كثيرا ما تستغرقك اللحظة فى تفاصيلها وتأخذك بعيدا عن معانيها فإما تبعدك عن من عاشها معك أو تقربك جدا لتلتصقا وتخزناها، أى اللحظة، خوفا من ضياع جديد!! فيما تنتقل هى فتنير أياما طويلة قادمة مغمسة ببرد شتاء طبيعى أو حتى صقيع الفراق والوحدة.
***
اللحظات المحفوظة فى الذاكرة ليس فى مجملها عبارة عن حفل صاخب أو عشاء فخم أو احتفاليات الكون بنهاية عام وقدوم جديد ربما ترحيب أو ربما خوف أو كلاهما ففى النهايات تختلط المشاعر ويصعب تفكيكها وتحويلها إلى أفكار أو مسميات.
***
اللحظة تلقى بظلالها على النفس أو ربما على العقل فتنعش بعضا منه أو توقده بأسئلة عالقة دون إجابات فكثير من الأسئلة لا إجابات لها وبعضهم يقول إنها من فعل القدر وأجوبتها فى الغيب.. ربما هم، أى القدريون، أكثر سلاسة فى تفسير اللحظة أو الحدث أو الجمود.. وأكثر راحة مع النفس حتى فى ساعات الموت الموجع تجدهم يقولون «الله جاب والله أخذ» أو إنه القدر فهل نعارض مشيئة الله؟؟!! وهنا يسود الصمت على اللحظة ويهرب ظلها فى عتمة الغيبيات المريحة للدماغ وللمزاج وللنفس وللقلب.
***
القدريون قادرون على الحياة دون مسكنات أو مخففات أو حتى الجرى وراء المغريات.. هناك لحظة شديدة الغواية يسعى بل يهرول لها الكثير فينتهى بهم الأمر إلى بعض منها أو حتى إلى سراب خلف سراب.
***
بعض الاحتفالات المرتبطة بتواريخ مشاعة للجميع لدى بعضهم هى لحظة من العدم فيتساءلون لماذا علينا الفرح فى هذه الليلة أو الحزن فى تلك أو التشاؤم مع مرور كذا أو التفاؤل عند جلوس الحمامة على شرفة منزلهم؟؟ كثير من أسئلتهم ربما هى من يفسد اللحظة نفسها حتى لو كانت هى عابرة وسريعة.. للناس لحظاتهم يختارونها أحيانا وكثيرا هى تسقط عليهم بفعل التقاليد أو المجتمع أو العادات أو المتبع أو المتعارف عليه أو فقط ليكونوا جزءا من الكل.. يبقى الفرد يسعى أن يقبل فى بيئته ومجتمعه وحاضره حتى يقدم كثيرا من التضحيات من أجل أن يقبل ويكون رقما من الأرقام أو مكمل عدد ويقنع نفسه أو نفسها بالقول المتعارف عليه فى مجتمعاتنا «حشر مع الناس عيد»!! فأى لحظة هى مع الآخرين أفضل بكثير من الوحدة كما يفضل الكثيرون تسميتها.. أما الوحدة فتفسيراتها تفتح معاجم عدد صفحاتها أكبر من أن تلخص.. كثيرون يجدون الوحدة القاتلة فى الجمع الذى لا يشبههم!! وآخرون يفضلون الهروب إلى رواياتهم وكتبهم ومعاملهم أو ربما الجلوس عند حافة النهر أو البحر حيث للموجة حضور يفوق حضور بعض البشر من «الرغايين»!!
***
لحظة هى لا تشبهها أى لحظة أخرى ولا يستطيع الكثيرون أن يفهموا منطق تخزين اللحظة بدلا من الجرى للوقوف فى الصفوف والجموع. وهم أيضا لا يفهمون معنى الدخول فى عوالم من الكلمات أكثر عمقا ومبعثا للفرح أو البهجة المثيرة، من محاولة تمثيل الفرح عند بدء العد التنازلى 10، 9، 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1، هاى هاى هاى هاى.. فيعلو الصراخ ويسود الصخب وكأنه هو من سيضمن أن يوما واحدا هو أفضل من 31؟؟ فيما ربما كان من الأفضل لهم أن يحتفلوا كما قال الشعب المصرى سابقا بكسر «القلل» حتى يقتلوا اللحظة أو اللحظات التى رافقت ذاك العام الذى كان.. لم يقل لهم أحد إنها كلها عجينة من الحزن والفرح أو الغضب والحلم.
***
يحاول البعض البحث عن اللحظة قبل أن تأتى، يعملون بجد لأن تكون كما يريدون أو كما يرسمون لها كارهين بذلك عنصر المفاجأة وهو الأقوى فى المشاعر وهو يشكل أكثر اللحظات تخزينا فى الذاكرة بل يبقى ظل الحدث المفاجأة كما هو الحدث باقٍ فى وسط الذاكرة مخترق كل سابقاته وما يأتى بعده.
***
اللحظة التى تفاجئك ليست كلها حزنا وأسى ومصيبة بل هى أيضا بعض من البهجة غير المتوقعة والحب الذى لم تكن تحلم به أو ربما لم تكن تتوقعه حتى إذا بهتت اللحظة بفعل تقدم السن أو فقدان الذاكرة التدرجى يبقى ظلها من بعيد، ربما باهتا بعض الشىء إلا أنه يبقى اللحظة حية.