خبيرات أمريكيات: مقاطعة ترامب لعملية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تضع أمريكا أخيرا وليس أولا - بوابة الشروق
السبت 27 سبتمبر 2025 1:56 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

خبيرات أمريكيات: مقاطعة ترامب لعملية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تضع أمريكا أخيرا وليس أولا

نيويورك - (د ب أ)
نشر في: الخميس 25 سبتمبر 2025 - 10:25 ص | آخر تحديث: الخميس 25 سبتمبر 2025 - 10:25 ص

اختارت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من معايير وعمليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لكن هذه القرارات تجعل الأمريكيين أقل أمانا، حسبما ترى كل من كاثرين باول، الزميلة الأولى المساعدة لسياسة المرأة والسياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية، والمديرة السابقة لحقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض وديزيريه كورمييه سميث الممثلة الخاصة السابقة للولايات المتحدة للمساواة والعدالة العرقية وبيث فان شاك السفيرة السابقة المتجولة للعدالة الجنائية العالمية، في تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

وقالت الخبيرات الثلاثة إن إدارة الرئيس ترامب انسحبت فجأة في أغسطس من عملية الأمم المتحدة الرئيسية لحقوق الإنسان: "الاستعراض الدوري الشامل". ولم تتصدر هذه الخطوة عناوين الصحف المحلية، إلا أنه كان ينبغي أن تتصدرها، حيث يقدم "الاستعراض الدوري الشامل" فرصة لكل الدول لتقييم جهودها التطوعية لتعزيز حقوق الإنسان في تقرير دوري يتم تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. وهو آلية مهمة ساهمت الولايات المتحدة في إنشائها ودعمتها لفترة طويلة، بما في ذلك عندما هددت دول أخرى بالانسحاب منها.

ومع تجمع قادة دول العالم الآن في نيويورك لحضور الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، يكتسب هذا القرار معنى جديدا. وتقوم الولايات المتحدة، بصفتها الدولة المضيفة، بدور قيادي كبير، وقد دعمت- على الأقل لفظيا - مهمة الأمم المتحدة على مر الأعوام. وبينما قد يبدو الانسحاب من عملية "الاستعراض الدوري الشامل"، في البداية، متسقا مع أجندة ترامب "أمريكا أولا"، إلا أن الواقع هو أن هذا الانسحاب ليس سيئا فقط للديمقراطية الأمريكية وازدهار المواطن في الداخل، لكنه يقوض أيضا مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في الخارج. وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت بالفعل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام. وتتحرك الأنظمة الاستبدادية الآن بسرعة في تدافع على النفوذ العالمي لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب ترامب المستمر.

وترى باول وكورمييه سميث وفان شاك أنه لا شك في أن الولايات المتحدة لم تكن يوما ثابتة تماما في إيلاء الأولوية لحقوق الإنسان، التي غالبا ما كانت تأتي في المقام الثاني بعد اهتمامات جيوسياسية أخرى. ومع ذلك، كانت تتم مراعاة هذه الحقوق، على الأقل، بعناية أثناء صياغة الدبلوماسيين للسياسة الخارجية الأمريكية. وعلى الرغم من أنها مستوحاة إلى حد ما من المثالية، فإن تعزيز حقوق الإنسان كان مدفوعا أيضا بدافع المصلحة الذاتية البحتة. وتظهر التجربة أن حماية حقوق الإنسان وتعزيزها عالميا يؤدي إلى مزيد من الاستقرار والازدهار ويفتح الأسواق أمام الشركات الأمريكية ويحمي الأمريكيين في الخارج ويخفف من ضغوط الهجرة على أولئك الذين قد يفرون من الاضطهاد أو الفقر. فضلا عن أن الدول التي تحترم حقوق الإنسان تعتبر حلفاء جيوسياسيين وشركاء تجاريين أفضل، ولا تلجأ تلك الدول إلى الحرب لحل النزاعات.

وكما أشار الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل أمارتيا سين وخبراء آخرون، فإن قمع حقوق الإنسان يرتبط ارتباطا وثيقا بالجوع والفقر وعدم الاستقرار والهجرة والإرهاب والحروب والتدهور الاقتصادي - وكلها لها عواقب مباشرة على الأمريكيين. إن إضعاف الإطار الدولي لحقوق الإنسان سيؤدي فقط إلى تقويض الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالحها الاقتصادية. ونتيجة لذلك، بغض النظر عن الانتماء السياسي، دعم رؤساء الولايات المتحدة حقوق الإنسان كعنصر أساسي في السياسة الخارجية الأمريكية. لم يكن هذا لأنه كان التصرف الصحيح فقط، ولكن لأنه كان التصرف الذكي.

وأشارت الخبيرات الثلاثة إلى أنه منذ تأسيس الأمم المتحدة، ظلت الولايات المتحدة قائدا مؤثرا في المنظمة الدولية، وساهمت في سجلها في مجال حقوق الإنسان. وترأست إليانور روزفلت، السيدة الأولى التي استمرت لأطول مدة في الولايات المتحدة، صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فبراير 1947، وشاركت الولايات المتحدة في كل قرار رئيسي للأمم المتحدة بصفتها واحدة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي. ولطالما ارتبط تعزيز حقوق الإنسان والجهود المبذولة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين- على الأقل من حيث المبدأ، إن لم يكن دائما في الممارسة- ارتباطا وثيقا بالأهداف الأساسية للأمم المتحدة ومشاركة الولايات المتحدة منذ تأسيس المنظمة عام 1945.

وقد ألهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إنشاء لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، التي كانت مسؤولة عن تفعيل هذه المثل العليا لحقوق الإنسان وإضفاء الطابع المؤسسي عليها. ومنذ إصلاح اللجنة الأصلية وإعادة تسميتها في عام 2006، لتصبح "مجلس حقوق الإنسان"، تبنى المجلس أكثر من 1400 قرار، وشكل 38 بعثة أو لجنة لتقصي الحقائق، وكان حصنا لحماية حقوق الإنسان في أحلك ساعات البشرية. وبينما تعرض المجلس لانتقادات (في بعض الأحيان بشكل عادل) بسبب تحيز سياسي مزعوم، فإن وجوده في حد ذاته يوفر الأمل ومساحة للمجتمع المدني والناجين للسعي إلى عالم أكثر عدلا.

وهذا يقودنا إلى "الاستعراض الدوري الشامل"، وهو أداة أساسية في مجموعة أدوات مجلس حقوق الإنسان الأممي. ومن خلال مطالبة كل دولة عضو في الأمم المتحدة بالخضوع لاستعراض دوري أو مراجعة دورية من الأقران لسجلها في مجال حقوق الإنسان، توفر العملية مراقبة مستمرة للدول وتقدم فرصة لمنظمات المجتمع المدني لتقديم مدخلات وتوصيات حول كيفية تحسين الدول لسجلاتها في مجال حقوق الإنسان. ومنذ إنشائه، شارك جميع أعضاء الأمم المتحدة – ومن بينهم الولايات المتحدة، حتى الشهر الماضي - في الأجزاء الثلاثة للاستعراض الدوري الشامل، حيث تقوم كل دولة بإعداد تقرير، وتشارك في جلسة استماع مفتوحة مع الدول الأخرى، وتعلن عن التزامات بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان. وقد أنتجت هذه العملية مئات التوصيات للدول الأعضاء لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.

وتقول باول وكورمييه سميث وفان شاك إنه من الواضح أن هذا النظام يعمل بشكل جيد، نظرا لأن الأبحاث التجريبية تظهر أن 76% من هذه التوصيات قد اعتمدتها الدول المشاركة لاحقا. ورغم أنها غير ملزمة، فإن هذه التوصيات تؤسس معايير تحدد طبيعة سلوك الحكومات، وتحسن جهود المساءلة والمراقبة الدولية الأخرى التي تقلل من انتهاكات حقوق الإنسان. وحتى الآن، شاركت الولايات المتحدة في كل جلسة استعراض، بما في ذلك خلال فترة ولاية ترامب الرئاسية الأولى، والتي أكدت فيها الإدارة التزامها بالمعتقد السابق المقبول على نطاق واسع بأن "القيادة في مجال حقوق الإنسان تكون بالقدوة".

إن انسحاب إدارة ترامب المفاجئ وغير المسبوق من "الاستعراض الدوري الشامل" يثير الشكوك الآن في التزام الولايات المتحدة بهذا المبدأ وبمنظومة حقوق الإنسان بأكملها. إنه يشجع بشكل خطير الحكام المستبدين في الخارج ويقوض الأمن القومي والازدهار في الداخل. كما تهدد الهجمات على النظام الداخلي الأمريكي للضوابط والتوازنات ووسائل الإعلام المستقلة والجامعات سيادة القانون في الداخل، فإن هجمات الإدارة على "الاستعراض الدوري الشامل" - وانفصالها عنه - يقوض سيادة القانون عالميا. إن "الاستعراض الدوري الشامل"، من نواح عديدة، يمثل هدفا سهلا، لأن الكثير من الأمريكيين لا يدركون تماما الدور المهم الذي يلعبه نظام حقوق الإنسان الأممي. وللأسف، هناك صلة مباشرة بين عدم فهم قيمة المساعدات الخارجية الأمريكية في تحقيق استقرار العالم والمصالح الأمريكية عالميا، وبين التقليص السريع وشبه الكامل للمساعدات الخارجية من جانب البيت الأبيض.

ولتوضيح الأمر، فإن مقاطعة الولايات المتحدة لـ"الاستعراض الدوري الشامل" تخفف من بريق حماية حقوق الإنسان للشعوب حول العالم، حيث تشير إلى أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها معفاة من أي شكل من أشكال المراقبة الدولية. ومن خلال هذا القرار، تقوض الولايات المتحدة شرعية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتوفر غطاء لدول أخرى لانتهاك حقوق شعوبها وتجنب التدقيق، وتسمح بالمزيد من القمع والمعاناة الإنسانية. وربما كان هذا هو الهدف من تلك الخطوة.

وبينما تتهرب إدارة ترامب من التدقيق في سجلها، فإنها لم تتوقف عن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في دول أخرى- وإن كان ذلك على أساس انتقائي ومسيس. لكن هذا النقد يكون أكثر إقناعا عندما تقود الولايات المتحدة بالقدوة من خلال مشاركتها المستمرة في "الاستعراض الدوري الشامل" وآليات حقوق الإنسان الأخرى التابعة للأمم المتحدة، لتحافظ على بعض مظاهر المصداقية.

واختتمت باول وكورمييه سميث وفان شاك تحليلهن بدعوة قادة المستقبل إلى الانضمام مجددا إلى عملية "الاستعراض الدوري الشامل" وإعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان.فالقيادة الأمريكية على الساحة الدولية جيدة للولايات النتحدة وللعالم.و "الاستعراض الدوري الشامل" هو آلية أساسية تمكن المجتمع الدولي من تعزيز المعايير الديمقراطية وحماية الحقوق الأساسية وبناء مستقبل أكثر ازدهارا - ليس فقط للمجتمعات البعيدة حول العالم، ولكن أيضا لحقوق الإنسان للأمريكيين في وطنهم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك