شغفت دائمًا بمتابعة تلك الدراسات العلمية التى تجعل من حياة الإنسان محورها خاصة تلك التى تستمر لفترات طويلة الأمد الذى يضيف إليها مصداقية تحكى بالفعل تاريخ الإنسان الاجتماعى والطبى معًا.
نشرت الدورية العلمية المعروفة The Journal of family paycology والمهتمة بالشئون النفسية للأسرة، دراسة وافية لبحث علمى استمر على مدى تسعة عشر عامًا فى رصد أحوال ثلاثة آلاف إنسان تتراوح أعمارهم وقت بداية التجربة بين الأربعين والخمسة وأربعين عامًا. التجربة بدأت عام ٢٠٠٥ لتنتهى عام ٢٠٢٤.
كان من المألوف أن تركز الأبحاث العلمية النفسية على علاقة الإنسان بشريك حياته، فمعظم الأبحاث السابقة لتلك الدراسة الموسعة كان هدفها الأساسى سبر أغوار تلك العلاقة بين الرجل والمرأة. أما تلك الدراسة فقد اهتمت بعلاقة الإنسان بالدائرة الأكبر من الأقارب الأب والأم، الخال والعم، أبناء العمومة والخالات.. وما إلى ذلك من أقارب من الدرجة الأولى والثانية بل والثالثة أيضًا.
تضمنت الدراسة تسجيل إجابات متكررة على مر السنوات على سبيل المثال: من مِن أقربائك يمكنك اللجوء إليه إذا واجهت مشكلة ما فى عملك أو مجتمعك، وهل تلجأ إليه متأكدًا من دعمه لك؟
- كم مرة على مدى شهر تجرى مكالمة للاطمئنان على والديك؟
- هل يمكنك تسجيل إعجابك بقريب لك متفوق فى حياته؟
- مع من تقضى عطلاتك من أقاربك؟
- من أقرب إليك: عائلات والدك أم والدتك؟
- إلى أى سن عشت مع والدك ووالدتك؟
- كيف كانت علاقة والدك ووالدتك؟
- إذا لجأ إليك أحد أقاربك لحل مشكلة هل تقبل على مساعدته وتعد هذا حقًا له عليك أم تتراجع؟
- هل يعرف عدد أبناء ابن عم والدك؟
- هل تذكر أعياد ميلاد خمسة من أقاربك من الدرجة الثانية؟
- هل تشارك فى المناسبات الدينية العائلية؟
- هل تثق فيما يحكيه أقاربك وتعتمد عليه فى قرارات مصيرية؟
تعددت الأسئلة التى اعتاد عن طيب خاطر المتطوعون لإجراء البحث الاستقصائى الإجابة عنها على مدى تسعة عشر عامًا كانت تجرى لهم فيها اختبارات معملية وكشوف طبية لمتابعة حالتهم الصحية عن كثب.
جاءت النتائج كما يصفها فريق البحث الذى تابع التجربة على مدى تسعة عشر عامًا: ذكر الكثيرون من الثلاثة آلاف شخص أنه فيما يمكن للإنسان أن يرغب فى الانفصال عن شريك حياته ليبدأ مع إنسان آخر فإنه لا يمكن بالطبع الاستغناء عن عائلته وأقربائه من أى درجة.. فما بالك بالأم والأب؟
أما المفاجأة الأكبر فقد جاءت لتشير إلى أن من يتمتعون بدفء العلاقة العائلية مع أقربائهم (extended family) من فروع العائلة المختلفة ويثقون بقرابة الدم فقد انحسرت بينهم الأمراض المزمنة، وسجلت مؤشرات الصحة فى ملفاتهم أعلى درجات.
أما الذين لم تربطهم علاقات وثيقة بأقربائهم من الدرجة الأولى والثانية والثالثة فقد علت لديهم مؤشرات الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، مثل السكر من النوع الثانى وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والكلى والسرطان!
يا سبحان الله.. حينما انتهيت إلى تلك النتائج التى تحث على إحياء صلات الرحم، والتى سجلها العلم فى حيادية كاملة تسلل إلى وجدانى ذلك اللحن البديع لكلمات سيد حجاب العبقرية فى نهاية المسلسل الفريد «أرابيسك»، والذى يتجاور فيه آلتا الكمان والقانون فى براعة مذهلة.. «أهلك لا تهلك.. ده إنت بالناس تكون».