اعتراف الأمم المتحدة بمجاعة غزة.. ما أبرز مجاعات التاريخ الحديث؟ - بوابة الشروق
السبت 23 أغسطس 2025 8:13 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

اعتراف الأمم المتحدة بمجاعة غزة.. ما أبرز مجاعات التاريخ الحديث؟

محمد حسين
نشر في: الجمعة 22 أغسطس 2025 - 6:25 م | آخر تحديث: الجمعة 22 أغسطس 2025 - 6:25 م

في أول إعلان رسمي منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة قبل نحو عامين، أعلنت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، دخول القطاع في حالة مجاعة، مؤكدة أن الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني "من صنع الاحتلال" وليست نتيجة عوامل طبيعية شأن حالات أخرى.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توم فليتشر إن "المجاعة في غزة ينبغي أن توقظ ضمير العالم كله"، مشددًا على أنها كانت قابلة للتفادي لولا المنع الممنهج الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على دخول المساعدات الغذائية والإنسانية.

من جهته، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن ما يحدث في غزة "كارثة من صنع الاحتلال"، محذرًا من أن "تجويع المدنيين لأغراض عسكرية جريمة حرب واضحة". وأضاف: "لا يمكننا أن نسمح باستمرار هذا الوضع من دون محاسبة الاحتلال على جرائمه".

وأكدت المنظمة الدولية أن إسرائيل حولت الغذاء إلى سلاح حرب، عبر فرض حصار خانق وعرقلة دخول الإمدادات بشكل ممنهج، مما أدى إلى انهيار الوضع الإنساني في القطاع.

-الاحتلال ينكر المجاعة: من أكاذيب حماس

وعلى الرغم من وضوح المشهد أمام أعين العالم، أنكر الاحتلال الإسرائيلي المجاعة التي أعلنتها الأمم المتحدة رسميًا؛ فقد رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية، الجمعة، نتائج تقرير "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي"، معتبرة أنه "يستند إلى أكاذيب حماس".

وجاء في بيانها: "لا توجد مجاعة في غزة"، زاعمة أن التقرير "يعتمد على أكاذيب حماس التي تغسلها منظمات ذات مصالح خاصة". هذا في وقت تؤكد فيه الصور والتقارير الدولية انهيار الوضع الإنساني، وبلوغ المدنيين مرحلة الموت جوعًا بفعل الحصار الإسرائيلي الممنهج.

أعاد تقرير الأمم المتحدة عن المجاعة في غزة تسليط الضوء على واحد من أقدم أسلحة الحروب وأكثرها قسوة: التجويع المتعمد للمدنيين. ورغم التطور الكبير في إنتاج الغذاء ووسائل نقله، ما زالت المجاعات تضرب مناطق مختلفة من العالم، ليس بسبب الطبيعة وحدها، بل نتيجة مباشرة للحصار والسياسات العسكرية والصراعات.

** وفي هذا السياق، نستعرض في التقرير بعضًا من أبرز المجاعات التي شهدها العالم في العقود والسنوات الأخيرة، والتي حصدت أرواح الملايين وتركَت آثارًا ما زالت ممتدة حتى اليوم.

- الصومال.. الجوع بين الجفاف والحروب الأهلية

واجهت الصومال عبر تاريخها أزمات مجاعة متكررة، ارتبط بعضها بعوامل طبيعية كالجفاف والتصحر، فيما جاء بعضها الآخر نتيجة مباشرة لاضطراب الأوضاع السياسية وحالة الاقتتال الداخلي المستمرة. غير أن أكثر المجاعات حضورًا في الذاكرة القريبة تبقى مجاعة التسعينيات.

وثّقت هيومن رايتس ووتش أن عام 1992 كان على الأرجح "أشد عام مأساوي في تاريخ الصومال الحديث"؛ ففيه اجتمع الجوع والاقتتال وغياب الدعم الدولي، لتجد الصومال نفسها في مواجهة موتٍ جماعي بلا سقف حماية.

وحصدت تلك المجاعة قرابة 300 ألف وفاة خلال عامي 1991–1992 بسبب الجوع والأمراض المرتبطة به، وفق تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة.

وثّقت تقارير صحفية أميركية آنذاك أن من عاشوا تلك المرحلة يروون رحلة موت بطيء. عائلات بأكملها خرجت من قراها بعد أن التهم الجفاف زراعاتها، هائمة على وجوهها بحثًا عن قليل من الطعام أو قطرة ماء. كانوا يأكلون ثمارًا برية وأوراقًا يابسة، ويصلون إلى القرى الكبرى منهكين، يحملون أطفالًا هزلوا من شدة الجوع أو فارقوا الحياة في الطريق. حتى حين وصلوا إلى مراكز الإغاثة، لم يجدوا سوى حصص إسعافية محدودة لا تكفي لإنقاذ أجساد أنهكها الجوع إلى درجة تعجز معها عن امتصاص الغذاء.

ووفقًا لتقرير نشرته "لوس أنجلوس تايمز" عام 1992؛ فإن المجاعة لم تكن طبيعية فقط، بل كانت من صنع البشر أيضًا. فالمسلحون سيطروا على طرق الإمداد ونهبوا المساعدات، والأسواق انهارت بالكامل، وصار الجوع وسيلة حرب ومساومة. بين الجفاف القاتل والرصاص الطائش وجد المدنيون أنفسهم بلا حماية. المجاعة صارت مرآة لانهيار المجتمع، إذ غابت السلطة وتلاشى القانون، وحلّت مكانهما الفوضى والعنف.

في 2013، كشفت صحيفة جارديان البريطانية، نقلًا عن دراسة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وشبكة الإنذار المبكر بالمجاعة (Fewsnet)، أن المجاعة التي ضربت الصومال بين أكتوبر 2010 وأبريل 2012 أودت بحياة نحو 258 ألف شخص، بينهم 133 ألف طفل دون الخامسة، لتُسجل بذلك أسوأ كارثة إنسانية في القرن الأفريقي خلال الخمسة والعشرين عامًا الماضية.

وتابع التقرير أن المجاعة الأخيرة فاقت في حصيلتها مجاعة عام 1992، التي حصدت أرواح ما يقرب من 220 ألف شخص، رغم أن مجاعة التسعينيات اعتُبرت أكثر حدة لكونها أودت بحياة نسبة أكبر من السكان مقارنة بعددهم آنذاك.

في أبريل 2022، أعلنت الأمم المتحدة أن 81 ألف شخص يواجهون بالفعل أوضاعًا شبيهة بالمجاعة، بينما يعاني نحو 6 ملايين صومالي (40% من السكان) من انعدام أمن غذائي حاد، مدفوعًا بالجفاف المتفاقم، وارتفاع أسعار الغذاء بسبب الحرب الروسية–الأوكرانية، وتراجع التمويل الإنساني.

وفي فبراير الماضي، قالت الفاو إن الجوع يهدد 4.4 مليون شخص في الصومال بسبب الجفاف والصراع وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

- إثيوبيا.. نصف مليون ضحية في مجاعة توراتية

في مطلع الثمانينيات، ضرب الجفاف مناطق واسعة شمالي البلاد، خاصة إقليم تيجراي وإريتريا (التي كانت آنذاك تحت الحكم الإثيوبي)، ما أسفر عن مجاعة امتدت بين 1983 و1985. تقديرات الضحايا تراوحت بين 400 ألف ومليون وفاة.

ورغم أن الكارثة ارتبطت بالجفاف، إلا أن باحثين مثل الدكتورة مريم برادلي من جامعة مانشستر يؤكدون أن سياسات الحكومة فاقمت المأساة، إذ أدت الإجراءات الزراعية ذات الطابع "الستاليني" إلى إضعاف قدرة الفلاحين على الصمود أمام ندرة المحاصيل، بل ساهمت في تفاقم الأزمة بدلًا من التخفيف منها، وفقا لما نقله موقع مجلس اللوردات البريطاني.

لم تلفت المجاعة أنظار العالم إلا بعدما بثّ الصحفي البريطاني مايكل بيرك سلسلة تقارير صادمة عبر هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في أكتوبر 1984، وصف فيها الوضع بأنه "مجاعة توراتية"، أي أشبه بما ورد في الكتب المقدسة من عقاب للأمم العاصية لله.

واحتوت التقارير على صور مروّعة لآلاف الإثيوبيين، بينهم أطفال، وهم يعانون سوء تغذية حاد ويواجهون خطر الموت جوعًا، ما أثار موجة تضامن عالمية وحملات إغاثة واسعة مثل "لايف إيد" لاحقًا.

- اليمن.. جوع تحت الحصار

وتُعد أزمة اليمن واحدة من أعمق الأزمات الإنسانية في العالم بسبب الانهيار الاقتصادي وارتفاع أسعار الطعام، بحسب ما أعلنت الأمم المتحدة.

بدأت اليمن تعاني أزمة غذاء حادّة منذ عام 2014، حين اندلع الصراع الأهلي إثر سيطرة الحوثيين على العاصمة وتعقّد الوضع نتيجة التدخلات العسكرية، وتفاقم بتطبيق حصار شامل على الموانئ والطرق، مما عرقل وصول الغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية الضرورية.

ووفقاً لما أوردته نشرة منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فقد بلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد في مارس الماضي نحو 74%.

كما أشار "مقياس الجوع الأسري" إلى أن حوالي 33% من النازحين عانوا من الجوع المعتدل أو الحاد. وأظهرت البيانات أن نحو 47% من الأسر استهلكت غذاءً غير كافٍ، حيث استهلكت 19% منها أقل من 4 مجموعات غذائية.

وبحسب ما أوردته "فاو"، فإن النازحين في مخيم مأرب سجّلوا أدنى معدلات الحرمان الغذائي الشديد مقارنة بالنازحين في المناطق الأخرى.

ونتيجة لذلك، أكدت البيانات أن حوالي 4 من كل 10 أسر لجأت إلى استراتيجيات التأقلم المتعلقة بالغذاء، وكان أبرزها استهلاك أغذية أقل تفضيلاً بسبب نقص الغذاء والمال. كما أفاد نحو 65% من الأسر التي شملها الاستطلاع بأنها استخدمت استراتيجيات تأقلم في مرحلة الأزمة، بينما لجأ حوالي 8% إلى استراتيجيات تأقلم طارئة.

- اليونان.. الجوع في الحرب العالمية

ولم تقتصر المجاعات على المناطق الفقيرة في أفريقيا، بل امتدت إلى أوروبا نفسها في تاريخها الحديث، مع المجاعة الكبرى التي ضربت اليونان أثناء الحرب العالمية الثانية. ففي السادس من أبريل عام 1941، شنّت القوات الألمانية هجوماً مباغتاً على المواقع اليونانية.

وأمام قوة المدفعية والطائرات الألمانية انهار الجيش اليوناني سريعاً، لتنتهي الحرب بانتصار دول المحور، وتُقسَّم البلاد إلى ثلاث مناطق نفوذ بين الألمان والإيطاليين والبلغار.

فرضت سلطات الاحتلال الألماني قوانين صارمة منعت تنقل المواطنين ونقل المواد الغذائية بين مناطق النفوذ الثلاثة، وهو ما شلّ حركة الإمدادات وأدخل البلاد في أزمة غذائية خانقة. وفي كل أنحاء اليونان حصدت المجاعة أرواح نحو 250 ألف شخص، بينهم 45 ألفاً في العاصمة أثينا وميناء بيرايوس القريب.

كما أُبيد أكثر من 86% من الطائفة اليهودية اليونانية، وفقا لما ذكرته مونت كارلو الدولية.

ويشير المؤرخ البريطاني مارك مازوير في كتابه المرجعي "يونان هتلر" إلى أنّ المجاعة لم تكن فقط نتيجة الحصار وسياسات الاحتلال، بل ارتبطت أيضاً بـ"عجز الحكومة اليونانية المتعاونة عن إمداد أثينا بالغذاء"، إلى جانب تدمير شبكة النقل الحيوية، وهو ما فاقم الكارثة الإنسانية في واحدة من أقسى صفحات الحرب على الشعوب الأوروبية.

- الصين.. مجاعة التهمت أرواح عشرات الملايين

في كتابه "شاهد القبر" (Tombstone)، قدّم الصحفي الصيني يانج جيشينج شهادة موثّقة عن واحدة من أسوأ الكوارث في القرن العشرين: المجاعة الصينية بين 1958 و1962.

أراد يانج أن يكون كتابه بمثابة نصب تذكاري بالكلمات لملايين الضحايا الذين لم يُشيَّد لهم نصب حقيقي، بعدما ظلّت المأساة مطموسة داخل الصين لعقود طويلة.

بدأت الكارثة مع حملة "القفزة الكبرى إلى الأمام" التي أطلقها ماو تسي تونغ عام 1958، بهدف تحويل الصين إلى قوة صناعية وزراعية تضاهي بريطانيا والاتحاد السوفيتي. رفعت الخطة الإنتاجية إلى مستويات مستحيلة، وفرضت التجميع القسري للأراضي ضمن "كومونات شعبية"، ما أدّى إلى تفكيك البنية الزراعية التقليدية وقطع صلة الفلاحين بمصادر قوتهم.
في ظل نظام قمعي لا يقبل النقد، لجأ المسؤولون المحليون إلى تزوير أرقام الإنتاج خوفاً من العقاب.

وبناءً على تلك البيانات الوهمية، صادرت الحكومة كميات هائلة من الحبوب، بينما لم يكن في الحقول ما يكفي لسدّ رمق المزارعين.

مع شتاء 1960، كان الملايين يواجهون الموت جوعاً وسط صمت رسمي وتضليل متعمّد.
تُقدّر الدراسات أن المجاعة أودت بحياة ما لا يقل عن 36 مليون شخص خلال 4 سنوات فقط.

لم يكن السبب في الأساس هو الجفاف أو الطقس، بل السياسات التسلطية التي منعت التنقل، وجرّمت الاعتراف بالمجاعة، وعاقبت من حاول إيصال المساعدات أو كشف الحقيقة.

وهكذا تحوّل "شاهد القبر" إلى وثيقة دامغة تثبت أن ما حدث لم يكن "كارثة طبيعية"، بل مأساة صنعتها الأيديولوجيا والسلطة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك