبكرة وإرهاق الطالب
تؤكد د. بثينة أن أكبر خطأ يقع فيه كثير من الطلاب والأهالي هو الاندفاع نحو الدروس الخصوصية والمذاكرة المكثفة قبل انطلاق العام الدراسي بوقت طويل، وكأن التفوق مرتبط بالسباق المبكر.
هذا الأسلوب يؤدي في الغالب إلى إنهاك الطالب واستنزاف حماسه في منتصف العام وفي أشد الأوقات التي يحتاج فيها تكثيف مذاكرته والحفاظ على تركيزه، فيصل إلى فترة الامتحانات منهكًا بالكامل. وترى أنه إذا لزم الأمر فالأنسب خلال فترة الصيف هو الاكتفاء بمراجعة خفيفة أو تدريبات بسيطة على المواد الصعبة فقط، للحفاظ على مرونة الذهن دون إثقاله.
ومع ذلك يصر كثير من الأهالي على حجز الدروس مبكرًا، خاصة بعدما تحول الأمر عند بعض المدرسين إلى "بيزنس" مربح لا يمكنهم التخلي عنه، في ظل تراجع دور المدارس وتخليها عن مسؤوليتها التعليمية منذ ما يقرب من خمسة وعشرين عامًا تقريبًا.
ولم يعد هذا الوباء مقصورًا على الثانوية العامة، بل امتد ليشمل حتى طلاب الصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية الذين يتلقون دروسًا خصوصية في جميع المواد قبل بدء الدراسة.
- المنصات الإلكترونية أفضل لتنظيم الوقت
وتوضح أن الطلاب اليوم أمامهم فرصة حقيقية للتعلم الذاتي من خلال اليوتيوب والمنصات الإلكترونية الرسمية التي تقدم شروحًا مبسطة ومواد تعليمية عالية الجودة.
ومع ذلك، لا تحظى هذه المصادر بالاهتمام الكافي من الطلاب أو أولياء الأمور، إذ يظل كثير من الأهالي مقتنعين بأن أبناءهم لا يستطيعون الفهم إلا بالطرق التقليدية أو عبر الحصص المباشرة مع المدرس، ولا يثقون في قدرتهم على البحث عن المعلومة بأنفسهم.
وتشدد د. بثينة على أن هذه المنصات تمثل بديلًا عمليًا وأفضل من عدة جوانب، فهي تقلل من الاعتماد المرهق على الدروس الخصوصية، وتوفر المال والوقت، كما تمنح الطالب حرية اختيار أسلوب المذاكرة والوقت الأنسب له، وهو ما يساعده على تنمية شخصيته المستقلة وتحقيق التوازن بين التعلم والراحة.
- الاستراحة المنتظمة سر تجديد الطاقة
وتشير إلى أن كثيرًا من الطلاب يحاولون وضع جداول لتنظيم وقتهم، لكنهم في الغالب يفشلون بسبب ضغط مواعيد الدروس الخصوصية التي يحددها المدرسون، وما يفرضونه من واجبات ومراجعات إضافية. هذا يجعل الطالب في حالة استنزاف دائم، وكأن وقته لم يعد ملكه. وهنا تؤكد أن دور الأسرة أساسي في التدخل لمساعدتهم على خلق توازن، من خلال تشجيعهم على أخذ فترات استراحة منتظمة كل فترة زمنية مناسبة.
فمثلًا يمكن الحصول على أسبوع إجازة بعد كل شهرين أو ثلاثة أشهر حتى يتمكن الطلاب من استعادة نشاطهم وتجديد حماسهم. وهذا النظام شبيه بما تطبقه بعض المدارس الأجنبية التي تمنح إجازات قصيرة خلال العام، وهو ما يمنع الطلاب من الشعور بالملل والإنهاك قبل الوصول إلى خط النهاية.
- الميول والقدرات.. الغائب الأكبر
ولفتت د. بثينة إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الطالب أنه لا يدري ما هو هدفه من السنة، فبدلًا من أن يضع طالب الثانوية العامة خطة واضحة تناسب قدراته واهتماماته، يجد نفسه واقعًا تحت ضغوط أسرية ومجتمعية تدفعه لاختيار مسار قد لا يرغب فيه أصلًا، مما يجعلها تشعر بالشفقة على الطالب. فكثير من الأهل يصرون على توجيه أبنائهم نحو كليات بعينها حتى لو لم تكن هذه التخصصات ملائمة لشخصية الابن، ونادرًا ما نجد طالبًا يعرف ميوله مبكرًا ويصر عليها، مثل حالة فتاة أبدعت في الرسم منذ طفولتها فاختارت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، لكن هذه استثناءات قليلة جدًا. فالأغلبية العظمى من الطلاب تتحكم فيهم رغبات الأهل أو أوهام الدروس الخصوصية التي توهمهم بإمكانية تحقيق قفزات غير واقعية في الدرجات، متجاهلين الفروق الفردية بين الطلاب في قدراتهم وميولهم، كطالب اعتاد الحصول على 60% ويظن أنه بالدروس فقط سيصل إلى 90%.
وتشير د. بثينة إلى أنها تأمل أن نظام البكالوريا الجديد، الذي يتيح للطالب اختيار مساره من الصف الأول الثانوي، قد يساعد في حل هذه الأزمة، لكن مع ضرورة تفهم الأهل وعدم ضغطهم على أولادهم لدراسة أكثر من مسار أو إعادة العام الدراسي لتحقيق الكلية التي يحلمون بها هم لا التي تناسب الطالب. فنحن ما زلنا نعاني من أن كثيرًا من الطلاب لا يلتحقون بالكليات التي تتوافق مع قدراتهم، بل بتلك التي تفرضها أسرهم، مثل طالب حصل على مجموع مرتفع ورغب في دراسة الحقوق لكن عائلته أصرت على دفعه نحو كلية الهندسة.