مع انقطاع الكهرباء في مسقط رأسها، لم تستطع زينيدا كوت (40 عاما) التفكير سوى في الجلسة التالية لغسيل الكلى، لأنه بدون كهرباء، سيتوقف عن العمل الجهاز الذي يبقيها على قيد الحياة.
وتعد كوت من بين ملايين الأوكرانيين الذين يستعدون لشتاء آخر من انقطاع التيار الكهربائي وربما تعطل شبكة الكهرباء في ظل استئناف روسيا لحملتها الهجومية على شبكة الطاقة في البلاد. ويقول محللون ومسؤولون إن موسكو غيرت تكتيكاتها هذا العام، وأصبحت تستهدف مناطق محددة والبنية التحتية للغاز.
وفي بعض المناطق- خاصة تلك الأقرب إلى خطوط المواجهة في الشرق- بدأ موسم صخب المولدات، بالإضافة إلى ساعات طويلة من الظلام بدون كهرباء أو ماء. وعاد المواطنون إلى استخدام محطات الكهرباء الصغيرة وشحن العديد من بنوك الطاقة وتخزين زجاجات المياه في حماماتهم.
وقد ازدادت فعالية الهجمات مع إطلاق روسيا المئات من الطائرات المسيرة، التي زودت بعضها بكاميرات تساعد في تحسين عملية الاستهداف، مما أدى إلى إرهاق الدفاعات الجوية الأوكرانية- خاصة في المناطق التي تكون فيها الحماية أضعف.
وتتسبب نتائج هذه الهجمات في إعادة تشكيل الحياة اليومية – خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعتمد بقاؤهم على قيد الحياة على الكهرباء. بالنسبة لزينيدا كوت، التي تخضع لغسيل الكلى منذ سبعة أعوام، فإن هذا الوضع أسوأ كثيرا من مجرد إزعاج.
ومن سريرها في المستشفى حيث كانت متصلة بجهاز لغسيل الكلى يعمل بمولد يصفه الموظفون بأنه "لا يمكن الاعتماد عليه بما يكفي"، قالت إن "الوضع سيء. نشعر بالقلق حقا عندما لا تتوفر الكهرباء". وأضافت "إذا لم يكن هناك علاج، سأموت. لن أكون موجودة".
انقطاع التيار الكهربائي في شوستكا
في أوائل أكتوبر، تركت غارة روسية بلدة شوستكا الشمالية الصغيرة - التي كان عدد سكانها قبل الحرب يبلغ نحو 72 ألف نسمة- بدون كهرباء أو ماء أو غاز. وتقع البلدة على بعد 50 كيلومترا فقط (31 ميلا) من خط المواجهة في منطقة سومي بشمال أوكرانيا. وقد تمت إعادة خدمة الغاز في وقت لاحق، وعادت الكهرباء ولكن لساعات قليلة يوميا.
وقال ميكولا نوها، عمدة شوستكا إن "الوضع صعب". ويتم الآن توفير الكهرباء والماء وفق جدول زمني، ولساعات قليلة يوميا. "وهذا يثير قلق السكان حقا لأننا لا نستطيع التنبؤ بانقطاعات الكهرباء. نصلح شيئا ما، ولكنه يتعرض للتدمير مجددا. هذا هو وضعنا".
وتصدر شوستكا صوتا خافتا من المولدات الكهربائية على الأسفلت الداكن نتيجة للأمطار، والمغطاة بأوراق شجر صفراء. وتولد هذه المولدات الكهرباء لتشغيل المقاهي والمتاجر والمباني السكنية والمستشفيات. في جميع أنحاء البلدة، توفر ما تسمى بـ"نقاط القوة" للسكان مكانا لشحن أجهزتهم والتدفئة، وحتى الراحة على أسرة الأطفال.
ويقول سكان محليون إن أصعب الأيام كانت عندما قطعت إمدادات الغاز، حيث لم تكن هناك تدفئة أو وسيلة للطهي - وكان الناس يقومون بإعداد وجبات الطعام على نيران يشعلونها في الشوارع.
وفي المستشفى المحلي، الذي تعمل كل المواقد فيه بالكهرباء، قام الموظفون ببناء فرن بسيط يعمل بالحطب خلال الأيام الأولى للحرب الروسية، في عام 2022، عندما كادت روسيا أن تسيطر على البلدة. والآن، يساعد هذا الفرن في إطعام ما لا يقل عن 180 مريضا، حسبما قالت سفيتلانا زاكوتي (57 عاما)، وهي ممرضة تشرف على وجبات المرضى.
وظل المستشفى لمدة ثلاثة أسابيع يعمل بالمولدات الكهربائية - وهو شريان حياة مكلف يستهلك نصف طن من الوقود يوميا، بتكلفة تبلغ نحو 250 ألف هريفنيا أوكرانية (5973 دولارا) أسبوعيا، وفقا لمدير المستشفى أوليه شتوهرين. وهذا المبلغ يعادل تقريبا فاتورة الكهرباء الشهرية المعتادة.
ويتم ترشيد الكهرباء. في جناح غسيل الكلى، يتم إبقاء الأضواء خافتة من أجل تخصيص الكهرباء لتغذية الأجهزة التي تبقي المرضى على قيد الحياة. وقد احترقت إحدى الوحدات الثماني بسبب انقطاع التيار الكهربائي - وهي خسارة باهظة الثمن لن يستطع المستشفى تحملها قريبا. ومع ذلك، يأتي 23 مريضا يوميا لتلقي العلاج الذي يستمر ساعات طويلة.
روسيا تنتهج استراتيجية جديدة لقصف مواقع الطاقة
تعكس أزمة شوستكا استراتيجية روسيا المتغيرة. في عامي 2022 و2023، أطلقت موسكو موجات من الصواريخ والطائرات المسيرة في جميع أنحاء البلاد لزعزعة استقرار شبكة الكهرباء الوطنية في أوكرانيا، لكنها هذا العام، تضرب منطقة تلو الأخرى.
ويظهر هذا الأسلوب الجديد هجمات أعنف على مناطق تشيرنيهيف وسومي وبولتافا، بينما تواجه خاركيف وأوديسا وميكولايف ودنيبرو ضربات أقل ولكنها لا تزال متكررة.
وقال أوليكساندر خارتشينكو، مدير مركز أبحاث الطاقة: "لم ينجحوا في ضرب البنية التحتية الوطنية لأنها أصبحت الآن محمية بشكل أفضل كثيرا، ويعرف المشغلون كيفية الرد. لذلك قرروا إعادة التركيز وتغيير التكتيكات".
وقال إن مناطق خطوط المواجهة التي تقع ضمن نحو 120 كيلومترا من القتال هي الأكثر عرضة للخطر. "هذه هجمات على مدنيين لا علاقة لهم بالحرب".
وبالنسبة لطواقم العمل في مجال الطاقة الأوكرانية، هذا يعني إصلاح نفس الخطوط والمحطات مرارا وتكرارا - من أبراج النقل إلى محطات الطاقة الحرارية - مع تحمل انقطاعات التيار الكهربائي في منازلهم.
وقال بوهدان بيلوس وهو فني كهرباء: "لكن هذه مهمتنا. من غيرنا سيقوم بها؟ لا أحد غيرنا سيفعل. أريد أن أكون متفائلا ومستعدا لأي موقف، لكن الواقع قاس للغاية في الوقت الحالي".
من جانبها، قالت سفيتلانا كاليش، المتحدثة باسم شركة الطاقة الإقليمية في منطقة سومي، إن القرب من خط المواجهة يجعل كل طاقم إصلاح هدفا. وقالت عن الروس: "إنهم يتحسنون في معرفة كيفية الهجوم. التحدي الحقيقي يكمن في تعقيد (الأضرار) - لا يوجد مصدر لسحب (الكهرباء) منه، ولا وسيلة للنقل، ولا قدرة للتوزيع".
الاستعداد للشتاء القادم
في محطة تحويل كهرباء بمنطقة تشيرنيهيف، يبدو كل شيء هادئا - امرأة تعتني بحقل صغير مجاور لزراعة الملفوف (الكرنب)، ولكن السكان معتادون على الانفجارات التي تشتد كل عام مع اقتراب فصل الشتاء.
وتبدو محطة التحويل كمتحف لما يقرب من أربعة أعوام من الضربات. وعلى طول الطريق الرئيسي المحاط بأبراج الكهرباء المرتفعة، تشير حفرة في الأسفلت إلى واحدة من أول الهجمات في عام 2022.
وكانت الضربة الأخيرة يوم 4 أكتوبر، أكثر دقة وتدميرا، حيث أحدثت حفرة كبيرة في سقف مبنى المحول بالقرب من الوسط وأخرى في الجدار، وهي آثار الضربة التي شنتها طائرات مسيرة من طراز "شاهد".
وقد امتصت أكياس الرمال المحيطة بالمبنى بعض موجات الصدمة لكنها لم تتمكن من منع ضربة مباشرة. في الداخل، كانت المحطة باردة ومظلمة لكنها لا تزال تعمل بنصف طاقتها. ولا تزال آلاف المنازل في جميع أنحاء تشيرنيهيف بدون كهرباء ثابتة.
ويحاول العمال بالفعل إصلاح الأضرار، ولكن حتى في ظل الظروف المثالية، المتمثلة في غارات جوية قليلة وعدم وقوع ضربات جديدة، ستستغرق عملية الإصلاح عدة أسابيع. وفي كل مرة يطلق فيها صوت إنذار، يجب على الطواقم مغادرة مواقعها.
وقال سيرهي بيريفيرزا، نائب مدير شركة تشيرنيهيفاوبلينيرجو: "إذا نظرت إلى هذا العام، إنه أحد أصعب الأعوام. نأمل أن يكون الوضع أفضل ونفكر في طرق بديلة لتزويد عملائنا (بالكهرباء)".
وأشار خارتشينكو إلى أن روسيا افتقرت العام الماضي إلى القدرة على إطلاق 500 أو 600 طائرة مسيرة دفعة واحدة، وكانت الهجمات الأصغر التي تمكنت من شنها غير فعالة إلى حد كبير.
ولكن هذا العام، حتى عندما تحيط عدة نقاط دفاع جوي ووحدات متنقلة بمنشأة، فإن الروس يتغلبون عليها بسهولة - حيث يرسلون نحو ست مسيرات إلى كل موقع دفاعي و10 مسيرات أخرى مباشرة إلى الهدف.
وأضاف "في هذا العام، ضاعفوا نطاق الهجمات ثلاث مرات تقريبا. إنهم يخترقون المواقع الفردية باستغلال الحجم والقوة الهائلين".