مغزى الزيارات الأمريكية المتكررة لمصر - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مغزى الزيارات الأمريكية المتكررة لمصر

نشر فى : الأحد 5 أغسطس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 5 أغسطس 2012 - 8:00 ص

ما مغزى ثلاث زيارات مهمة للقاهرة قام بها مسئولون أمريكيون كبار خلال شهر يوليو فقط، وهو الشهر الأول بعد تسلم الدكتور محمد مرسى مهام عمله الجديدة رئيسا لمصر؟

 

أن يزور القاهرة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية بيل بيرنز يوم 8 يوليو، ثم يعقبها فقط بثمانية أيام زيارة وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون التى وصلت القاهرة يوم 14 يوليو، ثم يختتم شهر يوليو استقبالاته بوزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا، وهو رئيس سابق لجهاز المخابرات الأمريكية، الذى وصل يوم 31 يوليو، فهذا يعنى أن هناك شيئا غير طبيعى. ليس من الطبيعى فى العلاقات الدولية أو الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها القيام بمثل هذا الكم من زيارات مسئولين كبار إلا فى ظروف استثنائية مثل حدوث أزمة إقليمية كبيرة، أو توتر شديد فى العلاقات الثنائية بين الدولتين. ولم تشهد القاهرة زيارات مماثلة بهذه الكثافة من مسئولى أى دولة أخرى.

 

 وهذا السلوك الأمريكى ليس جديدا، فقد اتبعت واشنطن نفس السلوك خلال الأشهر القليلة بعد تنحى الرئيس السابق حسنى مبارك. وشهدت القاهرة بعد عدة أيام من سقوط مبارك خلال شهر فبراير زيارات قام بها قادة الكونجرس الأمريكى مثل السيناتور المستقل جوزيف ليبرمان والسيناتور الجمهورى جون ماكين، كما زارها النائب الجمهورى داريل عيسى. وخلال شهر مارس زارت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، ثم وزير الدفاع (حينذاك) روبرت جيتس مصر. ثم حضر للقاهرة كل من مايكل بوزنر، مساعد وزير الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل فى مارس 2011، وجيفرى فيلتمان، مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط للقاهرة ثلاث مرات فى مارس ومايو ثم فى أغسطس 2011. كما زارت مصر ماريا أوتيرو، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشئون العالمية والديمقراطية للقاهرة فى سبتمبر 2011.

 

أيضا زار مصر وفد كبير لوزارة الخزانة الأمريكية فى مارس 2011 تبعته زيارة السيدة لائيل برنارد، وكيلة وزارة الخزانة للعلاقات الدولية فى يوليو 2011 لتناول تفاصيل الشق الخاص بمبادلة الديون الأمريكية، ومن بعدها زيارة السيد روبرت هورماتس مساعد وزيرة الخارجية للشئون الاقتصادية فى مايو 2011.

 

على الجانب المصرى، لم يقم بعد الثورة بزيارة واشنطن سوى السيد وزير الخارجية السيد محمد كامل عمرو سوى مرة واحدة يومى 27 و28 سبتمبر 2011. كما زار واشنطن وزراء المالية والتخطيط والتعاون الدولى على هامش مشاركتهم فى الاجتماعات الدورية نصف السنوية للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى.

 

ولا يقوم كبار المسئولين الأمريكيين بهذه الزيارات إلا لضمان عدم خسارة مصر، والتأكيد على ضرورة استمرار خصوصية العلاقات معها. واشنطن تدعى فى العلن دعمها لعملية التحول الديمقراطى فى مصر. إلا أن واشنطن تضع شروطا لهذا الدعم أهمها الحفاظ على الالتزامات المصرية تجاه إسرائيل، واستمرار التعاون الثنائى بين القاهرة وواشنطن فى المجالات العسكرية والمخابراتية. كما أن القلق الأمريكى يتعدى القلق على مصر، فالاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط تستند الآن على تحالف متين مع إسرائيل وعلى علاقة خاصة مع المملكة السعودية. وجدير بالملاحظة أن كلتا الدولتين، السعودية وإسرائيل، يريان فى تحقيق ديمقراطية مصرية حقيقية تهديدا حقيقيا لأمنهما القومى.

 

تعرف واشنطن جيدا ماذا تريد من مصر سواء حكمها حسنى مبارك أو رئيس إخوانى. وعلى العكس من ذلك، لم تعرف مصر ماذا تريد من أمريكا خلال العقود الثلاثة الماضية. واشنطن قلقة على اهتزاز مسلماتها القائمة على دور محدد تقوم به القاهرة. لقد خرج تحالف القاهرة مع واشنطن من رحم موقف السادات ومبارك من عملية سلام الشرق الأوسط. لذا كانت اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل هى حجر الأساس الذى أوجد معسكر الاعتدال العربى المتعاطف مع السياسات الأمريكية فى المنطقة، بقيادة مصر وعضوية السعودية والمغرب ودويلات الخليج. إلا أن قيام ونجاح ثورة 25 يناير قد يمثل تهديدا كبيرا للمسلمات الأمريكية القديمة، على الأقل من الناحية النظرية.

 

حسابات واشنطن الجادة لا تتخيل المساس بعلاقاتها الخاصة بمصر حتى تحت رئيس منتخب ديمقراطيا، فبعد مقابلة وزير الدفاع الأمريكى بانيتا الرئيس مرسى والمشير طنطاوى، خرج الوزير ليقول وليطمئن الشعب المصرى: «اقتنعت بأن الرئيس مرسى صاحب قراره... وأنه ملتزم حقا بتنفيذ إصلاحات ديمقراطية هنا فى مصر». وأضاف أنه يعتقد أن «الرئيس مرسى والمشير طنطاوى تربطهما علاقة جيدة للغاية ويعملان معا نحو نفس الأهداف».

 

مصالح واشنطن تقوم على استقرار أوضاع الحكم فى مصر بوجود علاقات متوازنة بين القوة المنتخبة ديمقراطيا حتى لو كانت إسلامية، مع القوى الأخرى فى مصر وهى المؤسسة العسكرية. تقدر واشنطن

 

كثيرا تفهم الجيش المصرى للعقيدة العسكرية الأمريكية، واعتماده فى تسليحه على التكنولوجيا والعتاد الأمريكى. لا تريد أن تتخيل واشنطن وجود جيش مصرى يسعى للحصول على سلاح نووى مثل نظيره الإيرانى. ولا تتخيل واشنطن جيشا مصريا لديه موقف رمادى من قضية الحرب على الإرهاب مثل الجيش الباكستانى. وقطعا لا تريد واشنطن جيشا مصريا يحصل على سلاحه من دول أخرى منافسة مثل روسيا أو الصين، أو حتى صديقة مثل فرنسا وبريطانيا.

 

لم تقم واشنطن بعد بإلغاء ديون مصر البالغة 3.5 مليار دولار، وهو ما سيمثل حال حدوثه إظهار أمريكا لحسن نيتها تجاه ثورة مصر بإعفاء الحكومة الجديدة من ديون النظام القديم، فى حين يتذكر الشعب المصرى جيدا أن واشنطن قامت بإلغاء ديون مستحقه لها عند النظام السابق قدرت بما يقرب من 7 مليارات دولار عام 1991 بجرة قلم حين أرسلت مصر آلافا من جنودها لمساعدة الولايات المتحدة فى حرب تحرير الكويت من الغزو العراقى.

 

على حكام مصر الجدد تحديد مصالح مصر «علنا وبوضوح» من علاقاتها الخاصة التى يبدو أنها مستمرة فى عهد ما بعد مبارك بواشنطن. لقد نجحت ثورة 25 يناير فى فرض معادلة جديدة أصبحت فيها جموع الشعب المصرى أهم لاعب فى الشأن السياسى الداخلى منه والخارجى، هذا ما يجب أن تستغله القيادة المصرية الجيدة، ويجب فى الوقت نفسه أن تحذر منه وتأخذه فى حساباتها.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات