محمد رسول الحرية.. قراءة أدبية في سيرة النبى ورسالته الإنسانية - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أبريل 2025 6:00 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

محمد رسول الحرية.. قراءة أدبية في سيرة النبى ورسالته الإنسانية

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 28 مارس 2025 - 7:15 م | آخر تحديث: الجمعة 28 مارس 2025 - 7:15 م

تقنيات السرد واللغة تثرى رؤية عبد الرحمن الشرقاوى للسيرة النبوية

«رؤية مغايرة لحياة النبى محمد، بأسلوب سلس وشرح مبسط»، هى المعادلة التى اعتمد عليها عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه «محمد رسول الحرية»، الصادر عن دار الشروق، ليقدم السيرة النبوية بروح جديدة تختلف عن الأساليب التقليدية التى تعتمد على الحشو التفصيلى للأحداث والأسانيد.

هذا العمل لا يقتصر على سرد وقائع السيرة، بل يغوص فى الأبعاد الاجتماعية والإنسانية التى أحاطت بها، فى محاولة لتقديم قراءة أكثر قربا من القارئ المعاصر، بعيدا عن الصياغة الأكاديمية أو التعقيد اللغوى.

الكتاب ينسج أحداث السيرة وكأنها حكاية تروى بلسان شيخ حكيم يجلس وسط أحفاده، يروى لهم عن مكة فى تلك الحقبة، عن التقاليد القبلية التى حكمت مجتمع قريش، وعن التحولات الكبرى التى سبقت البعثة لا يغرق الشرقاوى فى بحر الأسماء والأحداث الجانبية كما تفعل كتب السيرة التقليدية، بل يختصر الطريق إلى الجوهر، فيعرض لنا بدايات الوحى، وينتقل بسلاسة عبر محطات الهجرة والغزوات، مع التركيز على الأثر الإنسانى العميق لكل مرحلة.

ما يميز هذا العمل أنه لا يفصل بين البعد الروحى والبعد الواقعى، بل يجمع بينهما بذكاء، فيجعل القارئ يشعر بوقع الأحداث وكأنه يعايشها. لا يقدم الشرقاوى النبى باعتباره شخصية بعيدة عن الواقع، بل يرسمه إنسانا يحمل رسالة، يواجه تحديات، يخوض صراعات، ويؤسس لمجتمع جديد قائم على قيم العدل والحرية.

«محمد رسول الحرية».. رحلة النبى بين المعاناة والرسالة بأسلوب أدبى مميز
يعد هذا الكتاب أحد الأعمال التى تميزت بأسلوبها الأدبى الفريد، وهو ما يمنحه قيمة خاصة ضمن كتب السيرة النبوية. اعتمد عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه «محمد رسول الحرية» على أسلوب مخاطبة القارئ مباشرة، مما يجعل النص ينبض بالحياة وكأنه حديث موجه إلى كل فرد على حدة.

لم يكتف الكاتب بالسرد التقليدى، بل استخدم تقنيات لغوية مثل الالتفات، ليضفى على السرد حيوية وانسيابية غير معهودة فى الكتب الدينية الكلاسيكية.

يتناول الكتاب رحلة النبى منذ ما قبل مولده، بدءا من سيرة والده، ثم يمتد ليسرد تفاصيل حياته حتى لحظة وفاته. لا يقتصر العمل على السرد التاريخى فحسب، بل يغوص فى الأبعاد الشعورية والإنسانية التى مر بها النبى، موضحا حجم المعاناة التى واجهها فى سبيل نشر دعوته. يكشف الشرقاوى بمهارة كيف تحمل النبى الجوع، وكيف اشتد عليه المرض، وكيف واجه تحدياته مع زوجاته، حيث كانت الغيرة تنهش قلوبهن، إلى جانب حزنه العميق لفقد ابنه إبراهيم ودفنه بيديه، بعد أن سبقه إلى فقد أمه وعمه وحاميه.

يبرز الكتاب الجانب الإنسانى للنبى بعيدا عن التقديس المجرد، حيث يصوره كقائد وزوج وأب وصديق، يحمل بين ضلوعه آلاما وأحزانا، لكنه لم يتوقف عن أداء رسالته. ويتجلى ذلك المشهد المؤثر حين دخل مكة فاتحا، وهو يفتقد بشدة وجود السيدة خديجة بجواره، رفيقة دربه وأقرب الناس إلى قلبه.

ما يجعل هذا العمل فريدا ليس فقط ثراؤه بالمعلومات الدينية، بل طريقته فى تقديمها بأسلوب يجمع بين السرد الأدبى العذب والدقة التاريخية، مما يجعل القارئ يتفاعل مع الأحداث ويعيشها وكأنها ماثلة أمامه. لقد أبدع الشرقاوى فى هذا الكتاب، حيث نجح فى مخاطبة العقول والقلوب معا، مقدما سيرة النبى فى صورة أكثر إنسانية وتأثيرا، تجعل القارئ يعيد النظر فى فهمه لحياة الرسول وتحدياته العظيمة.

نجح الكتاب فى تقديم صورة شاملة عن واقع الحياة فى الجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث يسلط الضوء على العادات والتقاليد التى كانت تحكم المجتمع آنذاك، ليهيئ القارئ لفهم عميق للتحولات الكبرى التى أحدثها ظهور الدعوة المحمدية.

لا يقتصر الكاتب على الجانب التاريخى، بل ينطلق إلى أبعاد أعمق، كاشفا كيف جاء النبى برسالة تحريرية تهدف إلى كسر قيود العبودية، ووضع أسس العدل والمساواة بين البشر، متجاوزا الفوارق الاجتماعية والقبلية التى سادت تلك الحقبة.

لكن الشرقاوى لا يقدم الرسول فى صورة الزعيم أو القائد العسكرى فقط، بل يحرص على إبرازه كإنسان أولا، عاش معاناة مجتمعه وتأثر بتناقضاته، فكان يحمل فى داخله هموم الفقراء والمستضعفين قبل أن يحمل أمانة الرسالة. يصوره الكتاب وهو يجوع، ويمرض، ويفقد أحبته، ويتألم لفراقهم، لكنه فى كل ذلك يظل متمسكا بمهمته، مدركا ثقل الأمانة التى يحملها.

وبهذا السرد الحى يقترب القارئ من شخصية النبى بصورة غير تقليدية، تتيح له فهم نضاله ليس فقط فى ميدان الدعوة، ولكن أيضا فى معاركه النفسية والاجتماعية.

الأسلوب الذى اعتمده الشرقاوى يضفى على السيرة طابعا خاصا، حيث يتجاوز الحكى الجاف إلى لغة تجمع بين الأدب والتاريخ، ما يجعل القارئ لا يشعر بأنه أمام كتاب تقليدى، بل أمام عمل يتحدث إليه مباشرة، كأن النبى يروى قصته بنفسه، أو كأن شيخا حكيما يجلس ليحكى للأجيال عن رجل غير مجرى التاريخ. ومن خلال هذه الرؤية، نجح الكتاب فى تقديم السيرة النبوية كرحلة إنسانية عميقة، لا تقتصر على النبوة كحدث دينى، بل تمتد لتكون تجربة تحرر فكرى واجتماعى غيرت مسار الإنسانية بأسرها.

قراءة هذا الكتاب تمنحنا فرصة لفهم أعمق للسيرة، بعيدا عن التناول المجتزأ الذى يجعل بعض التفاصيل تبدو معزولة عن سياقها.

السرد المتسلسل والمتماسك يساعد القارئ على استيعاب الأحداث فى إطارها الشامل، مما يضفى على العمل قيمة خاصة كنافذة فريدة على حياة النبى، بأسلوب أدبى يلامس الروح والفكر فى آن واحد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك