الاستعداد لزيارة ترامب لإسرائيل - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 1:57 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الاستعداد لزيارة ترامب لإسرائيل

نشر فى : الإثنين 1 سبتمبر 2025 - 6:05 م | آخر تحديث : الإثنين 1 سبتمبر 2025 - 6:05 م

نشرت مصادر إعلامية أخيرا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يعتزم زيارة إسرائيل فى الخريف، خلال شهر ديسمبر القادم، وقد أثار ذلك اهتمامى الشديد لمجموعة أسباب، أولها أن الشرق الأوسط مضطرب للغاية بين الكوارث الإسرائيلية فى غزة، ويدها الطولى فى مختلف أنحاء المنطقة، وعلى وجه الخصوص فى لبنان وسوريا وإيران والبحر الأحمر، والأحداث المتغيرة بين يوم وليلة، والتى تجعل الإعلان عن الزيارة مبكرا مجازفة سياسية لاحتمال تغير التوقيت، وباعتبار أن الأحداث المتغيرة قد تؤثر على المضمون، واعتدنا أن يعلن عن زيارات الرئيس الأمريكى للشرق الأوسط وخاصة إسرائيل بأسابيع قليلة قبل إتمامها.

واهتممت بالخبر كذلك لأن ترامب لم يزر إسرائيل حتى الآن فى ولايته الثانية، بل كانت الزيارة الأخيرة له منذ ثمانى سنوات، ولم يعتد أى رئيس أمريكى القيام بزيارة مماثلة إلا وارتبط بحدث مهم والكثير من الدعم الأمريكى السخى لإسرائيل.

 فهل يكون الحدث والدعم هنا فى شكل موقف مؤيد للسياسات الإسرائيلية تجاه غزة والقضية الفلسطينية؟ علما بأن إسرائيل رفضت أخيرا مقترحا مصريًا قطريًا شمل الكثير من الأفكار التى طرحها المبعوث الأمريكى ويتكوف، فى نفس الوقت الذى صدرت فيه تصريحات متعارضة من ترامب بصعوبة إحراز تقدم دون الخلاص من حماس، وأخرى يشدد فيها أن الاقتتال والخسائر قد تجاوزت كل الحدود ويجب أن تتوقف، بعد استهداف إسرائيل مجمع مستشفى ناصر واستشهاد 20 مواطنا بمن فيهم خمسة صحفيين، وباعتبار أن هذه الزيارات لا تتم دون نتائج، فهل تكون النتائج مزيدا من الدعم لإسرائيل لحسم الأمور؟ وقد تابعنا أخيرا أخبارا عن اجتماعات لترامب مع زوج كريمته كوشنر وبلير رئيس وزراء بريطانيا السابق حول الترتيبات الخاصة بمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار بغزة، أم تكون دعما أمريكيا لإسرائيل مكافأة لها على قبول حلول وسط ووقف العمليات فى غزة؟ وهل هى بداية مرحلة جديدة من العلاقات الأمنية الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية؟ إلخ إلخ... أسئلة محيرة بالفعل ومهمة للغاية.

 واهتممت بالخبر أيضا لأنه يعكس رغبة فى توجيه رسالة سياسية محددة بالتواجد فى إسرائيل، خاصة أن الرئيس الأمريكى على اتصال دائم بالجانب الإسرائيلى، ويمكن انتهاز فرصة تواجده بنيويورك خلال شهر سبتمبر للمشاركة فى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد لقاءات قصيرة فى واشنطن، وهو ما يرجح أن هناك موقفا معينا أو صفقة يتم الإعداد لها.

والسبب الرابع لاهتمامى هو أن شخصية ترامب متطلعة دائما للإنجازات والصفقات الكبيرة، وهو ما يؤكد أن شيئا ما يتم ترتيبه، حتى إذا ترك لترامب مساحة لمبالغاته المعتادة، فضلا عن عدم إغفال الصفات الشخصية وطموحات رئيس وزراء إسرائيل الذى يعنيه إتمام الزيارة لدعم موقفه فى إسرائيل، خاصة أنه لا يزال مهددا بالعديد من التحقيقات والقضايا، وهو وضع لم يتردد ترامب فى دعمه فيه، إذن كلاهما يريد تحقيق إنجاز كبير ومتعدد خلال هذه الزيارة.

فى جميع الأحوال أعتقد أن على العالم العربى متابعة الأحداث وتقدير الحسابات بدقة شديدة، لأن الزيارة لن تتم دون نتائج، وأسلوب الإعداد لها والتسريب حولها فى ظروف بالغة الحساسية بين العرب وإسرائيل لا تحمل فى طياتها أسبابًا كثيرة للتفاؤل حول مسار السلام الفلسطينى الإسرائيلى، وترجح أن النتائج المادية ستكون مصحوبة بنتائج سياسية وأمنية استراتيجية، مرتبطة بأهداف إسرائيل لإعادة التخطيط الجيوسياسى للشرق الأوسط، ودعم رغبتها فى المبادرة باستخدام القوة فى مختلف الساحات الشرق الأوسطية حسب الحاجة والمصلحة، مع رغبة ترامب فى تخفيض الانغماس العسكرى الأمريكى المباشر فى اضطرابات المنطقة، ومن هنا لا يستبعد أن ينظر فى بعض أنواع الضمانات الأمنية الأمريكية لإسرائيل، دون وضع قيود على استقلالية قراراتها وهو ما تتمسك به إسرائيل، وأرجح أن تشمل دعما عسكريا إضافيا فضلا عن الموافقة على توريد أسلحة أمريكية جديدة، أو إعلان إسرائيل خلال الزيارة أو بعدها بقليل عن تطويرها لقدرات عسكرية متطورة بما فى ذلك الأسلحة الاستراتيجية، ووسائل الإيصال بعيدة المدى.  

وهل تكون النتائج دعم موقف تصعيدى جديد لإسرائيل تجاه إيران؟ وانتهاز فرصة التوترات الإيرانية الأوروبية ومع والوكالة الدولية للطاقة الذرية، أم ترتبط بالإعلان عن اتفاقية ترتيبات أمنية بين إسرائيل وسوريا؟ أو بضم بعض أراضيها، أو المزيد من الضغط على لبنان؟ أم يتم اعتراف أمريكا بضم إسرائيل أخيرا للضفة الغربية لنهر الأردن؟ أو يعلن عن ترتيبات خاصة لغزة مقابل وقف الحرب وتبادل الأسرى والمختطفين، وتراجع أمريكا الرسمى عن تأييد حل الدولتين، ودفع حلول وسط اقتصادية مقابل التنازل عن أراض، على غرار ما يطرحه بالنسبة لأوكرانيا، مع التهجير القسرى والمحفز للفلسطينيين لتخفيض الضغط الديموغرافى على إسرائيل. 

وما يجعلنى أشدد على أهمية المتابعة من جانبنا كعرب أن الشرق الأوسط يعاد تخطيطه جيوسياسيا، وأتذكر ما نقله لى مسئول أمريكى سابق بأن إسرائيل أمهر من يتعامل مع المنظومة السياسية الأمريكية، ولا تفوت فرصة لتحصيل مقابل الموافقة إذا اتخذت قرارا بالتعاون فى مجال ما، أو فى تحصيل مقابل لعدم تصعيد الأمور التى لم يكن هناك إمكانية للتقدم فيها أو التوافق عليها، وأقوى الحجج ومجالات التعاون بين البلدين هى احتياجات إسرائيل الأمنية، رغم ما فيها من مبالغة، باعتبارها الدولة الديمقراطية المستهدفة فى المنطقة والصديق الحميم للولايات المتحدة.

وعليه، فإن المتابعة والاستعداد العربى أمر واجب وهام، خاصة بالنسبة لاعتبارات الأمن الإقليمى العربى والذى يجب أن يكون موضوع مشاورات واتصالات عربية ثنائية وجماعية بغية بلورة منظور عربى تعاونى للأمن الإقليمى، خاصة مع ترجيح قدرات وإمكانيات أطراف إقليمية غير عربية بما يخلق المزيد من عدم الاتزان والاضطرابات، خاصة مع وجود طموح وتطلع للهيمنة ودعم مباشر أو ضمنى من دولة عظمى وعجز دولى لترجيح قوة القانون على جبروت القوة.

نقلًا عن إندبندنت عربية

  

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات