خبراء يكشفون رؤية مصر للطاقة النووية: كيف تقود محطة الضبعة الانتقال نحو الطاقة النظيفة في إفريقيا والعالم؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 26 فبراير 2025 3:17 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

خبراء يكشفون رؤية مصر للطاقة النووية: كيف تقود محطة الضبعة الانتقال نحو الطاقة النظيفة في إفريقيا والعالم؟

محطة الضبعة النووية
محطة الضبعة النووية

نشر في: الأربعاء 26 فبراير 2025 - 11:05 ص | آخر تحديث: الأربعاء 26 فبراير 2025 - 11:20 ص

أكد خبراء متخصصون في مجال الطاقة النووية أن مصر ظلت لعقود طويلة متصدرة المشهد الإقليمي في مجال الطاقة، بدءًا من مشروع السد العالي بأسوان وتوربيناته العملاقة وصولًا إلى مشاريعها الطموحة للطاقة الشمسية. ولكن اليوم، يظهر لاعب جديد على الساحة، وهي محطة الضبعة للطاقة النووية.

وأكد الخبراء أنه إذا كانت الطاقة النووية ما تزال تثير في الأذهان صورًا من حقبة الحرب الباردة أو مشاهد نهاية العالم في أفلام الخيال العلمي، فقد حان الوقت لإعادة النظر إليها من زاوية مختلفة. ففي الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو توفير مصادر الطاقة النظيفة، أصبحت الطاقة النووية جزءًا أساسيًا من هذا السباق، بل وتتصدره أيضًا. أما مصر، فهي تتقدم لتصبح رائدة في مجال الطاقة النووية في أفريقيا، بدعم من "روساتوم"، الشركة الروسية العالمية الرائدة في تكنولوجيا الطاقة النووية، التي تحتفل هذا العام بالذكرى الثمانين لانطلاق الصناعة النووية الروسية.

وتساءل الخبراء: لماذا الطاقة النووية الآن؟ الوقت يداهمنا، ولم تعد الدعوة العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية مجرد موضوع للنقاش، بل أصبحت ضرورة حتمية. فالتغيرات المناخية بدأت بالفعل في إعادة تشكيل الاقتصادات حول العالم، بما يؤثر بشكل كبير على إمدادات الغذاء، وقد يدفع العالم ناحية أزمات غير مسبوقة في قطاع الطاقة. وفي خضم كل هذا، تجد مصر نفسها، مع تزايد سكانها وارتفاع الطلب على الطاقة، في مفترق طرق أمام هذا التحدي.

وأشار الخبراء إلى أن الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تعتبر حلولًا رائعة، لكنها لا تخلو من بعض القيود. في المقابل، تمثل الطاقة النووية مصدرًا مستمرًا وموثوقًا للطاقة النظيفة. فهي توفر طاقة ثابتة وخالية من الكربون، قادرة على تشغيل المدن والمصانع والمنازل في جميع الظروف، سواء كان الطقس ممطرًا أو مشمسًا، في الليل أو أثناء النهار.

واستطرد الخبراء: وهنا يأتي دور محطة الضبعة وشركة "روساتوم" بخبرتها وتكنولوجياتها الرائدة. فالتكنولوجيا النووية لا تقتصر فقط على إنتاج الطاقة، بل إنها تتعلق أيضًا بضمان استقرار الإمدادات، ودفع عجلة التقدم الصناعي، وتأمين اقتصادات المستقبل. بينما تحتفل "روساتوم" بمرور 80 عامًا على إنجازات الصناعة النووية الروسية، فإن تعاونها مع مصر يؤكد كيف يمكن أن تسهم عقود من الخبرة في تشكيل مستقبل الطاقة المستدامة.

وقال الخبراء إن محطة الضبعة ليست مجرد منشأة لتوليد الكهرباء، بل هي خطوة نحو تحقيق استقلال مصر في مجال الطاقة. بقدرة تصل إلى 4800 ميجاوات، ستغطي المحطة نحو 10% من احتياجات مصر من الكهرباء عند تشغيلها بالكامل. وهذه الطاقة تكفي لتشغيل ملايين المنازل والشركات دون الحاجة إلى حرق طن واحد من الفحم.

وذكر الخبراء أن الأمر لا يقتصر فقط على الأرقام، إذ تعد محطة الضبعة نقطة تحول تكنولوجية واقتصادية. فمن خلال "روساتوم"، تنضم مصر إلى صفوف الدول الرائدة في مجال الطاقة النووية، لتقف جنبًا إلى جنب مع دول مثل فرنسا وروسيا والصين في السباق نحو ريادة الطاقة المستدامة. فمشروع بهذا الحجم لا يعد إنجازًا هندسيًا فحسب، بل يمثل محركًا قويًا للتوظيف؛ حيث يتم تدريب آلاف المهندسين والفنيين والمتخصصين المصريين في مجال تكنولوجيا الطاقة النووية، مما يساهم في بناء قوة عاملة ماهرة تسهم في تطوير قطاع الطاقة في مصر لأجيال قادمة.

وبفضل خبرة "روساتوم" الواسعة في مجال التعليم والتدريب النووي، سيحصل المتخصصون المصريون على تدريب على أعلى مستوى، مما يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للموارد البشرية والتكنولوجيا النووية.

وأضاف الخبراء أن محطة الضبعة ليست قصة مصرية فحسب، بل هي قصة قارة بأكملها. إذ تواجه أفريقيا عجزًا هائلًا في إمدادات الطاقة، حيث لا يزال أكثر من 600 مليون شخص في القارة محرومين من الكهرباء. وعلى الرغم من التوسع في استخدام الطاقات المتجددة، إلا أن هذه المصادر بمفردها لن تكون كافية لسد الفجوة الكبيرة. لذا، قد تكون الطاقة النووية، بفضل إنتاجها العالي وموثوقيتها، الحل الثوري الذي تحتاجه القارة. ومصر، من خلال محطة الضبعة كقصة نجاح و"روساتوم" كمساهم رئيسي، يمكنها أن تقود هذا التحول، لتكون نواة لانطلاق ودعم الدول الأخرى في القارة لاستكشاف إمكانياتها النووية. ومع تزايد الاهتمام من قبل العديد من الدول الأفريقية، يصبح هذا المستقبل أكثر من مجرد احتمال؛ بل هو واقع في طريقه للتحقق.

وأوضح الخبراء أنه على الرغم من أن مصطلحي "الطاقة النووية" و"الطاقة النظيفة" لا يجتمعان معًا في أغلب الأحيان، إلا أن اقترانهما ببعض أصبح أمرًا مثاليًا ومطلوبًا الآن. فخلافًا لما يقال عن الطاقة النووية بأنها ليست مستدامة، فإن الواقع والحقائق تقول غير ذلك. فالمحطات النووية، على عكس محطات الوقود الأحفوري، لا تنتج أي انبعاثات كربونية أثناء عمليات التشغيل، كما أن الطاقة النووية لا تتطلب مساحات شاسعة من الأراضي، بخلاف محطات الطاقة المائية أو طاقة الرياح. ومع التطورات الكبيرة في إدارة النفايات النووية، أصبحت المخاوف المرتبطة بالتخلص طويل الأمد منها تقريبًا غير موجودة.

مؤخرًا، صنف الاتحاد الأوروبي الطاقة النووية ضمن فئة "الطاقة الخضراء" في إطار تصنيفه للاستثمارات المستدامة، مما يعكس تحولًا عالميًا إيجابيًا في المواقف تجاه الطاقة النووية. ولكن الزخم لا يتوقف عند هذا الحد؛ فعلى سبيل المثال، في قمة المناخ COP28، تم إطلاق المبادرة الدولية للطاقة النووية الصفرية، التي تعترف بالدور الحيوي للطاقة النووية في مكافحة تغير المناخ. وتهدف المبادرة إلى مضاعفة القدرة النووية عالميًا ثلاث مرات بحلول عام 2050، مما يعزز من مكانتها كمصدر موثوق للطاقة النظيفة والمستدامة.

وأكد الخبراء أن التعهدات العالمية الأخيرة لا تقتصر فقط على الدعوة لتوسيع استخدام الطاقة النووية، بل تمثل التزامًا حقيقيًا لضمان قدرة العالم على تحقيق أهدافه في إزالة الكربون بطرق مستدامة ومتطورة. فمن خلال مشروع الضبعة الطموح وشراكتها الاستراتيجية مع "روساتوم"، تبرهن مصر على توافقها مع هذه الرؤى العالمية، لتؤكد أن الطاقة النووية لم تعد مجرد خيار، بل ضرورة حتمية لبناء مستقبل خالٍ من انبعاثات الكربون وضمان تنمية مستدامة للأجيال القادمة.

وبينما تلعب التكنولوجيا والاستثمار دورًا حاسمًا في تبني الطاقة النووية، فإن مستقبل هذه الطاقة يعتمد في المقام الأول على العنصر البشري. لهذا السبب، تعتبر مبادرات مثل المنتدى الدولي للشباب حول التكنولوجيا النووية المستدامة ضرورية. يُعقد هذا المنتدى اليوم في مكتبة الإسكندرية العريقة، ويجمع مهنيين شبابًا ومهندسين وباحثين من جميع أنحاء العالم لمناقشة كيف تساهم الطاقة النووية في بناء مستقبل أكثر استدامة وأكثر توافقًا مع البيئة.

لا شك أن الانتقال إلى الطاقة النووية يحمل في طياته تحديات كبيرة، إذ يتطلب مراقبة تنظيمية صارمة، وكسب ثقة الجمهور، واستثمارات ضخمة على المدى الطويل. إلا أن مصر لن تبدأ من نقطة الصفر؛ فبفضل الشراكات الدولية الفاعلة، والتخطيط الاستراتيجي المدروس، والرؤية المستقبلية الواضحة، تسير محطة الضبعة بثبات نحو أن تصبح نموذجًا إقليميًا رائدًا للطاقة النووية الآمنة والفعالة، ليس فقط في مصر وأفريقيا بل في العالم بأسره.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك