تحديات تحقيق السلام فى الحرب الأوكرانية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 8:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تحديات تحقيق السلام فى الحرب الأوكرانية

نشر فى : الثلاثاء 1 أبريل 2025 - 5:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أبريل 2025 - 5:20 م

لقد بدأ سباق المفاوضات الذى أطلقه الرئيس الأمريكى ترامب للسعى نحو تحقيق طموحه الانتخابى والرئاسى بالتوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا ينهى الحرب التى استمرت لنحو ثلاثة أعوام. ويعتقد ترامب أنه يمكن إنجاز وقف هذه الحرب وتحقيق السلام فى زمن قصير للغاية معتمدا على روح التفاهم بينه وبين الرئيس الروسى بوتين من ناحية، وعلى ضعف موقف أوكرانيا التى تعتمد بدرجة أساسية على الدعم الأمريكى الأوروبى، وعدم تحقيقها أية مكاسب، بل على العكس تماما فقد لحقت بها خسائر كبيرة على كافة المستويات من أراضيها، وشعبها، واقتصادها، ولا يبدو فى الأفق أى بوادر تغيير لهذا الموقف، وأن المخرج لإنهاء هذه الحرب هو المفاوضات والمساومات وتقديم تنازلات.
إن من بين التحديات التى واجهها طموح ترامب بإنجاز سلام سريع فى الحرب الأوكرانية، منهج المفاوضات الروسى الذى يأخذ بالتدرج مع التأنى الشديد، وعدم الانتقال من مناقشة نقطة معينة إلى غيرها قبل بحث كافة التفاصيل والارتباط بينها والنقاط الأخرى. بينما نهج المفاوضات لدى ترامب هو القفز من نقطة إلى أخرى مع الاقتناع بمنطق الصفقات الذى يعتمد على المزج بين الضغوط التى قد تصل إلى حد التهديد، والمساومة والتلويح بتحقيق مكاسب مؤكدة، أو الخروج من أزمة كارثية، وأن كل شىء بثمن وأنه على الطرف الضعيف أن يقبل ما يعرض عليه. وقد أدى هذا المنهج إلى الصدام العلنى وغير المسبوق بين ترامب والرئيس الأوكرانى زيلينسكى فى لقائهما فى البيت الأبيض، ثم تراجع كلاهما من الحدة إلى اللين وإعادة الحوار بينهما بأسلوب أقل ضغوطا وأكثر تفهما، دون تغير فى أساس منهج ترامب.
• • •
ومن تعقيدات الحرب الأوكرانية تعدد أطرافها، فهى ليست حربا بين كل من روسيا وأوكرانيا فقط، وإنما يتحالف مع أوكرانيا الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى، كما أن روسيا لديها حلفاء يساعدونها ويقفون معها رغم أنها التى بدأت الحرب واحتلت نحو 20% من الأراضى الأوكرانية، معتمدة على توازن القوى الدولى الذى يمنع التحالف الأمريكى الأوروبى من التدخل بقوات عسكرية مباشرة، لأن ذلك يحول حربا إقليمية إلى حرب عالمية. وقد تحملت الدول الأوروبية أعباء عسكرية واقتصادية كبيرة للغاية، وخسرت الحصول على معظم احتياجاتها من البترول والغاز الروسى بأسعار تنافسية بسبب الحرب وفرض العقوبات على روسيا. ولم يكن الجانب الأمريكى بعيدا عن تحمل أعباء كبيرة من إمدادات سلاح ودعم مالى لأوكرانيا، فى ظل أزمة مالية كبيرة بمديونية خارجية بلغت نحو 36.6 تريليون دولار أمريكى، وهو ما أزعج ترامب ودفعه بقوة للسعى إلى إنهاء هذه الحرب بكل السبل الممكنة.
لكن اختلاف المنهج والرؤى بين الدول الأوروبية ورؤية ترامب مثل تحديا آخر للرئيس الأمريكى. ترى أوروبا أن خروج روسيا من حربها على أوكرانيا بمكاسب إقليمية وتغيير فى الحدود وسلامة الأراضى الأوكرانية، يمثل تهديدًا لأمن الدول الأوروبية من استقواء روسيا وطموحاتها فى فرض النفوذ والسيطرة على كل الدول المجاورة لها، ولما لذلك من تأثير سلبى على توازن القوى فى أوروبا، وأدى ذلك إلى عودة التجاذبات بين القادة الأوروبيون وإدارة ترامب، بصورة أشد وأكثر جدية من فترة رئاسة ترامب الأولى وتقليله من شأن تحالف الناتو، ومطالبة الدول التى تطلب أو تتمتع بالحماية الأمريكية زيادة مساهماتها المالية فى ميزانية الناتو، وهو ما رفضته عدة دول أوروبية فى مقدمتها ألمانيا التى أوضحت أن مساهمتها المالية الحالية كافية.
• • •
أدى اختلاف المواقف بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى عودة الحديث بين الدول الأوروبية الرئيسية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) عن تشكيل قوة دفاع أوروبية إما أن تكون مستقلة عن الناتو وعدم الاعتماد على القوات الأمريكية، أو أن تكون موازية ومتعاونة مع الناتو طالما كان هذا ممكنا ومتاحا. وتعتمد ألمانيا والدول الأوروبية التى ليس لديها سلاح نووى على المظلة النووية لحلف الناتو. لذا دعت ألمانيا القوتين النوويتين الأوروبيتين، وهما بريطانيا وفرنسا، إلى بحث تعاونهما لتوفير مظلة نووية أوروبية. وإزاء ذلك، لم يعد ترامب يتمسك باستبعاد أوروبا من مساعى التوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأوكرانية، ولكن لم يتم إشراكها مباشرة، حتى الآن، فى المفاوضات التى تجرى فى السعودية بين واشنطن وموسكو من ناحية، وبين واشنطن وأوكرانيا من ناحية أخرى.
يتمثل التحدى الأكبر أمام تحقيق سلام حقيقى فى الحرب الأوكرانية هو موقف كل من روسيا وأوكرانيا من الأراضى التى احتلتها روسيا منذ بداية الحرب فى نهاية فبراير 2022 حتى الآن. تتمسك روسيا برؤيتها بأن الأقاليم الأوكرانية التى سيطرت عليها، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التى استولت عليها فى عام 2014، أراضى روسية سبق ضمها إلى أوكرانيا فى إطار جمهوريات الاتحاد السوفيتى فى ستينيات القرن العشرين، وأن ما قامت به القوات الروسية هو تصحيح للوضع وإعادة الحق إلى أصحابه. وتضع روسيا سقفا عاليا لبداية أية مفاوضات سلام جادة مع أوكرانيا بالتسليم بحق روسيا فى هذه الأقاليم وعدم مطالبة أوكرانيا باستعادة السيطرة عليها. كما أن لروسيا مطالب أخرى منها استبعاد فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو نهائيا، ونزع سلاح أوكرانيا ومنع إعادة تسليحها لاحقا، بينما ترى واشنطن مسألة إعادة تسليح أوكرانيا ترتبط بملفات الأمن فى أوروبا، وحماية السيادة والحدود دون انخراط أوروبى جدى. بينما تتمسك أوكرانيا حتى الآن باسترداد أراضيها وأنه لا يجب مكافأة المعتدى الروسى بتقديم تنازلات غير مبررة، وتطالب بضمانات لأمنها وسيادتها مستقبلاً. وتعمل الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، من أجل توفير هذا الغطاء الأمنى فى إطار الجهود المبذولة للتوصل لوقف كامل لإطلاق النار وتسوية سياسية.
من بين التحديات أهمية العمل على تطبيع العلاقات الروسية الأمريكية التى تدهورت بصورة كبيرة خلال العقد الماضى، والعقوبات المفروضة على روسيا، والاتفاقيات الأمنية والاستراتيجية التى أوقف العمل بها. وأن الصعوبة البالغة أن واشنطن دورها مزدوج، فهى خصم مع الحلف ضد روسيا، وهى التى تقوم بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وكيفية التوفيق بين مطالب أوكرانيا بعدم رفع العقوبات عن روسيا إلى أن تسترد أوكرانيا حقوقها المشروعة، ورغبة واشنطن تخفيف العقوبات الإنسانية لتحسين العلاقات مع روسيا وتخفيف التوتر.
وأن ما تم التوصل إليه حتى الآن فى مباحثات الرياض الأمريكية ــ الروسية ــ الأوكرانية المنفصلة، اتفاقان جزئيان لوقف إطلاق النار، أحدهما للبنية الأساسية للطاقة بكل أنواعها فى روسيا وأوكرانيا، وثانيهما بإعادة العمل باتفاق تأمين الملاحة البحرية لنقل البضائع فى البحر الأسود وتعهد بعدم استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية. وتؤكد روسيا أن التوصل لاتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار ما يزال أمامه طريق طويل، وأن الاتفاقين الجزئيين خطوة إيجابية ولكنها مجرد بداية.
• • •
قد تسفر المساعى الأمريكية عن التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا فى ظل حالة الاستنزاف العسكرى، والإرهاق الاقتصادى التى أصابت الطرفين المتحاربين وحلفائهما بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ثمة فرق كبير للغاية بين وقف الحرب وتحقيق السلام المستقر فى ظل تمسك روسيا بالاحتفاظ بالأراضى التى سيطرت عليها، وتمسك أوكرانيا حكومة ومعارضة باسترداد أراضيها. ورغم أن مسألة تغيير حدود الدول الأوروبية سبق تطبيقها بعد الحرب العالمية الأولى، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن حدوثها فى الوقت الراهن سيكون له تأثير كبير على توازن القوى فى أوروبا بين روسيا والدول الأوروبية بصفة عامة.
لذا فقد يمكن التوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار، مع استمرار المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا عبر الوسطاء أو مباشرة فيما بعد لسنوات قادمة، بحثاً عن معادلة صعبة توفق بحلول وسط بين مطالب كلا الطرفين المتحاربين، مع احتمال كبير لتعرض أوكرانيا لمزيد من الضغوط الأمريكية فى المرحلة القادمة، لرؤية ترامب أنه يتعين على الخاسر تقديم تنازلات صعبة لا مفر منها.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات