تشهد تونس، توترا متزايدا بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطات، إذ يحتج الاتحاد على ما قال إنه "اعتداء نفذه مناصرون للرئيس قيس سعيد" على مقره في 7 أغسطس الجاري، وذلك بعد أيام من إضراب في قطاع النقل أصاب الحركة في أرجاء البلاد بالشلل.
وفي 21 أغسطس الجاري، تظاهر آلاف العمال والنقابيين أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل (تأسس عام 1946) في العاصمة تونس؛ تلبية لدعوة من الاتحاد للدفاع عن الحق النقابي والحريات، واحتجاجا على ما وصفه بـ"الاعتداء" على مقره.
وقبل تظاهرة العمال والنقابيين، كان الرئيس التونسي قيس سعيد تحدث في 9 أغسطس الجاري، عن اتهامات الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، وقال خلال اجتماع مع رئيسة الحكومة سارة الزعفراني: "لم تكن نية المحتجين الاعتداء (على مقر الاتحاد) ولا الاقتحام كما تروج لذلك ألسنة السوء"، مضيفا أن "قوات الأمن قامت بحماية المقر ومنعت أي التحام".
وفي خضم الأزمة المندلعة بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل تنوعت مواقف المعارضة التونسية بين داعية إلى الحوار بين الجانبين وأخرى حملت السلطات مسؤولية هذه الأزمة.
- أطراف وراء الصراع
قال أسامة عويدات مسئول الإعلام في حركة الشعب (ناصرية / 11 نائبا في البرلمان من 153، ساندت سعيد في بداية إجراءاته الاستثنائية وترشحت ضده في رئاسيات 2024)، للأناضول، إن "السلطة والاتحاد ليس بينهما صراع مباشر، لكن ما نراه أن هناك أطرافا تريد تأجيج الصراع بينهما".
وأضاف: "هناك أناس تظاهروا أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل فيما تنفي السلطات انتماء هؤلاء لها".
وتابع عويدات: "إذا كانت هناك مسألة تتعلق بالاتحاد مثل أن يكون هناك غضب داخلي لبعض النقابيين على هيكليتهم ونظامهم الداخلي فهذا يترك للنقابيين ولا علاقة للسلطة به".
إلا أن عويدات لفت إلى أن "هناك أطرافا (لم يسمها) تدفع لتأزيم العلاقة بين الاتحاد والسلطة وتدعو إلى الصدام منها طرف قريب من السلطة وطرف ثان داعم للمعارضة يود تأجيج الأمور".
- معكرة طواحين الهواء
وقال عويدات: "المرحلة الحالية لا تتطلب صداما بل نحن في مرحلة يجب أن يجتمع الناس حول تصور ورؤية لإنقاذ البلاد اقتصاديا اجتماعيا سياسيا".
وتابع: "إذا لم تتطور الأساليب والآليات سنصبح في معركة طواحين هواء، والمعركة الحالية السلطة والاتحاد المتضرر فيها هو المواطن".
وقال عويدات: "حركة الشعب دعت في عديد المرات إلى الحوار لضبط سياسات عامة وليس لتوزيع مواقع".
وأضاف: "السلطة لا حق لها في التدخل في مواضيع تخص الهياكل الداخلية للاتحاد".
وفي 14 أغسطس الجاري، أعلنت الحكومة، إنهاء تفرغ الموظفين العموميين للعمل النقابي، واعتبرته مخالفة واضحة تفضي إلى إسناد امتيازات مالية لغير مستحقيها، بينما قال اتحاد الشغل، إن الإجراء "حرب" على حقوقه.
ويعني التفرغ النقابي، تفرغ موظفي الدولة المنتمين للاتحاد، لمهامهم النقابية، وعدم مباشرتهم لوظائفهم، مع الإبقاء على أجورهم.
- جبهة الخلاص: الاتحاد مستهدف
من ناحيته، يرى رياض الشعيبي القيادي في "جبهة الخلاص الوطني"، أن "هناك استهداف للاتحاد العام التونسي للشغل مثلما حصل سابقا استهداف لجبهة الخلاص الوطني وحركة النهضة".
وأضاف الشعيبي، في تصريحات للأناضول: "الاتحاد أخيرا اقتنع أنه مستهدف ولذلك قرر الخروج في مظاهرات للاحتجاج على هذا الاستهداف".
واعتبر أن "القرار لدى السلطة هو تفكيك المجتمع المدني والأحزاب ولذلك يحاول المجتمع المدني والأحزاب السياسية الدفاع عن نفسها بالتظاهرات".
وبخصوص الحديث عن أن هناك أطراف تدفع للتصعيد بين السلطة والاتحاد، قال الشعبيبي: "محاولة بعض القوى السياسية تبرير ما تقوم به السلطة أصبح غير منطقي وغير مقبول لأن ما تقوم به السلطة اليوم لا يمكن تبريره من أي جهة كانت".
وتابع الشعيبي: "بعض الأحزمة السياسية التي تحاول التقرب من السلطة من خلال الدفاع عنها هي أيضا مستهدفة، ولكن لا تريد أن تواجه حقيقة الاستهداف التي هي معرضة له ولذلك لا معنى لتبرير سياسات السلطة في استهداف الاتحاد أو قوى المعارضة".
الحوار هو الحل
إلا أن الشعيبي يرى أيضا أن الحوار هو الكفيل بإيجاد حلول، وقال: "قرار الحوار مرتبط بالسلطة، وهي ترفض الحوار، ومنذ 4 سنوات هي في منحى تصعيدي تجاه المعارضة وتجاه المنظمة النقابية".
واستطرد: "لذلك نحن باستمرار كنا نطالب بالحوار الوطني ونعتبر أن الحوار حول القضايا السياسية الكبيرة والاقتصادية في البلاد هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة".
وأضاف: "لكن انغلاق السلطة على نفسها ورفضها لسماع كل صوت مختلف عنها ومعارض لها هو الذي يمنعها من الدعوة لمثل هذه الحوارات".
وأردف: "طبعا يبقى الحوار هو الوسيلة الأنسب لحل هذه الاشكاليات إذا كانت السلطة راغبة فيه، وعكس ذلك سيؤدي الى مزيد من التصعيد والى انفجار الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد".
قال الجيلاني الهمامي القيادي في حزب "العمال" (يسار)، القيادي السابق في الاتحاد العام التونسي للشغل في تصريحات للأناضول: "ما حصل مؤخرا (الهجوم على مقر الاتحاد) يؤكد أن الاتحاد موضوع من ضمن الأجسام الوسيطة المستهدفة من قبل الرئيس سعيد لتركيز مفهوم حكم الفرد المطلق في البلاد".
وأضاف الهمامي: "صحيح أن الاتحاد يعيش أزمة داخلية (خلافات) والقيادة أضرت به وليس له نفس الجاهزية والعنفوان الذي كان عليه في ظروف أخرى، ولكن مهما كانت أزمته الداخلية، كلما تعلق الأمر بمواجهة السلطة إلا وعاد لعنفوانه واسترجع قوته بسرعة".
- استهداف واضح
وحول الحديث عن أن أطرافا تدفع إلى المواجهة بين السلطة والاتحاد قال الهمامي إنه منذ 7 أغسطس (الجاري) عندما تم الهجوم على مقر الاتحاد لم تحدد السلطات الطرف الذي نفذ الاعتداء.
وأضاف: "الهجوم كان شعاره واضحا وهو حل الاتحاد، ورد فعل الاتحاد طبيعي على عملية استهداف واضحة ".
وأردف الهمامي: "ثانيا الاتحاد من حيث تركيبته هو فسيفساء قوى منذ الستينات فيها القوميين والإسلاميين واليساريين والدساترة (الحزب الدستوري) والليبراليين.. هذه الأطياف كلها تدافع عن الاتحاد في أي لحظة".
وبخصوص دعوات الحوار بين الاتحاد والسلطة، قال الهمامي: "السلطة أعلنت منذ 2020 وفي عام 2021 أنه ليس هناك حوار اجتماعي وكأن المنظمة (الاتحاد) غير موجودة ".
وتابع الهمامي: "قيادة الاتحاد كان لها وهم أنه بالحوار قد تصل إلى نتائج واليوم تأكدت أنه ليست هناك آذان صاغية".
وفي 12 أغسطس الجاري، قال أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في افتتاح اجتماع استثنائي للاتحاد بمقره في العاصمة تونس: "لا نطلب التصادم (مع السلطة)، ولكن من يستهدفنا نقول له نحن جاهزون للدفاع عن العمال".
وحول اتهامات يوجهها مؤيدون للرئيس قيس سعيد إلى الاتحاد وقيادته بالفساد، قال الطبوبي: "مَن له (لديه) ملف (ضدنا)، فليلجأ للقضاء، فالمسألة أصبحت مسألة كرامة وشرف للنقابيين".
وفي 25 يوليو 2021، اتخذ الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية شملت حل مجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، ثم إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وفي البداية، ساند الاتحاد العام للشغل إجراءات سعيد الاستثنائية قبل أن يبدي تحفظات عليها، بعد رفض الأخير دعوات لحوار وطني أطلقها الاتحاد في ديسمبر 2022.
وتصف قوى سياسية، إجراءات سعيد بأنها "تكريس لحكم فردي مطلق"، بينما تراها أطراف أخرى "تصحيحا لمسار الثورة" التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي عام 2011.
بينما ذهب سعيد، إلى أن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".