القاهرة: مدينتى وثورتنا (٣٨) - أهداف سويف - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 4:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهرة: مدينتى وثورتنا (٣٨)

نشر فى : الخميس 5 نوفمبر 2015 - 1:15 م | آخر تحديث : الخميس 5 نوفمبر 2015 - 1:39 م

 مرة أخرى، أكتب آخر كلمات هذا النص، فى نوفمبر ٢٠١٢، وأنا لا أدرى ما الذى ستكون عليه أحوالنا فى مصر لحظة قراءتكم له.
فى نوفمبر من العام الماضى، ٢٠١١، أصبح شارع محمد محمود المكان، الذى نحج إليه فيزودنا بالطاقة الروحية والعاطفية؛ نجلس فى رحاب الجرافيتى الذى استولده ما رآه المكان من أحداث. الرسومات والنصوص ارتقت الحوائط فشكلت فنا يحكى عن شهدائنا، ويحكى عن الثورة وعن مصر، ويُذَكِرنا بكل ما نأمل فيه وكل ما نجاهد من أجله.
وفى وقت متأخر من مساء ١٨ سبتمبر ٢٠١٢، نزلت بعض عمال النظافة إلى الشارع، تحميهم مجموعة من قوات الأمن المركزى، وبدأوا فى إزالة الجرافيتى. تجمع الناس. اعترض الناس، فأكدت رئاسة الجمهورية، ووزارة الداخلية، وبلدية القاهرة أن الأمر بمسح الجرافيتى لم يأتِ من أى من هذه الأجهزة! وظهرت أدوات الرسم وألوانه مرة جديدة، وطلع صباح اليوم التالى ليجد على الجدار وجه شاب ساخر، يضحك ويخرج إلى المشاهد لسان طويل أخضر اللون. وخلال أيام كان الشارع قد امتلأ بالجرافيتى من جديد.
لمن جدران شارع محمد محمود؟ لمن هذه المدينة؟ لمن الثورة ولمن هذه البلاد؟ هذا هو السؤال، وهذه هى المعركة.


يوم الجمعة ١٢ أكتوبر ٢٠١٢ كانت هناك مطالبة بإقامة «جمعة الحساب»: أمضى محمد مرسى مائة يوم فى رئاسة الجمهورية ــ فكيف أبلى؟

نعرف إلى أى قطب ينتمى الرئيس الجديد على محورَ «الإسلام السياسى/الدولة المدنية» ومحور «المحافظة/التقدمية»، فهل بدأ فى التحرك من قطبه فى اتجاه القطب الآخر؟ هل سينجح فى الوصول إلى نقطة توازن؟ كان السؤالان المطروحان: هل استطاع الرئيس الجديد أن يسمو على السياسات الحزبية ليكون رئيسا لكل المصريين.. وهل بدأ فى وضع البلاد على بداية طريق يوصلها إلى أهداف الثورة من عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية؟
«عيش»: الحوار حول أيديولجية الاقتصاد محتدم، ليس عندنا فقط بل فى العالم كله. حركة «أوكيوباى» فى الولايات المتحدة، والاحتجاجات فى بريطانيا وإسبانيا واليونان كلها حول هذا الموضوع. وفى مصر نجد أن الفلسفة الاقتصادية للإخوان المسلمين لا تختلف كثيرا عن عقيدة مبارك؛ فهى أساسا سياسات سوق حرة، أيديولوجية رأسمالية تنحاز للشركات ضد الأفراد، وللأغنياء ضد الفقراء. ربما تختلف بعض الشىء فى تفاصيل موقفها من الفقراء، فنظام مبارك لم يعمل لهم أى حساب، أما الإخوان فيرونهم على أنهم متلقون جيدون للإحسان، وقد يكونون كوادر إخوانية مفيدة.
لكن الثورة تطالب بتغييرات جذرية فى علاقات القوة الاقتصادية فى البلاد.
فى هذه اللحظة نجد أن المعركة الأكثر علنية تدور حول القروض من المؤسسات المالية الدولية. تتفاوض حكومة محمد مرسى حول قرض من الـصندوق الدولى، وهو القرض الذى لا يجد قبولاً فى الشارع، فالكل يعرف أن متطلبات القرض ستؤدى إلى خصخصة أكثر، وصرف عام أقل ــ حتى إن كانت شروطه المعلنة تبدو مقبولة. الناس الآن تطلب مزيدا من الملكيات العامة، ومن الإنفاق على الشأن العام، ومشروعات قومية كبرى توظف إمكانات وموارد مصر الهائلة وغير الموظفة.
“العدالة الاجتماعية»: بالطبع لن يقول أى حزب إنه ضد العدالة الاجتماعية، لكن السؤال دائما حول تعريف «العدالة الاجتماعية» هذه، والاتفاق على كيفية الوصول إليها. الثورة المصرية تطالب بأن يولد كل طفل ليجد فرصه متكافئة مع كل الأطفال الآخرين. ولتحقيق هذا نحتاج إلى تعليم مجانى، ورعاية صحية شاملة، ووسائل مواصلات واتصالات متاحة، ومساكن متوفرة. وكل هذا من الممكن تحقيقه إن انحزنا إلى الفقراء وإلى الأغلبية، وإن جاء تفكيرنا تفكيراً شاملاً يبحث عن أسلوب حياة لا يضع القلة المستفيدة فى علاقة استغلال مع الأغلبية ومع كوكب الأرض نفسه.
«حرية»: مركز النديم لمساندة ضحايا العنف أصدر تقريرا منذ أيام قليلة (بتاريخ ٩ أكتوبر) يرصد استمرار ممارسات الاحتجاز والتعذيب والعنف. لم يخْلُ يوما واحدا من أيام رئاسة الدكتور محمد مرسى المائة من انتهاك الدولة لحق إنسان ما فى السلامة الجسدية.
كان أول من استقبله محمد مرسى ضيفا على قصر الرئاسة والدة الشهيد خالد سعيد، ومع ذلك لم يُكَرِم شهداءنا ولم يضعهم فى مكانهم المنتَظَر: فى القلب والمركز من مصر الثورة. لم يؤسس صندوقا ولا لجنة دائمة لرعاية مصابى الثورة، لكنه شكل لجنة تقصى حقائق لتبحث ملابسات إصابتهم. استضاف وفدا من رجال الأعمال الأمريكيين ضم أكبر المشتغلين بصناعة السلاح. لم يتبنَ أيا من المبادرات المطروحة لإعادة هيكلة منظومة الأمن، ولذا فالمواطنون ما زالوا يموتون تحت التعذيب فى السجون والأقسام وأماكن الاحتجاز. لكنه أحال المشير محمد حسين طنطاوى والقيادات الكبرى للمجلس العسكرى إلى التقاعد، وأنعم عليهم بقلادات الدولة المصرية.
منذ شهر، فى ١٢ أكتوبر ٢٠١٢، رفع الناس فى التحرير عددا من المطالب:
إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور للوصول إلى تمثيل أكثر توازنا؛ نريد أعدادا أكبر من النساء ومن الشباب ومن المسيحيين، ومن المدنيين؛ فالدستور دستور المصريين كلهم.
إعادة هيكلة وزارة الداخلية.
حق الشهداء والمصابين.
حد أدنى وأعلى للأجور.
تسأل: إذا فماذا تغير؟ والإجابة هى: نحن؛ نحن تغيرنا وتغيرت الطريقة التى نرى بها مشاكلنا. نرى الآن أنه كان من المستحيل أن نتخلص من تراكمات أربعين عاما من الفساد والعرقلة والتخريب فى ثمانية عشر يوما، أو فى سنة. الآن فشل الدولة ومشاكل المجتمع كلها تخرج إلى النور ليراها الجميع. وهذا ضرورى إن كنا سنتمكن من إصلاح أمورنا. انتهينا من الخداع. نرى اليوم أننا منقسمون، وأن علينا أن نقوم بمجهود جبار ومبدِع لننحت أرضا مشتركة جديدة. نرى أن مؤسساتنا جوفاء هشة وأن علينا تنظيفها وتشكيلها تشكيلا جديدا. نرى أن علينا تطهير الفساد الذى تفشى فى جميع مساحات الحياة العامة عندنا. نرى أن بيننا الكثيرون من الأخيار المكرسين، لإحداث التغيير الذى تطالب به الثورة، ونرى أنه ــ بالرغم من الفشل الواضح لمؤسسات الدولة ــ مصر نفسها لم تفشل: لم يزداد عدد الجرائم، الأسواق تبيع وتشترى، الناس يطلقون النكات ويجلسون على المقاهى ويخرجون للتهوية على الكبارى، وهذا كله شاهد على التماسك الراسخ لمجتمعنا.

التعليقات