القمة العربية والتحديات الجسام - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 مارس 2025 12:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

القمة العربية والتحديات الجسام

نشر فى : الإثنين 3 مارس 2025 - 5:10 م | آخر تحديث : الإثنين 3 مارس 2025 - 5:10 م

 بعد أقل من أربعة وعشرين ساعة، تنعقد قمة عربية استثنائية بالقاهرة  بناء على اقتراح من جمهورية مصر العربية، وللأسف جرت العادة على المبالغة فى التمهيد للقمم بوصفها دائما بأنها حدث تاريخى، مبالغات أفقدت القمم مصداقيتها، وأثارت تساؤلات عربية شعبية واسعة على مدى التعاون العربى وفاعليته، لذا يتوقع العالم العربى الكثير الآن، وأن يتطلع لمفاجأة بموقف وإجراءات فى ظل تحديات جسام وقلق عام.

 تجتمع قمة ٤ مارس فى ظلال هذه الشكوك والتساؤلات، وتواجه مجموعة من التحديات المحورية، بالنسبة للأوضاع فى غزة، ومستقبل القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم فى إطار دولة ذات سيادة، وفصل القمة ومواقفها فى هذه الأمور سيحسم أيضا تحدى كبير آخر ألا وهو الحفاظ على الدور السياسى الإقليمى للعالم العربى.

دعت مصر لانعقاد القمة كرد فعل لاقتراح قدمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتهجير كل الفلسطينيين من قطاع غزة، واستيطانهم بمصر والأردن ودول أخرى، مع سيطرة مبهمة للولايات المتحدة على القطاع، وتحويلها إلى موقع سياحى شاطئى، مما أثار البلدين بشدة ومعهم العديد من الآخرين حتى خارج الإطار العربى.

دعا للاجتماع العربى لهذا الغرض، وسبقه اجتماع تشاورى محدود بالرياض أخيرا من أجل التعامل مع الأفكار التى جاءت فى الاقتراح  الأمريكى بعمق وحسم، والتصدى له والرد عليها بطرح متكامل، مع وجود رغبة جامعة على الحفاظ على علاقات ثنائية مريحة مع الإدارة الجديدة.

 وعلى القمة تقدير المصالح الإقليمية والمواقف التاريخية والاعتبارات القانونية دون تغفل الأعين بما يبدو أنه تراجع جزئى من ترامب، الذى تمسك  بفكرته أخيرا، مع التنويه بأنها توصية مطروحة للأطراف، وإنما لن تفرض على أحد.

يخطئ من يتصور أن أسلوب طرح ترامب غير التقليدى كان دليلا أن اقتراحاته كانت عشوائية، وغير مدروسة لأن لها أغراض استراتيجية عميقة، تستهدف القضاء نهائيا على فكرة إقامة دولة فلسطينية، وهو هدف نتنياهو وأعوانه، وتخفيف التواجد الديمغرافى الفلسطينى فى غزة ومن بعدها فى الضفة الغربية لنهر الأردن، وسريعا بعد تصريحات ترامب عن برنامج حكومى إسرائيلى جديد لتشجيع التهجير الفلسطينى، دخلت الدبابات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية منذ أيام قليلة لأول مرة من عشرين عاما، خطوات كلها فى سياق سياسة نتنياهو المعلنة بتغيير شكل الشرق الأوسط، والتى شهدنا بموجبها استخدام مطلق للقوة العسكرية واستمرار التواجد الإسرائيلى فى لبنان وسوريا.

تتداول القمة الخطة المصرية للتعامل مع الوضع الإنسانى فى غزة، من حيث رفع معاناة المهجرين، وإعادة بناء القطاع بأكمله، وإدارته خلال عمليات إعادة البناء وما بعد، وهى خطة تفصيلية تنفذ على مراحل، وتؤكد على الطابع الدولى لهذا المجهود رغم الإسهام العربى المتوقع، وتتمسك بالهوية الفلسطينية للقطاع وإدارته، وإن كان من المنطقى أن يطالب المساهمين الخيرين أيضا وجود لجان مراقبة أو متابعة لتنفيذ ما يلتزمون به من مشروعات، وستكون من التحديات السياسية الكبرى المرتبطة بالمقترح كيفية التغلب على الموقف الإسرائيلى بالاستمرار فى استهداف أعضاء حماس داخل وخارج القطاع، وأن تكون لإسرائيل حق التدخل بالقطاع واليد العليا أمنيا حسب الحاجة، ورفضها وأمريكا أى وجود سياسى أو أمنى لحماس فى قطاع غزة.

وعلى القمة العربية دعم هذا التوجه صراحة حتى إن فضل البعض بعض البدائل التفصيلية الأخرى، لأن الهدف الاستراتيجى فى تمكين فلسطينى غزة من مزاولة حياة إنسانية أهم بكثير من أى جزئية منفردة.

هذا وأقترح وضع الخطة المصرية العربية فى إطار أوسع وأعمق، ليس لمواكبة الطرح الترامبى الهلامى، وإنما لأن العمليات التفاوضية حول السلام  فقدت مصداقيتها لدى الجانبين الإسرائيلى والعربى، وجذبهم مرة أخرى إلى الساحة الدبلوماسية جديا يتطلب طروحات واقتراحات لا تبدأ مرحلة تفاوض، وإنما تطرح حل نهائى للنزاع، وشمولية الطرح تمكننا من التعامل مع الساحة الفلسطينية كشعب متكامل، دون التوقف عند الاستبعاد أو الترجيح  رسمى  لفصيل أو حركة أو منظمة.

المقصود بذلك طرحا يتعامل بشكل متكامل ومترابط مع أزمة غزة، وإنشاء دولة فلسطينية، والعلاقات الطبيعية بين إسرائيل والعرب، وترتيبات أمنية إقليمية تتجاوز الإطار العربى الإسرائيلى، وكلها أمور طرحت جزئيا سابقا عدا الترتيبات الأمنية.

إذا أخذنا المواقف المعلنة للأطراف على محمل الجد، فإن المطالب الأساسية للفلسطينيين هى دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس حدود الـ 67،  وكلاهما إنهاء الصراع لكلا الجانبين، وتوفير السلام،  وتهتم إسرائيل بشكل خاص بتوسيع العلاقات الثنائية والإقليمية، وتطبيع العلاقات بينها والعالم العربي، وتعزيز الأمن فى الشرق الأوسط.

ولذلك فإننى أقترح طرحا متكاملا تعلن الأطراف الإقليمية وخاصة إسرائيل والفلسطينيين موافقتها على مختلف عناصره من البداية، ويتم إقراره فى مجلس الأمن الأممى، بما يعنى موافقة المنظمة وأعضاء مجلس الأمن عليه، بما فى ذلك أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، ويشمل عناصر أربعة هى:

    •   تبنى الخطة المصرية لإعادة إعمار دولية وعربية  لغزة، تنفذ  خلال ثلاث سنوات، مع تشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراط ولجنة إشراف دولية على التنفيذ.

    •   إقرار تنفيذ خطة عمل لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية  خلال خمس سنوات  على أساس حدود عام 1967  مع تعديلات طفيفة قابلة للتنفيذ.

    •   تنفيذ قرارات قمة بيروت العربية 2002 بعرض إقامة علاقات عربية إسرائيلية طبيعية بعد انتهاء الاحتلال.

    •   إنشاء اتحاد أمنى إقليمى يعتمد فى البداية على ثلاثة ركائز هى:  إدارة الأزمات، وحل النزاعات، والأمن الإقليمى ونزع السلاح.

إن الاقتراح  طموح  وتبنيه يعكس ثقة وقدرة القادة العرب على اتخاذ مواقف والتحرك والتأثير دوليا، ويتطلب المتابعة الدبلوماسية الفورية على أعلى مستوى، كما أنه أكثر جاذبية وكاشفا للمواقف الحقيقية للأطراف لتناوله جميع المطالب المعلنة فى آن واحد، لأن جميع الطلبات المعلنة مجابة، ورفضه يعنى عدم الالتزام بالسلام والتطلع للهيمنة غير المشروعة، وهو ما يجعلنى أكرر أن القمة العربية أمام تحديات جسام.

            

نقلا عن إندبندنت عربية

 

 

 

 

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات