رغم أنها لم تتزوج يوما، فإن حلم الأمومة ظل يسكن قلب زينب عبد الفتاح، 46 عاما، ابنة إحدى قرى محافظة البحيرة، والحاصلة على معهد فنى تجارى، لم تستسلم لفكرة أن يظل قلبها فارغا من «ابنة» تمنحها الحنان وتملأ حياتها، فاختارت أن تكفل طفلة من دور الرعاية، لتصبح أول «سينجل مازر» فى قريتها.
تقول زينب: «كنت شديدة التعلق بالأطفال، أخرجهم للتنزه وأشاركهم اللعب والطعام، ذات مرة تعلقت بطفل فى الدروس، لكن والده انزعج وظن أننى أحاول أخذه منه، فمنع ابنه من الحضور، هذا الموقف جعلنى أشعر أننى بحاجة إلى طفل يكون ابنى بحق».
الخطوة لم تكن سهلة؛ فالمجتمع الريفى ما زال يضع الكفالة فى دائرة الأسئلة والانتقادات، تحكى زينب: «شاهدت بالمصادفة منشورًا عن سيدة مطلقة تكفل طفلًا، فتواصلت معها وشرحت لى الخطوات، ومن هنا بدأت رحلتى، وبدأت التفكير فى الكفالة لأننى كنت أريد أن أكون حاجز صد أمام أى كلمة قد تجرح الطفلة أمام الناس».
لكن العقبات لم تكن مجتمعية فقط، بل إدارية أيضا، تقول: «ذهبت إلى الشئون الاجتماعية، وكان الموظفون غير مقتنعين بى كعزباء، والمشرفة أصرت على أخذ موافقة إخوتى بسبب مشكلات عائلية، كتبت قصتى على مجموعة خاصة بالكفالة، ووصل صوتى إلى الوزارة، وبعدها فجأة أزيلت كل العقبات»، تحكى زينب والدموع فى عينيها: «كنت أدعو طوال الطريق، أول ما دخلت وجدت طفلة عمرها تسعة أشهر، فى البداية خفت من صغر سنها، لكن عندما نظرت إلى وضحكت، شعرت وكأنها تنادينى: ماما، وفى تلك اللحظة تغيرت حياتى».
هكذا بدأت قصة زينب مع فاطمة، التى كفلتها وهى فى الأربعين من عمرها، تقول: «القرية كلها باركت لى، حتى إخوتى الذين كانوا معترضين وبينا خلافات أحبوا فاطمة من أول يوم».
اليوم، فاطمة فى بداية دراستها بالأزهر، تحفظ القرآن وتجيد الحساب واللغة الإنجليزية، لكن الأم تعترف أن الطريق ليس مفروشا بالورود: «أحيانا عندما أراها تجرى على والد صديقتها لتعانقه، يؤلمنى قلبى، وأصعب ما فى الأمر أن الكفالة ما زالت غير مفهومة، فى المستشفى رفضوا إعطائها مصلًا ضد عضة قطة إلا بعد الاطلاع على أوراق الكفالة، وحتى عندما أقدم لها فى مدرسة يطلبون موافقات وإجراءات معقدة».
تقول زينب: «الأصعب أن الطفل المكفول نفسه يحرم من حقوق أساسية؛ فلا يحق له تمثيل مصر رياضيا خارج البلاد، ولا يحصل على معاش إذا فقد أحد أفراد أسرته الكافلة، وحتى نحن كأسر كافلة، لا نعتبر أوصياء قانونيين عليه، فلا نستطيع إدارة أى حسابات مالية تخصه، وكأن القانون ما زال يتعامل معنا كغرباء عن أبنائنا الذين منحناهم قلوبنا وأعمارنا».