-
إعادة القضية إلى الدائرة التمهيدية للنظر من جديد في مسألة اختصاص المحكمة بالجرائم التي تقع على الأراضي الفلسطينية وحصانة المتهمين الإسرائيليين
-
رفض طعن إسرائيل على أمر اعتقال نتنياهو وجالانت واستمرار سريانه
قضت الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، اليوم الخميس، بقبول الطعن المقدم من إسرائيل لإعادة النظر في مسألة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في الجرائم التي ترتكب على الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية، باعتبارها ليست دولة، وأن السيادة فيها معلقة، وأنه لا يجوز أن تلاحق المحكمة متهمين إسرائيليين في جرائم ارتُكبت في غزة والضفة الغربية.
يترتب على القرار إعادة الطعن إلى الدائرة التمهيدية، التي كانت أصدرت قرارها السابق يوم ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤، وذلك لإعادة النظر في مسألة الاختصاص، والتدقيق في الدفوع التي قدمتها إسرائيل.
لكن الدائرة الاستئنافية رفضت طلب إسرائيل إلغاء أو تعليق أمر الاعتقال الصادر ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، وقالت إن هذا الموضوع منفصل عن مسألة الاختصاص، ولا يتأثر به حاليا.
سبب النزاع حول مسألة الاختصاص
زعمت إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة وألمانيا والأرجنتين والمجر، وبريطانيا في وقت سابق، أن اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحرم المحكمة من صلاحية ملاحقة مواطنين إسرائيليين بسبب جرائم ارتُكبت في فلسطين المحتلة.
وادعت تلك الدول أن اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تفرض وضعا خاصا يترتب عليه تحصين مواطني إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فلا يجوز أن تبسط المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها على جرائم منسوبة إليهم وقعت في فلسطين.
غير أن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لم تقبل هذه الدفوع من إسرائيل، وقالت في إشارة واضحة للاعتراف بالوضع السيادي لدولة فلسطين إن إسرائيل وفلسطين طرفان موقعان على اتفاقيات جنيف لعام 1949، وأن القانون المتعلق بالنزاع المسلح غير الدولي ينطبق على القتال بين إسرائيل وحماس.
علما بأن انضمام فلسطين إلى نظام روما يعني اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالفصل في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تقع على أراضي دولة فلسطين وكذلك من مواطني دولة فلسطين.
غير أن الدائرة الاستئنافية في قرارها الصادر اليوم اعتبرت أن القرار التمهيدي لم يعالج الدفوع الإسرائيلية بشكل جيد حيث اكتفى بالرد بأن إسرائيل ستتاح لها الفرصة كاملة في الطعن على الاختصاص لاحقا.
واعتبرت الدائرة الاستئنافية أن هذا القصور يؤثر بشكل جوهري على القرار الذي من شأنه المضي قدما في إجراءات الملاحقة والمحاكمة.
أهمية مسألة الاختصاص
يمثل التشكيك في الاختصاص عصب قضية جرائم الحرب في غزة، لأنه بدون حسم هذه المسألة لن تمضي المحكمة قدما في ملاحقة ومساءلة المتهمين.
تحاول إسرائيل والدول المساندة لها، من خلال تفسير متعسف لاتفاقيات أوسلو، تكريس حصانة استثنائية للإسرائيليين طالما ارتكبوا أفعالهم المؤثمة بحق الشعب الفلسطيني أو على الأراضي الفلسطينية، وهو ما رفضته معظم الأصوات التي قدمت ملاحظاتها للمحكمة.
وعلى الجانب الآخر انبرى للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني للمطالبة بإصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وجالانت كل من النرويج وإسبانيا وأيرلندا وكولومبيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وبوليفيا وبنجلاديش وجزر القمر وجيبوتي، بالإضافة إلى دولة فلسطين وجامعة الدول العربية.
اعتصم هذا الرأي بالقرار التاريخي الصادر من المحكمة الجنائية الدولية في فبراير 2021 بتأكيد اختصاص المحكمة على الوضع في فلسطين استجابة لطلب قدمته المدعية العامة السابقة للمحكمة فاتو بنسودا في يناير 2020 لتأكيد نطاق ولاية المحكمة في فلسطين، وذلك بعد ست سنوات تقريبا من إعلان دولة فلسطين إقرارها لنظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة وقبول اختصاصها على الجرائم التي تقع على أراضيها أو من مواطنيها.
كما أكدت الدول المناصرة للشعب الفلسطيني، ومعها عدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية، أن اتفاقيات أوسلو لا تمنع ادعاء المحكمة الجنائية الدولية من مباشرة أي تحقيق يُشتبه أو يُتهم فيه إسرائيليون لأفعال ارتكبوها على الأراضي الفلسطينية.
وشددت النرويج وإسبانيا وأيرلندا على أن اتفاقيات أوسلو لا يجب أن تمنح إسرائيل وضعا خاصا أو استثنائيا يعفيها من موجبات اتفاقيات جنيف أو قانون الاحتلال أو أي معاهدات دولية أخرى، وبالتبعية لا يجوز الاحتجاج بها لإعفاء المتهمين الإسرائيليين من المحاسبة أو العقاب، نظرا لأن الاتفاقية لم تغير وضع الفلسطينيين كـ"مواطنين محميين" تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت تلك الدول في مذكراتها أنه لا يجوز مقارنة الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية بالاختصاص القضائي المحدد للمحاكم الفلسطينية، وأن القيود المفروضة على القضاء الفلسطيني المحلي تتعلق بالتنفيذ فقط لكنها لا تقيد اختصاص القضاء الدولي.
كما أكد المدعي العام للمحكمة كريم خان التأكيد على أن اتفاقيات أوسلو لا تمنع المحكمة من ممارسة اختصاصها في الشروع في التحقيق، كما لا تمنعها من إصدار أوامر اعتقال أو قرارات اتهام، بل يمكن أن تؤثر فقط على الإجراءات التنفيذية الخاصة بطلب المساعدة القانونية من دولة فلسطين، أي لأغراض ترقب دخول المتهمين الإسرائيليين أو اعتقالهم بناء على أمر المحكمة.
وأضاف كريم خان أنه لم يتم تقديم طلب مادي للتعاون مع فلسطين أو إسرائيل، ولم تثر إسرائيل مسألة اتفاقيات أوسلو كعقبة أمام هذا التعاون، بل إن بريطانيا هي التي "أساءت تفسير المنطق القانوني وأقحمت اتفاقيات أوسلو في القضية".